عباس يستعجل ترتيبات «اليوم التالي»: استحداث منصب نائب الرئيس ومحاولة احتواء تيار دحلان
متابعات..| تقرير*
تنشغل النخب السياسية في السلطة الفلسطينية، ولا سيما الرئيس محمود عباس والمقرّبون منه، بعقد لقاءات تحضيرية خلف الكواليس، تمهيداً لانعقاد جلسات «المجلس المركزي» لـ«منظمة التحرير الفلسطينية»، في محاولة لضبط مخرجاته بما ينسجم مع مصالحهم السياسية. ووُجّهت الدعوات إلى نحو 180 عضواً من أعضاء «المجلس المركزي» للاجتماع في مدينة رام الله يومي 23 و24 من نيسان الجاري، في جلسة يُتوقّع أن يتصدّر جدول أعمالها بند استحداث وتعيين منصب نائب لرئيس المنظمة، في خطوة تأتي استكمالاً لسلسلة تغييرات بادر إليها عباس أخيراً.
وكان «المجلس المركزي» قد استحوذ على صلاحيات «المجلس الوطني» منذ عام 2018، بقرار من عباس نفسه، الذي يبدو عازماً اليوم على المُضي في هذا المسار على رغم التصعيد العسكري الإسرائيلي المستمرّ في غزة والضفة، وتوسّع الاستيطان، والانهيار الاقتصادي والسياسي المتفاقم في الأراضي الفلسطينية. ويبدو أن عباس يعتبر المضيّ في هذا المسار، بمثابة ترجمة لتعهّداته التي قطعها خلال القمة العربية الطارئة في القاهرة مطلع آذار الماضي بشأن استحداث منصب نائب الرئيس، وإجراء مصالحة داخلية داخل حركة «فتح»، على أمل أن يُحسّن ذلك من موقعه في سياق التحضيرات لما يُعرف بـ«اليوم التالي في غزة»، وينعش قنوات الدعم والتمويل المجمّديْن عربياً ودولياً.
استباقاً لهذا المسار، أصدر عباس عفواً عاماً عن كلّ المفصولين من حركة «فتح»، ولا سيما أولئك المحسوبين على تيار القيادي المفصول محمد دحلان، والذي يحظى بدعم إماراتي ومصري واسع. وتشير المعطيات إلى أن هذه الخطوة تهدف إلى استرضاء الأطراف العربية الفاعلة، من دون المساس بالهيكلية التي يتحكّم بها عباس. غير أن هذه التحركات، سواء في ما يخصّ المصالحة الداخلية أو إعادة هيكلة المناصب في النظام السياسي، لا تعكس ديناميكية إصلاحية حقيقية، بل تعكس اضطرار عباس إلى التحرك في ظلّ انعدام البدائل المتاحة أمامه، ولا سيما مع الرفض الإسرائيلي القاطع لعودته إلى حكم غزة، وغياب أي دعم أميركي حقيقي، وهو ما يجعله أكثر ميلاً لمجاراة الشروط العربية والأوروبية، مقابل ضمان بقائه في قلب المشهد السياسي، مع الإبقاء على زمام المبادرة بيده.
المُرجّح أن يكون اختيار نائب الرئيس بقرار مباشر من عباس، وليس عبر عملية انتخابية
من جهة أخرى، من المُتوقّع أن تكون مخرجات اجتماع «المجلس المركزي» محسومة سلفاً، إذ من المعروف عن عباس اتّباعه نمطاً سياسياً يُقصي فيه مفاجآت اللحظة الأخيرة، ويضمن تمرير قرارات مُعلّبة ومُعدّة مسبقاً، بما في ذلك اختيار من سيشغل المنصب المُستحدث. وتتعدّد السيناريوهات المطروحة بشأن آلية اختيار نائب الرئيس، بين تعديل النظام الأساسي للمنظمة بحيث ينتخبه «المجلس» مباشرة، أو استحداث المنصب ومنح الرئيس صلاحية تعيين نائبه من بين أعضاء «اللجنة التنفيذية»، أو الالتزام بالنظام الداخلي للجنة التنفيذية الذي يتيح للأعضاء انتخاب نائب من بينهم.
