أمريكا في اليمن: «الجو» لا يصنع انتصاراً
متابعات..| تقرير*
إذا كانت إرادة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، تريد عبر الضربات الجوية، القضاء على حركة «أنصار الله» أو على الأقل تقويض قدراتها، لوقف تأثيرها في أمن الملاحة في البحر الأحمر، فإن قرار اليمن هو تفعيل تلك القدرات إلى أقصى حد، لا في نطاق البحر المذكور فقط، بل بما يشمل الاستفادة من الميّزات الجغرافية والبحرية الحيوية للبلد، في سبيل نصرة القضايا العربية، وليس حصراً في فلسطين، وصولاً إلى مرحلة يستطيع فيها اليمن فرض الشروط على الطاولة.
والواقع أن التقارير الصحافية والاستخبارية والبحثية الصادرة في واشنطن، تُجمع على أن اليمن بات عصياً على الكسر، وأن صنعاء أعدت العدة الكاملة للضربات الجوية، وهي مستمرة في معركة نصرة فلسطين، مهما غلت التكلفة. ولذا، وبعد أكثر من أسبوع، انخفضت التوقّعات الأميركية في اليمن، مع اتضاح أن الحرب قد تطول أسابيع وربما أشهراً، والاعتراف بأن الضربات الجوية وحدها ليست قادرة على حسم المعركة.
وعادة ما يسلّط الإعلام الأميركي الضوء على سيطرة «أنصار الله» على طول الساحل الغربي لليمن، ويقول إن هذه السيطرة هي ما يجعل هجمات الحركة أكثر حسماً وتدميراً، علماً أن الأخيرة تستخدم الصواريخ الموجهة لضرب السفن العسكرية من مواقع مختلفة في البلاد. وبحسب مجلة «فورين بولسي»، فإن معظم المراقبين يتفقون على أن شن عملية برية من قِبل القوات الأميركية أمرٌ مستبعد جداً، ما يعني وجود قيود واضحة على ما يمكن للولايات المتحدة تحقيقه بالضربات الجوية وحدها. وتعترف المجلة بأن سيطرة «الحوثيين» على جزء كبير من اليمن وتضاريسه الجبلية، تجعلهم قادرين على استيعاب أي حملة جوية.
وعليه، ووفقاً لعدد من الكتاب وأصحاب الرأي، فإنه لا بد من الاضطرار أخيراً إلى استخدام القوات البرية على الأرض، ويُقصد بذلك تجهيز الفصائل اليمنية المحلية المموّلة من قبل السعودية والإمارات لتقوم بمهمات الهجوم على قوات صنعاء. وفي هذه الحالة، تراهن الإدارة الأميركية على أن استمرار الهجمات بالوتيرة الحالية لمدة طويلة، سيحفّز خصوم «أنصار الله» في الداخل اليمني على البدء بالتحرك على خطوط النار، بالاستفادة من الخسائر التي تلحق بالحركة وتضرر قدرتها على نقل قواتها إلى الجبهات.
إلا أنه حتى اليوم، ليس من الواضح إلى أي مدى ترغب إدارة ترامب في المضي قدماً في حملتها العسكرية الجوية الحالية بالوتيرة الراهنة، بعدما بات جلياً في دوائر القرار الأميركي أن المشكلة في جوهرها مشكلة برية. وإلى حين حسم وجهة ترامب النهائية في ظل هذا الاستعصاء، فإن البحرية الأميركية لا تزال تحشد قطعها، وتدفع بها إلى ساحة العمليات. إذ أمر وزير الدفاع الأميركي، بيت هيغسيث، بتمديد مهمة نشر حاملة الطائرات «هاري ترومان» في الشرق الأوسط، وبإرسال الحاملة «كارل فينسون» إلى المنطقة، حيث يُتوقع أن تصل في ما بين أسبوع و3 أسابيع، وأن يتزامن وجود الحاملتين معاً لمدة لم تحدد بعد.
