كل ما يجري من حولك

رسائلُ «اقتدار»… في مواجهة ترامب: إيران تستعرضُ مُدنَها الصاروخية

43

متابعات..| تقرير*

بعد مضيّ أسبوعين على تسليم رسالة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، للجانب الإيراني، أعلن وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، أن العمل جارٍ على استكمال الردّ على الرسالة. وجاء ذلك، في موازاة كشْف “الحرس الثوري” عن مدينته الصاروخية الجديدة، في إجراء يبدو أنه يهدف إلى رفع قدرة إيران على المساومة، وإظهار جهوزيتها في مواجهة التهديدات المحتملة. وكانت قوة الجو – فضاء التابعة لـ”الحرس”، كشفت، مساء الثلاثاء، عن إحدى “مدنها الصاروخية العملاقة”، والتي تقع تحت الأرض، وتمثّل عنبراً لآلاف الصواريخ النقطوية الدقيقة التوجيه، من طرازات “خیبر شکن” و”حاج قاسم” و “سجّیل”.

وجرى العرض بحضور رئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة اللواء محمد باقري، وقائد قوة الجو فضاء لـ”الحرس” العميد أمير علي حاجي زاده، الذي قال، في مقطع مصوّر بثّه التلفزيون الإيراني: “إنْ قمنا بالكشف عن مدينة صاروخية كل أسبوع، فإن الأمر لن ينتهي حتى بعد عامين”.

وهذه ليست المرّة الأولى التي يكشف فيها “الحرس الثوري” عن مدنه الصاروخية التحت أرضية، غير أن العرض الأخير جاء في وقت تصاعَد فيه مستوى المواجهة بين الجمهورية الإسلامية والولايات المتحدة بشكل غير مسبوق، بعد تولّي ترامب مهامّ ولايته الثانية، في كانون الثاني/ يناير الماضي. وقد دعت الإدارة الأميركية، بصراحة، إلى تفكيك البرنامج النووي، وتقييد البرنامج الصاروخي، وأيضاً إلى قطْع طهران دعمها عن مجموعات المقاومة في المنطقة، واضعةً الجمهورية الإسلامية أمام خيارَي “الاتفاق أو الحرب”.

وعلى مدى الأسبوعين الأخيرين، وبعد بدء موجة الغارات الأميركية على اليمن، حذّرت واشنطن، طهران من أنها قد تستهدفها مباشرةً، في حال واصلت تقديم الدعم للجماعة اليمنية، في الوقت الذي تسعى فيه إسرائيل، وبعض الأوساط في أميركا، إلى الإيحاء بأن إيران ضعُفت على إثر الضربات التي تلقّاها محورها، وبأن الوقت الحالي يُعدّ الأفضل للتصدّي لها.

وعلى هذه الخلفية، يتعاظم حَراك القوات المسلحة الإيرانية، بغرض الكشف عن قوّتها وقدراتها، في خطوة يراد من ورائها إظهار عدم صحّة الزعم المتقدّم، والتأكيد أن الهجوم العسكري المحتمل على الجمهورية الإسلامية “سيكلّف” المهاجمين كثيراً. أيضاً، أشار “الحرس الثوري”، قبل أيام، إلى نشر منظومات صاروخية جديدة في الجزر الإيرانية الإستراتيجية الثلاث في الخليج، والتي قال إنها قادرة على ضرب “قواعد العدو وبوارجه وتجهيزاته في المنطقة”. أمّا المرشد الأعلى الإيراني، آية الله علي خامنئي، فاعتبر، في كلمته الأخيرة الجمعة، أن التهديدات الأميركية لإيران “لن تنطوي على أيّ نتيجة لهم”، مؤكداً أنهم “إذا ارتكبوا خطأً، فإنهم سيتلقّون صفعة رنّانة”.

عرض “الحرس” الأخير جاء في وقت تصاعَد فيه مستوى المواجهة بين طهران وواشنطن بشكل غير مسبوق

ويحصل كل ذلك في الوقت الذي تتّجه فيه الأنظار نحو طهران، وردّها الرسمي على رسالة دونالد ترامب، والتي يُقال إنه دعا فيها إلى إبرام اتفاق جديد مع الإيرانيين، وحذّرهم في الوقت ذاته من مغبّة عدم القبول به. وممّا قاله وزير الخارجية الإيراني، في هذا الإطار، إن بلاده لم تردّ بعد بصورة رسمية على رسالة الرئيس الأميركي، وإنه “يجري استكمال الرد، الذي سيُقدّم في الوقت المناسب”.

وأضاف: “(إنّنا) لن ندخل في محادثات مباشرة مع أميركا تحت الضغوط القصوى وفي الظروف التي نشهد فيها إطلاق واشنطن التهديدات العسكرية وزيادة العقوبات الاقتصادية، لكنّنا كنّا دائماً جاهزين لإجراء محادثات في شأن برنامجنا النووي السلمي ومن أجل إرساء المزيد من الشفافية في هذا الشأن”.
وتشير تصريحات عراقجي بوضوح إلى أن إيران تفضّل إجراء محادثات غير مباشرة مع الأميركيين، وأن تقتصر على الموضوع النووي فحسب، فيما يُرجّح أن يتمّ إدراج هاتين الملحوظتين في الردّ الإيراني المرتقب على رسالة ترامب.

أمّا هذا الأخير، فقد حذّر، في أحدث تصريح له حول إيران، أول أمس، من أن الجمهورية الإسلامية “يجب أن تبدأ محادثات على وجه السرعة من أجل التوصّل إلى اتفاق نووي، وبغير ذلك، فإنها ستواجه نتائج قاسية”. وتابع: “أرسلنا رسالة إلى إيران، وقلنا إنكم ستضطرون قريباً إلى إجراء محادثات معنا، لأننا لا نستطيع أن ندع هذا الوضع يستمرّ”.

وبينما كان الرئيس الأميركي وأعضاء إدارته حذّروا، خلال الأيام والأسابيع الأخيرة، من البرنامج النووي الإيراني، وتحرُّك طهران في اتجاه تصنيع سلاح نووي، رسم أحدث تقرير صادر عن وكالات الاستخبارات الأميركية واقعاً مختلفاً عن هذا البرنامج، إذ أفاد بأن طهران “لا تصنع سلاحاً نووياً”، وأن زعيمها الذي قام بتعليق برنامج التسليح النووي عام 2003، “لم يُعِد النظر فيه”، علماً أن خامنئي أعلن مراراً معارضته تصنيع سلاح نووي، وأن برنامج بلاده ذو طابع سلمي، و”إن كنّا نريد صنع سلاح نووي، لما كانت أميركا قادرة على منعنا من ذلك”.

ولكن المرشد، وفقاً للتقرير، “يخضع على الأرجح للضغط” كي يستأنف من جديد برنامج تصنيع السلاح النووي. وكان مسؤولون إيرانيون، تحدّثوا، خلال الأشهر الماضية، عن احتمال تغيير العقيدة النووية الإيرانية، في حال تعرّضت المنشآت النووية لهجوم عسكري. ومع ذلك، فإن التقرير الأخير لوكالات الاستخبارات الأميركية ألقى ظلالاً من الشكّ على ما يعتبره مسؤولون غربيون خطراً عاجلاً يستبطنه البرنامج النووي الإيراني ويستوجب التصدّي له بسرعة، حتى بالوسائل العسكرية. ومما سيعزز من وقع تلك الشكوك، احتمال تحرّك إيران، في الأشهر المقبلة، نحو زيادة تعاونها مع “الوكالة الدولية للطاقة الذرية”.

* الأخبار البيروتية
You might also like