لكنّ غالبية التقديرات تشير إلى أن عباس سيحتفظ بحق التعيين لنفسه، ولن يكون ملء المنصب عبر عملية انتخابية، ما يضمن بقاء مفاتيح النظام السياسي بيده، ويحول دون حدوث أي تحوّل جوهري في معادلة السلطة، بما ينسجم مع مطالب الجهات العربية والأوروبية التي اشترطت دعم السلطة بإجراء إصلاحات ملموسة تُمكّنها من بسط سيطرتها على غزة بعد الحرب، فيما يبقى الغموض محيطاً بطبيعة الدور الفعلي لمن سيشغل المنصب الجديد: هل سيكون صاحب صلاحيات تنفيذية، أم يقتصر دوره على ملء الفراغ المؤسّسي في حال غياب الرئيس؟ أم سيكون له نفوذ موازٍ في ظل استمرار عباس في موقعه؟
وعلى صعيد التوقّعات، فإن اسم حسين الشيخ، أمين سر اللجنة التنفيذية، يتصدّر قائمة المرشحين لتولي منصب نائب الرئيس، كونه الأقرب إلى عباس والأكثر نفوذاً حالياً. غير أن عودة مفصولي «فتح» تُعقّد المشهد، في ظل الطموحات المتضاربة لقادة الحركة، الذين يرون في عودة مقرّبين من دحلان تهديداً مباشراً لمواقعهم، علماً أن عباس يمسك حالياً بثلاثة مناصب رئيسية: رئاسة السلطة الفلسطينية، ورئاسة منظمة التحرير، ورئاسة حركة فتح، ما يجعل أحد السيناريوهات المطروحة لتقليل حدة التنافس داخل «فتح»، هو توزيع هذه المناصب الثلاثة بين قياداتها المتصارعة مستقبلاً.
وفي سياق موازٍ، بدأ عباس، منذ شهور، سلسلة تغييرات داخلية، أبرزها إقالة حكومة محمد اشتية وتكليف محمد مصطفى بتشكيل حكومة جديدة، إلى جانب تعيين محافظين جدد، وإحداث تغييرات جذرية في قيادة الأجهزة الأمنية، مع تعيين شخصيات قريبة من دائرته الضيقة، معظمهم من حرسه الخاص، لتعزيز هيمنته عليها. واللافت أيضاً، أن السلطة لا تكتفي بإجراء تعديلات شكلية في المنظمة، بل تسير أيضاً بخطى حثيثة نحو تغييرات بنيوية في حركة «فتح». فقد أعلنت لجنتها المركزية في 9 نيسان عن دراسة طلبات الراغبين بالعودة إلى صفوف الحركة من المفصولين، في خطوة يُنظر إليها على أنها محاولة لاحتواء تيار دحلان وإعادة صياغة توازنات الحركة الداخلية. كما أحيل أكثر من 5 آلاف ضابط رفيع إلى التقاعد، في خطوة تهدف إلى إعادة هيكلة الأجهزة الأمنية، إلى جانب تعديل نظام صرف رواتب الأسرى، بإحالتها إلى وزارة الشؤون الاجتماعية بدلاً من وزارة المالية.
من جهة أخرى، فإن هذه الخطوات التي تُقدَّم على أنها «إصلاحات داخلية»، قد تُفضي عملياً إلى تعميق الانقسام الفلسطيني، خاصة مع استبعاد حركتَي «حماس» و«الجهاد الإسلامي» من مشهد اتخاذ القرار، إلى جانب «الجبهة الشعبية» التي تطالب منذ سنوات بإصلاح حقيقي في بنية «منظمة التحرير». وهو ما يجعل من جلسة «المجلس المركزي» محطة جديدة لتعزيز القطيعة الداخلية، لا بوّابة للمصالحة.