اعترافٌ أمريكي رسمي بفشل الضربات المكلفة ضد القوات اليمنية وسط استنزاف للذخائر وقلق من تأثيرها على مواجهة الصين
متابعات..|
كشفت صحيفة نيويورك تايمز في تقرير موسع أن الضربات الجوية والبحرية الأميركية ضد القوات اليمنية في صنعاء، ضمن عملية “الفارس الخشن” التي بدأت منتصف مارس الماضي، كلفت وزارة الدفاع الأميركية أكثر من 200 مليون دولار في ثلاثة أسابيع فقط، وسط نتائج ميدانية توصف بأنها “محدودة”.
وأفاد التقرير، نقلاً عن مسؤولين في البنتاغون والكونغرس، بأن الضربات لم تنجح في تقويض قدرة القوات اليمنية على تنفيذ هجماتها الصاروخية والطائرات المسيّرة ضد السفن في البحر الأحمر، رغم شدتها وكثافتها. وأضاف مساعدون في الكونغرس أن القوات اليمنية تمكنت من تحصين مواقعها وتعزيز مخابئها مسبقاً، ما قلل من فعالية القصف الأميركي.
ووفقاً لمسؤولين أميركيين، فقد تم نشر حاملتي طائرات وقاذفات استراتيجية من طراز “بي-2” ومقاتلات متطورة، إلى جانب أنظمة دفاع صاروخي من نوع “باتريوت” و”ثاد”، ما يرفع كلفة العملية إلى أكثر من مليار دولار خلال أسابيع. وقد تضطر وزارة الدفاع الأميركية لطلب مخصصات إضافية من الكونغرس، في ظل مخاوف داخل البنتاغون من استنزاف مخزون الذخائر، خاصة في سياق الاستعداد لأي مواجهة محتملة مع الصين حول تايوان.
ورغم محاولات إدارة ترامب تصوير العملية على أنها “ناجحة”، وادعاء الرئيس الأميركي بأن القوات اليمنية “تعرّضت للتدمير”، فإن المسؤولين العسكريين يقدمون صورة مختلفة في الإحاطات المغلقة، حيث أقروا بأن النجاح في تحييد الترسانة العسكرية لتلك القوات كان ضئيلاً. واعتبر بعض المسؤولين أن العملية قد تستمر لستة أشهر على الأقل دون ضمانات حقيقية بتحقيق أهدافها.
في المقابل، دافعت وزارة الدفاع عن العملية، وأكد مسؤول كبير في البنتاغون أنها “حققت أهدافها في المرحلة الأولى”، من خلال تعطيل قدرات القيادة والسيطرة لدى القوات اليمنية، وتصفية عدد من القادة العسكريين، دون الإفصاح عن هوياتهم. كما أعلنت مديرة الاستخبارات الوطنية، تولسي غابارد، أن الضربات “أعادت فتح خطوط الملاحة” في البحر الأحمر، رغم استمرار الهجمات اليمنية بحسب مصادر ملاحية دولية.
من جهة أخرى، أثيرت فضيحة جديدة داخل إدارة ترامب بعد تسريب تفاصيل حساسة عن الضربة الأولى في اليمن في 15 مارس، إثر إضافة صحفي عن طريق الخطأ إلى مجموعة محادثة إلكترونية أنشأها مستشار الأمن القومي مايكل والتز، وشارك فيها وزير الدفاع بيت هيجسيث.
ويقول مسؤولون في إدارة ترامب إن الضربات الجوية والبحرية تهدف إلى الضغط على القوات اليمنية لوقف الهجمات التي عطلت ممرات الشحن الدولية في البحر الأحمر لأكثر من عام.
وبدأت الضربات الأميركية الجديدة في اليمن في إطار توسيع عملية “حارس الرخاء” التي أطلقتها واشنطن في ديسمبر 2023 لحماية السفن الإسرائيلية والغربية في البحر الأحمر، بعد أن أعلنت صنعاء، في نوفمبر 2023، منع عبور أي سفينة مرتبطة بإسرائيل حتى وقف العدوان على غزة.
ورغم محاولات أميركية وبريطانية مستمرة منذ يناير 2024 لتحييد قدرات القوات اليمنية من خلال مئات الغارات الجوية، لم تنجح هذه الهجمات في وقف عمليات صنعاء، التي استطاعت استهداف سفن عسكرية أميركية وبريطانية، وأسقطت عدة طائرات مسيّرة متقدمة، واستمرت في شن هجمات على السفن التجارية الإسرائيلية، والأميركية أحياناً.
تخشى وزارة الدفاع الأميركية من أن تؤثر عمليات اليمن على مخزون الذخيرة الأميركي المخصص للطوارئ، لا سيما في ظل تصاعد التوتر مع الصين، ومخاوف من اندلاع نزاع حول تايوان. كما تظهر التقارير أن واشنطن تواجه معضلة استراتيجية: استنزاف الموارد في صراع غير محسوم، دون تحقيق مكاسب ميدانية ملموسة، في وقت يزداد فيه الضغط السياسي داخلياً، وخصوصاً مع اقتراب الانتخابات الرئاسية.
في المقابل، لا تزال صنعاء تؤكد أن عملياتها في البحر الأحمر ستستمر حتى وقف العدوان على غزة ورفع الحصار، ما يجعل من استمرار الضربات الأميركية، مهما بلغت كثافتها، رهينةً بمعادلة سياسية خارج حدود اليمن.