إجراءات احترازية أوّلية: العراق يتوقّى عاصفة ترامب
متابعات..| تقرير*
أثار إعلان الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، فرض رسوم جمركية جديدة على عدة دول، من بينها العراق، قلقاً واسعاً في الأوساط الاقتصادية العراقية، ولا سيما أن القرار يهدّد بخلق موجة من الارتدادات السلبية على السوق المحلية التي تعتمد بشكل شبه كامل على الاستيراد. وعلى إثر الإعلان الأميركي، سجّلت أسعار النفط، أول أمس، تراجعاً حادّاً بنسبة 7%، لتغلق عند أدنى مستوياتها منذ أكثر من ثلاث سنوات؛ إذ انخفضت العقود الآجلة لخام «برنت» بمقدار 4.56 دولارات (6.5%)، لتسجّل 65.58 دولاراً للبرميل، فيما هبطت عقود خام «غرب تكساس الوسيط» الأميركي 4.96 دولارات (7.4%)، لتستقر عند 61.99 دولاراً للبرميل.
وبين قرارات واشنطن وسياسات بغداد، يبدو الاقتصاد العراقي عند مفترق طرق تحكمه عوامل دولية، في ما يحتّم على الحكومة التحرّك سريعاً لإعادة التوازن إلى السوق، تلافياً للدخول في أزمة اقتصادية جديدة. وعلى هذه الخلفية، اتّخذت الحكومة مجموعة قرارات وقائية، وذلك خلال اجتماع ترأّسه رئيس الوزراء، محمد شياع السوداني، و»خُصّص لتدارس الآثار الاقتصادية والتجارية لقرار حكومة الولايات المتحدة (…) وانعكاساته على مجمل الاقتصاد العالمي، وعلى أسعار النفط الخام، ومدى تأثّر الاقتصاد العراقي».
وبحسب بيان المكتب الإعلامي الحكومي، فإن السوداني «وجّه باتخاذ الإجراءات اللازمة، وفق ما تمليه المصالح العليا للاقتصاد العراقي: أولاً، العمل على تطوير العلاقات التجارية المتبادلة، عن طريق فتح منافذ للموزّعين وللوكالات التجارية الأميركية، وتفعيل الوكالات التجارية العراقية، والتعامل التجاري المباشر بين القطاعات المتقابلة مع الولايات المتحدة الأميركية.
ثانياً: العمل على تطوير الخدمات المصرفية بين القطاعات المصرفية والمالية في العراق والولايات المتحدة الأميركية، وبما يضمن تحقيق المصالح الاقتصادية المتبادلة.
ثالثاً: توجيه فريق المباحثات مع الجانب الأميركي بمراجعة أسس العلاقة التجارية مع الولايات المتحدة، بهدف تحسينها. وفي التوجيه الرابع: تولّي وزارات، الخارجية، المالية، التجارة، والمعنيين، فتح حوار مع الجانب القطاعي الأميركي المقابل، بما يضمن تعزيز العلاقات التجارية، ومتابعة الأسواق المالية وبيوت الخبرة الاقتصادية، ورفع تقارير أسبوعية لمكتبه».
العراق، وبصفته بلداً مستورداً للغالبية العظمى من احتياجاته الأساسية، قد يتأثّر بشكل مباشر من جرّاء سياسة الرسوم الجمركية
ووفقاً لمسؤول حكومي تحدّث إلى «الأخبار»، فإن العراق، وبصفته بلداً مستورداً للغالبية العظمى من احتياجاته الأساسية، قد «يتأثّر بشكل مباشر بتداعيات هذه الخطوة، في حال تطبيقها رسمياً». وأشار المسؤول إلى أن «أميركا تُعدّ إحدى أهمّ الدول المسيطرة على الحركة التجارية في العراق من خلال الشركات والشركاء، ولا سيما في قطاع التكنولوجيا، والمواد الصناعية، والمعدات الطبية، والمنتجات الغذائية». وتوقّع أن تشهد الأسعار ارتفاعاً على خلفية التعرفات الجمركية، وأن «يتضرّر الاقتصاد ليس من الولايات المتحدة فقط، وإنما حتى من الصين وغيرها من الدول المتضرّرة التي سترفع الجمارك على سلعها المستوردة».