أظهرت «أنصار الله» قدرات عالمية المستوى ومبتكرة في الحرب ضد السفن السطحية
وفي مقابل ذلك، تجدّد الحديث على نطاق واسع عن أن تحسّن التكنولوجيا يثير مخاوف الأميركيين من أن ينجح اليمن في استهداف السفن وحاملات الطائرات. ويقول محللون ومسؤولون دفاعيون سابقون إن التكنولوجيا المتقدّمة التي يستخدمها «الحوثيون» ضد السفن في البحر الأحمر، تزيد من فرص نجاح هجوم مسلّح على القوات الأميركية. وفي هذه الحالة، فإن قيادة الولايات المتحدة في الحفاظ على حرية الملاحة، والتي تُعدّ جوهرية للأمن الاقتصادي العالمي والقومي الأميركي، تصبح على المحك، كما يقول المحلل السابق في الاستخبارات الأميركية، لاري سي جونسون.
أيضاً، ووفقاً لتقرير نشره موقع «مجلس العلاقات الخارجية» الأميركية، فإن «أنصار الله» تعلّمت تجميع الأسلحة المهربة من إيران وتعديلها بأنظمة توجيه أكثر تطوراً، إلى جانب تعديلات أخرى تتم في مستودعات سرية، غالباً ما تكون مدفونة في أعماق الأرض، في جميع أنحاء شمال اليمن وشرقه. كما تعلمت الحركة تتبّع السفن البحرية واستهدافها باستخدام الرادار وصور الأقمار الصناعية وبيانات أجهزة الإرسال والاستقبال البحرية المتاحة للعامة، وغيرها من الوسائل. وبالمجمل، أظهر «الحوثيون» قدرات عالمية المستوى ومبتكرة في الحرب ضد السفن السطحية، بما في ذلك أول استخدام قتالي إطلاقاً لصاروخ باليستي مضاد للسفن في أوائل عام 2024.
وإزاء ذلك، وفي محاولة لتجنيد العالم كله للدفاع عن إسرائيل، بدأت أصوات قريبة من الإدارة الأميركية ترتفع بمطالبة ترامب بأن لا يسمح للاتحاد الأوروبي والدول الخليجية بالبقاء مكتوفي الأيدي بينما تنفّذ الولايات المتحدة عمليات قصف بحرية وجوية مكلفة لمصلحة تلك الدول. ويدافع هؤلاء بدعوى أن حرية الملاحة منفعة عالمية مشتركة، ولا تقتصر فوائدها على واشنطن وحدها؛ وعليه، لا ينبغي أن تتحمّل الأخيرة وحدها مسؤولية الدفاع عن حرية البحار، بل ينبغي أن يكون هذا عبئاً مشتركاً.
كما يطلبون من جميع المستفيدين من عودة حركة الملاحة التجارية إلى البحر الأحمر، تحمّل معظم، إن لم يكن كل، عبء الدفاع عن مياه البحر الأحمر، والاستعداد للمخاطرة بسفنهم وموظفيهم وأموالهم، بدل الاستغلال المجاني لواشنطن؛ إذ ليس على القوات الأميركية أن تسد فجوة عجز الأوروبيين والخليجيين، في حين أن مصالحها وأمنها الاقتصادي غير معرضين للخطر بشكل مباشر في البحر الأحمر.
كذلك، وحيال الغموض السائد في رؤية الولايات المتحدة للمرحلة المقبلة، عادت نغمة الحديث عن ضرورة حشد المشاركة الديبلوماسية الفاعلة من دول البحر الأحمر، وأيضاً من دول مثل قطر وعُمان، لتحقيق استقرار أكبر في المنطقة، والطلب من هذه الدول مجتمعة أن تضطلع بدور قيادي في استخدام الديبلوماسية، وتعزيز التعاون الأمني لتهدئة التوترات والمنافسات العسكرية التي عصفت بالمنطقة.