كاتب سعودي: ما هكذا عودتنا يا أمير الحزم والعزم
متابعات:
أمير “الحزم والعزم”، عودنا أن ينتفض ويغضب لمجرد تغريدة هنا أوهناك تنتقد سياساته الداخلية، اما يوم أمس فقد أظهر لنا وجهه الثاني، فبقليل من الحزم وكثير من الحذر، أطل بن سلمان في مقابلة له مع وكالة بلومبرغ الأمريكية ليرد على تصريحات الحليف الأمريكي، حيث كان من المفترض أن يسترد شيئاً من ماء وجه والده الذي أراقه الشريك الأمريكي، خاصة بعد تكرار الأخير للإهانات لوالده الملك بعدم قدرته على الاحتفاظ بطائراته ولا الطيران بها من دون الحماية الأمريكية وعليه دفع المزيد من الأموال مقابل ذلك وأنه لن يستطيع الصمود أكثر من أسبوعين من دون حمايتهم. وعوضاً عن استعادة شيء من ماء وجه أبيه أخذ بن سلمان يمرغه أكثر بالأرض، حيث اعتبر كل تصريحات ترامب نوعاً من عتاب الصديق الوفي للسعودية والسعوديين.
وفي المقابلة قال بن سلمان أننا” لن ندفع شيئاً مقابل أمننا”، كلمات من يسمعها من رجل قد يتوهم للوهلة الأولى أن بين الطرفين ندية كبيرة، وإذا كانت تلك هي الحالة فعلاً، فلماذا تقبل تصريحات خارجة عن الأعراف الدبلوماسية وعما تسمى في أمريكا الاستراتيجيات الرئاسية. اما الحقيقة فتشير الى أنها قد عرت العلاقة بين الحليفين التاريخين، فما عاد الرئيس الأمريكي يدع فرصة دون أن يذكر حلفاءه بل مموليه السعوديين بأنه صاحب فضل عليهم، لكن السعوديين في المقابل يصنفون ذلك كله في خانة الصداقة، وكما هو معروف أن الصديق سيقول عنك أموراً جيدة وأخرى سيئة وعليك تقبل ذلك.
بهذا رد الأمير محمد بن سلمان على محاوره من وكالة بلومبرغ الأمريكية، حين سأله عن تقبله ما يصفها بالتصريحات الوقحة، وكأنما جعل الأمير الشاب من المسألة برمتها “عتب محب لا أكثر”، حيث لم يرى فيها تحقيراً أو أي نوعٍ من المطالب المحرجة. كما وأظهر بن سلمان من خلال المقابلة عن صفة جديدة يتمتع بها هو ووالده، وهي صدرهم الكبير والرحب الذي يتقبل كل عتاب ونقد لاذع مهين من الحليف الاستراتيجي، لكنها أظهرت أيضاً تناقضاً كبيراً، حيث يضيق صدرهم مع غيره، وهنا نذكر بالذي جرى خلال الأشهر القليلة الماضية حينما غردت وزيرة الخارجية الكندية تغريدة على تويتر انتقدت فيها سياسة السعودية القمعية ضد نشطاء حقوق الانسان، وبالرغم من أن كندا صديقة للسعودية أيضاً وتربطها بها علاقات قوية، والرغم أيضاً أن التغريدة لم تكن بوقاحة تعليقات ترامب الا أن بن سلمان ضاق صدره هنا وقام بقطع العلاقات معها.
وبالفعل سؤل بن سلمان عن هذا التناقض في المقابلة الا أن جوابه لم يكن مقنعاً، حيث قال أن مع كندا الأمر مختلف تماماً، حيث أعطت أمراً للمملكة بشأن مسألة داخلية، أما ترامب فكان يتحدث الى شعبه عن قضية. وهنا يسخر محللون من تعليق بن سلمان على هذا الموضوع ويذكرونه أن هذه القضية ليست بالشأن الداخلي الأمريكي أيضأً وان وظفت في سياق انتخابي، انما هو حديث محرج متعالي تكرر مراراً بحق دولة ذات سيادة وبحق مسؤوليها. ومن حق أولئك المسؤولين، كما يرى البعض أن لا يسيء الظن بتعليقات دول تربطهم بها شراكات وأحلاف، لكن الأمر الغير مفهوم هو غياب ذلك القدر من التسامح مع شعوبهم.
ففي المملكة السائرة نحو الحداثة والإصلاح لا تزال تقابل الآراء الحرة والأصوات الناقدة لتوجهات السلطة وسياساتها بشتى أساليب القمع، حيث لم يسلم من ذلك حتى الناصحون الأقل حدة في نقدهم ولا أولئك الذين يؤمنون بنهج الإصلاح والمختلفون في تفاصيله، هنا اذاً تنتفض الدولة لهيبتها فالأمراء والعلماء والمثقفون ورجال الأعمال والمدافعون عن حقوق الانسان لا يصنفون جميعاً في خانة الأصدقاء.
ختاماً، لقد جاء ردّ ولي العهد السعودي على ترامب ضعيفاً ويحمل في طياته نوعاً من امتصاص تصريحات الرئيس الأمريكي عوضاً عن الرد عليها، ومن هنا يظهر المأزق الكبير الذي يعيشه بن سلمان في الفترة الأخيرة واصراره على التمسك بالحليف الأمريكي حتى لو أهان وشتم “والدته” فهو خسر جميع أوراقه في الداخل والخارج، لذلك رأينا ابن سلمان يحاول الرد مع مراعاة جميع الكلمات التي يتلفّظ بها، ووجدنا حديثه متناقضاً في كثير من الأماكن.
بقلم: فيصل التويجري