مزيد من التورّط في «حروب إسرائيل»: ترامب يعاكس نفسه
متابعات..| تقرير*
من بين جميع ممارسات الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، المثيرة للجدل في الشرق الأوسط، يثير الدعم الأميركي غير المشروط لاستكمال العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، بشكل خاص، مخاوف المراقبين الأميركيين، والذين يحذّرون من أن ما تقوم به تل أبيب يخاطر بإغراق واشنطن في حرب «لا متناهية»، وتقويض خططها للمنطقة، وذلك خدمةً لطموحات إسرائيل الأيديولوجية والتوسّعية، والتي لن تمرّ من دون مقاومة «ومخاطر حقيقية».
وفي هذا السياق، أشارت صحيفة «بوليتيكو» الأميركية إلى أنّه بعدما قدّمت إدارة ترامب اقتراحاً لتمديد وقف إطلاق النار، «لم تقبله (حماس)، يبدو أنّه ليس لدى واشنطن «الكثير لتقوله عن الطريقة التي قد تتدخل بها» لإدارة «الصراع»، فيما تكتفي، حتى اللحظة، بتوجيه رسائل إلى «حماس»، محمّلة إياها المسؤولية الكاملة حول تجدّد الحرب، من دون وجود أي مؤشرات إلى أنّها تضغط، ولو خلف الكواليس، على إسرائيل. وبناءً على ما تقدّم، يتخوّف العديد من المراقبين من أنّ الدوافع الإسرائيلية «الأيديولوجية» تخاطر بجرّ الولايات المتحدة إلى صراع «مفتوح».
إذا سار ترامب على خطى الإسرائيليين، فهو سيورّط
واشنطن في حرب أخرى لا نهاية لها
ونقلت الصحيفة عن جون هانا، عضو «المعهد اليهودي للأمن القومي الأميركي»، قوله إنّ تصرفات إسرائيل توحي بأنّها ترسي «أسساً لاحتلال الأرض»، نظراً إلى أنّها تختلف عن استراتيجية شنّ الغارات التي طبعت العمليات الإسرائيلية عامي 2023 و2024. وأشار هانا إلى أنّ أي محاولة للاحتلال «ستورط إسرائيل في مواجهة مقاومة وحالات تمرد محتملة».
ورأى أنّه مع وضع «الانتكاسات العسكرية الكبيرة والخسائر الفادحة في غزة» جانباً، يمكن لإسرائيل أن «تواصل التظاهر أمام الولايات المتحدة والرئيس ترامب بأنها تنجح بالفعل في هزيمة (حماس)»، مؤكداً أنّه «حتى الآن، لم نشهد أي خطة حقيقية من إسرائيل حول (اليوم التالي) في غزة، إلا في حال كانت الخطة تتمثّل بإعادة احتلال الجيش الإسرائيلي لغزة إلى أجل غير مسمى، وهو ما يطرح خطراً حقيقياً». ومن جهته، لفت تريتا بارسي، نائب الرئيس التنفيذي لمركز أبحاث «معهد كوينسي»، في واشنطن، إلى أنّه على الرغم من استحالة إجراء حوار «حول أي حل أكثر استدامة للصراع من دون وقف إطلاق النار»، إلا أنّ «الإسرائيليين لا يريدون الدخول في سيناريو يكون فيه حل الدولتين ممكناً، لذا فهم يريدون استمرار الحرب»، محذّراً من أنّه «إذا سار ترامب على خطى الإسرائيليين، فهو سيورّط واشنطن، فعلياً، في حرب أخرى لا نهاية لها».
وطبقاً لما نقله «المجلس الأطلسي»، بدوره، عن مجموعة من الخبراء، فإنه إذ تهدف استراتيجيات ترامب المتفرقة في المنطقة، وتحديداً في ما يتعلق بمهاجمة جماعة «أنصار الله» في اليمن، «وضمان استمرار الاستقرار في سوريا ولبنان»، وترسيم الحدود البرية بين الأخير وإسرائيل، إلى «الضغط على إيران»، ومنعها من تجديد نفوذها في المنطقة، إلا أنّه على النقيض من ذلك، وفي ما يتعلق بغزة تحديداً، فمن المرجّح أن يتعارض دعم إدارة ترامب لقرار نتنياهو مع هدف واشنطن الأكبر، والمتمثّل في مواجهة طهران.
