كل ما يجري من حولك

الرئيس الكرباج الذي يحب السعوديّة ويحتقرها ويكره الأوبك

389

 

د. أحمد الصعدي

أنا أحبُّ الملك سلمان لكني قلت له لن تتمكّـنَ من البقاء في الحكم لأسبوعين من دون جيشنا؛ لذلك عليك أن تدفع. أنا أحب السعوديّة.. وقد قلتُ للملك سلمان إنك تملكُ تريليونات من الدولارات والله وحدَه يعلم ماذا سيحدث للمملكة في حال تعرضت لهجوم، وقلت له أَيـُّـهَا الملك ربما لن تكون قادراً على الاحتفاظ بطائراتك إذَا تعرضت السعوديّة لهجوم لكن معنا أنتم في أمان ويجب أن تدفع في المقابل. أنا لا أحبُّ الأوبك ولا أحد يحبها، هم يسعون لاستغلالنا بأسعار نفط عالية، ونريدُهم أن يبدأوا بخفض الأسعار..

هذه العبارات لم يكتبها تلميذ مدرسة ابتدائية يتدرّب على الإنشاء، بل قالها رئيسُ الولايات المتحدة الأمريكية دونالد ترامب في مهرجاناتٍ انتخابية، الأسبوع الماضي وسمع بها العالم كله.

هذه العبارات بما فيها من صراحةٍ إلى درجة الوقاحة ومباشرة عاريةٌ من أبسط الأغطية الدبلوماسية، وفجاجة وابتذَال تجلبُ الواحدةُ منها من الدولارات ما لم تجلبه كُـلُّ إبداعات الأدب العالمي التي فازت بجائزة نوبل للأدب منذُ إنشاء هذه الجائزة.

نصح الباحثُ الأمريكي وليم كوانت صُنّاعَ القرار في بلاده، في كتابه الذي أعده ليكونَ مساعداً لهم في التعامل مع ملوك وأمراء السعوديّة المتعاقبين وحمل عنوان (السعوديّة في الثمانينيات)، نصحهم بالقول: إن قادة المملكة يقبلون النقد بشرط أن يقال في الغرف المغلقة وأن يظل طيّ الكتمان، لكن الرئيس الحالي ترامب اتّخذ أسلوباً فريداً في التعامل مع ملوك وشيوخ السعوديّة ودول الخليج تحول معه إلى كرباج يسيط بكلماته اللاذعة وجوهَ ملوك النفط ويزدريهم ويشهّر بهم علناً، ويفتخر بذلك ويتباهى بما يفعله بملوك النفط أمام ناخبيه الذين يؤيدونه بحماس، حَيْــثُ تعلو هتافاتُ التشجيع ويدوي التصفيقُ بعد كُـلّ جملة تحقيرية يقولُها فخامة الرئيس الكرباج بحقِّ عبيده ومماليكه الملوك والشيوخ والأمراء.

إنه يبصُقُ في وجوههم أمام الحشود وشاشات التلفزة العالمية وهم يمتصون تفلات ِلسانه بذُلٍّ وخنوعٍ واحتقارٍ ذاتيٍّ لا نظير له.

قبل كلمات التحقير والازدراء التي يعلنها ترامب يصارح عبيدَه بحبه لهم، ولا يخفي مكنوناتِ قلبه المغرم والولهان بالمليارات.

إن لترامب قلباً دولاريَّ الدم والنبضات؛ لهذا فهو يحب الملوك والأمراء الخانعين الذين يدفعون له أموالَ شعوبهم؛ سعياً لكسب رضا الرئيس الكرباج، ويكره الأوبك؛ لأنَّ هذه المنظّــمة تحاولُ ضبطَ الإنتَاج للحفاظ على أسعار مرتفعة للنفط.

أثناءَ حملته لمنصب الرئيس كان ترامب يردّد عبارته الشهيرة التي يقول فيها: إن السعوديّة بقرة حلوب، وبأنه سيحلبها ويحلبها ثم يذبحها بعد أن يجفَّ ضرعها (بترولها)، أما اليوم فإن الرئيسَ الكرباج يهدّد مملكة بني سعود بتركها لمصيرها وهو على يقين أنها لن تستطيعَ العيش لمدة أسبوعين، لا هي ولا ملكُها ووليُّ عهده بدون حماية الكاو بوي الأمريكي، ويذكر الملك السعوديّ مراراً وتكراراً أنه لا يستطيعُ حماية طائراته الخَاصَّـة لأسبوعين وأن جيشَه الذي أعد لحماية المملكة هو نفسُه بحاجة إلى حماية ولا يستطيع البقاء لأسبوعين بدون الجيش الأمريكي.

فمن أين جاءت لهذا الكرباج البشري هذه الثقةُ المطلقةُ بهشاشة مملكة بني سعود وجيشها؟ لا شك أن العدوانَ الفاشلَ على اليمن الذي تشنه السعوديّة وحلفاؤها منذ 26/ مارس/ 2015 والذي تشارك فيه أمريكا وتقدّم خلاله كُـلّ ما بوسعها تقديمه كما يؤكّـد ذلك خبراء أمريكيون، هو الذي عرّى المملكة وبين حقيقتها، وحقيقتها أنها نمرٌ من ورق.

كان ملوكُ السعوديّة شديدي الحذر من التورط المباشر في الحروب.. كانوا يحيكون الدسائسَ ويشعلون الفتنَ والحروبَ من غير أن تلامس أياديهم النيران؛ لذا كانت البقرةُ الحلوبُ تتقنَّعُ بجلد أسد كما في قصة ((حمار في جلد أسد))، ولما قرّرت أن تنطحَ وترفس اليمن المسالم، وأن ترفعَ خوارها لإخافته ظهرت على حقيقتها، بقرةً ضعيفةً تدر الحليب (البترول) لا غير، وقد جاءها الكاو بوي المناسِبُ في الوقت المناسب.

تهديدُ الرئيس الكرباج لملك ((الحزم والعزم)) أنه لا يستطيع البقاءَ ولا حماية طائراته لمدة أسبوعين هو نتيجةٌ واحدةٌ، لكن بالغة الأهميَّة من نتائج فشل العدوان على اليمن.

نتيجة واحدة، وبقية النتائج آتيةٌ لا ريبَ، وإن غداً لناظره قريب. فاللهُ وحدَه كُلِّي الجبروت والقدرة لو كان الملوك والأمراء والشيوخ المغامرون يفقهون.

You might also like