حرب السودان: مفترق جديد| «الدعم» على طريق خسارة الخرطوم
متابعات..| تقرير*
تمكّن الجيش السوداني من بسط سيطرته على القصر الجمهوري وعدد من الوزارات الحكومية وسط الخرطوم، بعد أن ضرب حصاراً محكماً على المنطقة لمدة أربعة أيام، قطع خلالها جميع خطوط الإمداد التي كانت تصل إلى قوات «الدعم السريع» المتواجدة في وسط الخرطوم ومحيط القصر، لقرابة عامين. وباستعادة قصر الرئاسة، يكون الجيش قد استعاد معظم وسط الخرطوم، حيث المراكز التجارية والبنوك وعدد من المستشفيات ومقارّ الوزارات السيادية: الخارجية والداخلية والمالية والمعادن والزراعة.
وقال مكتب الناطق الرسمي باسم الجيش: «توّجت قواتنا اليوم نجاحاتها في محاور الخرطوم؛ حيث تمكنت من سحق شراذم ميليشيا آل دقلو الإرهابية في مناطق وسط الخرطوم والسوق العربي ومباني القصر الجمهوري… والوزارات»، لافتاً، في بيان، إلى أن القوات المسلحة «دمّرت أفراد ومعدات العدو تدميراً كاملاً واستولت على كميات كبيرة من معداته وأسلحته في المناطق المذكورة».
وبحسب التسريبات التي صدرت حول «معركة القصر»، فإن «الدعم السريع» فقدت الكثير من عناصرها، فيما هرب من بقي منهم على قيد الحياة، في الاتجاهين: الغربي والجنوب الغربي من مدينة الخرطوم في منطقة المقرن، وإلى مبانٍ استراتيجية في الناحية الجنوبية، تمترسوا فيها في شكل جيوب منفصلة بعضها عن بعض بالمباني العالية والمحال التجارية، حامين أنفسهم عبر مجموعة من القناصين.
وفي أول تصريحات عقب استعادة قصر الرئاسة، أكّد رئيس مجلس السيادة، عبد الفتاح البرهان، أن المعركة مستمرة، لافتاً إلى أن القوات المسلحة التي يقودها «تمضي بخطى ثابتة».
لعلّ ما شكّل نقطة فارقة في سير المعارك، هو التحام قوات سلاح المدرعات مع قوات القيادة العامة للجيش
كما بثّ الجيش رسائل إلى عناصر «الدعم السريع»، مطالباً إيّاهم بالاستسلام، فيما قال قائد عمليات الخرطوم، اللواء محمد عبد الرحمن البيلاوي، في تصريحات صحافية، إن المهلة الممنوحة لهؤلاء «ليست مهلة مفتوحة»، وإنها «قد تنتهي اليوم أو غداً»، مشيراً، في الوقت نفسه، إلى أن الجيش يعمل على مطاردة قوات «الدعم» المنسحبة في اتجاه جنوب الخرطوم تمهيداً لعبورها جسر جبل أولياء ناحية غرب البلاد. وأكّد عزم الجيش على الضغط على بقايا «قوات حميدتي»، ونيته وضع خطة بالتعاون مع قوات تابعة له خارج ولاية الخرطوم، لقطع الطريق أمام «قوات الدعم» التي انسحبت نحو دارفور أو غرب كردفان.
وفي المقابل، أعلنت «الدعم السريع» أن معركة القصر «لم تنتهِ بعد»، لافتة إلى أنها لا تزال متواجدة في محيط المنطقة، و«تقاتل بكل شجاعة وإصرار من أجل تحرير جميع المواقع التي احتلتها الحركة الإسلامية»، حسبما ورد في البيان. وأشارت إلى أن عناصرها «نفّذوا عملية عسكرية خاطفة استهدفت تجمعاً… داخل القصر الجمهوري»، ما أسفر عن «مقتل أكثر من 89 من عناصر العدو وتدمير آليات عسكرية مختلفة».
على أن خطة استعادة القصر ووسط الخرطوم، كانت قد بدأت تسير بخطى واضحة، بعد تقدّم قوات منطقة الشجرة العسكرية (سلاح المدرعات) جنوب الخرطوم، شمالاً في اتجاه وسط الخرطوم، إذ تمكنت تلك القوات، خلال فترة وجيزة وعبر عمليات قتالية متواصلة طبّقت خلالها فنون حرب المدن والقتال في المناطق السكنية، من استعادة جميع المناطق الاستراتيجية والمجمعات السكنية ومواقف المواصلات العامة في شروني وجاكسون، والمباني المحيطة بهما، والتي ظلّت تشكّل عقبة في طريق تقدّم الجيش نحو وسط الخرطوم، بسبب نشر «الدعم السريع» قناصين على أسطح المباني. ولعلّ ما شكّل نقطة فارقة في سير المعارك، هو التحام قوات سلاح المدرعات مع قوات القيادة العامة للجيش في الاتجاه الشرقي من العاصمة؛ إذ أمّنت هذه الخطوة عزلَ قوات «الدعم» المتواجدة في وسط الخرطوم والقصر الرئاسي تماماً، بعد إغلاق خطوط الإمداد عن قواتها في شارع المطار والستين، شرق الخرطوم، وفي جنوب الخرطوم، ليتمكّن الجيش، لاحقاً، من الزحف من الشرق والجنوب في اتجاه وسط الخرطوم.
ويعدّ خبراء استعادة القصر الجمهوري بمثابة «بداية النهاية» بالنسبة إلى «قوات الدعم» في الخرطوم، وفي جميع أنحاء السودان، خصوصاً أن غالبية القوات التي كانت تتواجد في داخله، تُعتبر من قوات النخبة في «الدعم»، والتي تنتمي إلى قبيلة قائده، محمد حمدان دقلو (حميدتي)، وهو ما يتفق معه المحلل السياسي، جمال علي، في حديثه إلى «الأخبار»، لافتاً، في الوقت نفسه، إلى أن استرداد الجيش للقصر «يضع إجراءات تكوين «الدعم السريع» وحلفائها، لحكومة موازية، في مهب الريح».
واعتبر أن «الدولة ستعمل على إعادة الحياة وترميم القصر والوزارات في أسرع وقت، تمهيداً لعودة الحكومة لمباشرة مهامها من قلب الخرطوم، الأمر الذي سيمنحها قوة وشرعية أكبر». وفيما بدت أهمية ورمزية القصر لدى «الدعم»، في خطاب «حميدتي» الأخير، والذي أكّد فيه أن قواته باقية في القصر الجمهوري، بل وفي الخرطوم ولن تخرج منها، يبدو أن تلك التصريحات كانت بمثابة المحفّز للجيش؛ إذ لم يمضِ سوى أسبوع على إطلاقها، حتى أصبحت قوات «حميدتي» بين قتيل وجريح وهارب خارج أسوار القصر الجمهوري.