ويرجع ذلك، طبقاً لأصحاب الرأي المتقدّم، إلى أنّ الهجمات الجوية الإسرائيلية الواسعة النطاق على «حماس»، وإعادة إدخال القوات البرية إلى القطاع هذا الأسبوع، والتي أعقبها هجوم صاروخي شنته الحركة على تل أبيب، «تُنذر بصراع مفتوح مع الجماعة الإرهابية»، وتخاطر بمفاقمة الانقسامات الداخلية في إسرائيل، جنباً إلى جنب «تشتيت انتباهها عن التركيز على كيفية التعامل مع إيران».
وفيما يسعى نتنياهو إلى إطالة عمر الحرب لتجنب المحاسبة السياسية عن إخفاقاته في السابع من أكتوبر، والبقاء في السلطة من خلال استرضاء اليمين المتطرف في ائتلافه، فمن المرجّح، طبقاً للمصدر نفسه، أن يُؤدي دعم الولايات المتحدة لاستمرار الحرب في غزة إلى توتر العلاقات مع السعودية والإمارات ودول الخليج الأخرى، والتي تدعم الغالبية الساحقة من شعوبها الفلسطينيين، وتشعر بالقلق إزاء الخسائر الكبيرة في أرواحهم، ما سيعقّد «تشكيل واشنطن لجبهة سياسية موحّدة تجاه طهران».
كذلك، لن تتمكن الولايات المتحدة، في خضمّ استمرار الحرب، من تحقيق هدفها المنشود المتمثّل في التوسط في التطبيع السعودي – الإسرائيلي، بعدما أكّد السعوديون أنهم لن يفكروا في مثل تلك الخطوة في حال عدم إنهاء الحرب، وفي ظل غياب أي التزام إسرائيلي بقيام دولة فلسطينية في نهاية المطاف.
من جهتها، اعتبرت «هيئة تحرير» صحيفة «واشنطن بوست»، أنّه غالباً ما يكون «بدء الحرب أسهل من إنهائها»، معتبرةً أنّ ترامب لن يقترب من تحقيق سلام «مقبول» في أوكرانيا أو الشرق الأوسط، من دون ممارسة ضغط فعلي «على القادة الذين يكره انتقادهم»، في إشارة إلى نتنياهو والرئيس الروسي فلاديمير بوتين، واللذين تشجّعا على «طرح مطالب متطرفة». ويرى أصحاب هذا الرأي أنّه بعدما عمد ترامب إلى «تهديد (حماس)، ومضايقة أوكرانيا»، يجب عليه أن يحدد، حالياً، الأطراف التي يجب أن يضغط عليها من أجل «تحقيق السلام».
الأميركيون العرب
أما صحيفة «نيويورك تايمز» فلفتت إلى أنّ «تحطيم وقف إطلاق النار» والذي تسبب بـ»مقتل الكثير من النساء والأطفال» في غزة، أدّى إلى خلق جو من «عدم الراحة»، لا فقط في أوساط منتقدي ترامب العرب، بل أيضاً لدى أشد مناصريه، ولا سيما في منطقة ديترويت.
وفي حين أكّد بعض هؤلاء تمسكهم بدعم ترامب، إلا أنّ جزءاً آخر منهم يبدون «غير صبورين»؛ إذ على الرغم من أنّهم «لا يشعرون بالحنين إلى حقبة جو بايدن، إلا أنّ ترامب عزّز مخاوفهم في ما يتعلق بقضايا عدة، من مثل الرسوم الجمركية وعمليات الترحيل، واستهداف المتظاهرين المؤيّدين للفلسطينيين والضربات الأخيرة على اليمن». ونقلت الصحيفة عن مو بيضون، رئيس «مجلس مدينة ديربورن هايتس»، قوله إنّ العرب الأميركيين «سئموا من جميع الأطراف»، وإنه «لا أحد يستمع إلينا حقاً، فيما شعبنا لا يزال يُقتل».