من جهته، لفت مستشار رئيس الوزراء العراقي، مظهر محمد صالح، إلى أن «القرار الأميركي أخضع العالم لنظام حمائي يماثل ترتيبات عزلة الحرب العالمية الثانية». وقال صالح، في تصريحات إعلامية، إنه «على الرغم من أن العراق بمنأى عن تأثيرات الرسوم الجمركية على الصادرات العراقية إلى الولايات المتحدة، بسبب كون أميركا شريكاً تجارياً ثانوياً جداً لا تتعدّى الصادرات النفطية إليها الخمسة مليارات دولار سنوياً، واستيرادات مماثلة من سلع إلكترونية وسيارات، لكن تبقى المخاوف من مسألة فرض الرسوم الجمركية على استخدام الدولار في التجارة مع البلدان الأخرى، وهي الفقرة الأكثر غموضاً في القرار التنفيذي الأميركي».
وأضاف أنه بالنظر إلى «كون الاقتصاد الأميركي أحد أكبر الاقتصادات في العالم، يُتوقّع أن تؤثّر تلك القرارات في ارتفاع تكاليف سلاسل التوريد العالمية، وأن تحدث حالة من التضخّم العابر للحدود. وإزاء اتجاه دورة الأصول النفطية إلى الهبوط، يُتوقّع أن ينخفض النمو الاقتصادي العالمي، ما سيسبب ظاهرة الركود التضخمي ما لم تتوقّف هذه السياسة أو يتحدّد حجمها كحرب تجارية عالمية وواحدة من الحروب الناعمة». وأشار إلى أن «بلادنا ستواجه صدمتين: الأولى في الاضطراب النسبي في ارتفاع بعض أسعار سلاسل التوريد، والأخرى في اتجاه دورة الأصول النفطية إلى الهبوط التدريجي على الأقل خلال الصيف الحالي».
ووفقاً لبيانات دولية، بلغ إجمالي قيمة الواردات إلى العراق حوالى 95.52 مليار دولار في عام 2023، تتوزع على عدد من الدول، حيث تأتي الصين في المقدمة (25%، أو 15 ملياراً)، تليها تركيا (18%، أو 10.8 مليارات)، ثم إيران (15%، أو 9 مليارات)، والولايات المتحدة (10%، أو 6 مليارات)، والإمارات العربية المتحدة (8%، أو 4.8 مليارات).
وفي هذا الإطار، يرى المحلل الاقتصادي، محمد إياد، أن أيّ «تغيّر في حركة التجارة العالمية لا بدّ أن يصيب اقتصاداً هشاً مثل العراق، ذلك أن ارتفاع التكاليف سيؤدي إلى تضخّم واضح، واستنزاف مستمرّ للعملة الصعبة، في ظلّ ضعف الصناعات المحلية»، حاثّاً، في حديث إلى «الأخبار»، الجهات الحكومية على أن تعطي الأولوية في المرحلة المقبلة لحماية الأمن الغذائي، ومراقبة أسعار السلع الأساسية، إلى جانب تنشيط المبادرات الزراعية والصناعية المحلية للتخفيف من حدّة الاستيراد، وأن «تقوم بإعداد خطط طوارئ لتقليل الاعتماد على الأسواق الأميركية، وتعويض النقص من خلال أسواق بديلة في آسيا وأوروبا».
وفي المقابل، يستبعد أستاذ الاقتصاد، نبيل المرسومي، تأثير الرسوم الجمركية على الإيرادات النفطية العراقية، مبيّناً أن الرئيس الأميركي فرض رسوماً على كل السلع المستوردة من قِبل الولايات المتحدة، وبنسب متفاوتة تبدأ من 10%صعوداً، غير أنه أعفى واردات النفط والغاز والمنتجات المكرّرة من تلك الرسوم. ويضيف، في تصريح إلى «الأخبار»، أن «ترامب فرض رسوماً بنسبة 39%على صادرات العراق إلى الولايات المتحدة، ولأن صادراته محدودة جداً، فلن يكون للقرار الأميركي في هذا الجانب أثر يُذكر».