كل ما يجري من حولك

«حرب الإقالات» تقسم “إسرائيل”.. عودةُ التحذيرات من الحرب الأهلية

29

متابعات..| تقرير*

حدَّد رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، المسار الذي سيواجه من خلاله أزماته المركّبة، سواء داخلياً ربطاً بالمعارضة المستمرة لسياساته وائتلافه اليميني، أو خارجياً في ما يتّصل بالحرب على غزة وغيرها من الجبهات. وحملت الأيام القليلة الماضية، مفاتيح ذلك المسار، الذي بدأ باستئناف الحرب على القطاع، كمدخلٍ لتحصين الائتلاف الحكومي، الذي عاد إليه مظفّراً، وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، ما يضمن تمرير الموازنة العامة قبل نهاية الشهر الجاري.

واستطاع نتنياهو، بالفعل، تقوية اليمين، وضمان دعم شركائه في الحرب التي يشنّها لإقصاء خصومه في المؤسستَين الأمنية والقضائية، وتالياً ضمان ألّا تتشكّل أيّ لجان رسمية للتحقيق في أحداث السابع من أكتوبر. وفي هذا الإطار، صادقت الحكومة الإسرائيلية، ليل الخميس، على إقالة رئيس جهاز «الشاباك»، رونين بار، من منصبه، على أن تنعقد، غداً الأحد، للتصويت على إقالة المستشارة القضائية للحكومة.

ويتّضح من ذلك وغيره أن نتنياهو لا يكترث كثيراً لصوت الشارع الإسرائيلي، الذي يفضّل جزء غير بسيط منه إبرام اتفاق شامل لإعادة الأسرى من غزة؛ ولا لأصوات آلاف الإسرائيليين الذين تظاهروا، صباح أمس، في القدس، وحاولوا الوصول إلى منزل نتنياهو، لكنهم تعرّضوا للقمع والاعتداءات، فيما اندلعت مواجهات بينهم وبين عناصر الشرطة. ووفقاً لصحيفة «جيروزاليم بوست»، استخدمت الشرطة، القوّة المفرطة لتفريق المحتجّين على سياسة الحكومة الخاصّة بالأسرى في غزة، وقرارها عزل رئيس «الشاباك». وأشارت الصحيفة إلى انتشار مقاطع مصوّرة توثّق تعرُّض المتظاهرين للضرب والتعنيف.

وكان نتنياهو اسهلّ اجتماع إطاحة بار، بالقول إنه «ليست لديه ثقة برئيس الشاباك، منذ السابع من أكتوبر»، مضيفاً: «في الجيش الإسرائيلي، استغللنا فترة الهدوء لتغيير القيادة»، بينما أصدر مسؤول سياسي إسرائيلي بياناً نقلته وسائل إعلام عبرية، قال فيه إن الحكومة «فقدت كل الثقة ببار الذي يواصل التمسّك بمقعده، ويستخدم بشكل وقح عائلات المختطفين».

وبحسب هذا المسؤول السياسي، فإن بار «فضّل عدم الحضور إلى جلسة مجلس الوزراء التي تتناول قضيّته، فقط لأنه كان يخشى إعطاء إجابات، وخاصة الإجابة على سؤال واحد: لماذا، بعد أن علمتَ بهجوم حماس قبل ساعات عديدة من وقوعه، لم تفعل شيئاً ولم تتّصل برئيس الحكومة، وهو الأمر الذي كان سيمنع الكارثة؟ لو كان رونين بار قد أدّى واجباته وهو متمسّك الآن بمقعده، لَمَا وصلنا إلى السابع من أكتوبر».

من جهته، وجّه بار رسالة إلى الحكومة، قال فيها إن «الادّعاءات ضدّي لا أساس لها من الصحة على الإطلاق، وهي مجرّد غطاء لدوافع أخرى غريبة ومرفوضة من أساسها، وقد قدت بشكل شخصي صفقة التبادل بموافقة من رئيس الحكومة، وإن قرار إقالتي كان يجب أن يُبنى على ادعاءات واضحة أستطيع الرد عليها». ووجّه بار حديثه إلى الوزراء، قائلاً: «أنتم غير مطّلعين على معظم التفاصيل بسبب توجيهات رئيس الحكومة، ونتنياهو كان يمنعني من اللقاء بكم خلال السنة الماضية. قرار استبعادي من فريق المفاوضات انعكس سلباً على التفاوض، ولم يؤدّ إلى تحرير مخطوفين، بل كان يهدف إلى إجراء مفاوضات من دون التوصّل إلى صفقة. قرار إقالتي جاء لمنع التحقيق في أحداث السابع من أكتوبر».

«لا يمكن استبعاد إطالة نتنياهو أمد الحرب لأكثر من سنة من أجل منع إجراء الانتخابات»

ومع ترحيب اليمين المتطرّف في الحكومة بخطّة إقالة بار، واعتباره إياها جزءاً من معركة «تطهير الأجهزة»، شنّ نتنياهو، بدوره، هجوماً لاذعاً ضدّ ما يصفها بـ«الدولة العميقة» في إسرائيل، في تصعيد جديد يطاول أجهزة الاستخبارات، ومن المتوقّع أن يطيح بعض الشخصيات. ووفقاً لصحيفة «يديعوت أحرونوت»، فإن الضغوط على بار ازدادت بشكل ملحوظ بعد محادثات بين نتنياهو، والرئيس الأميركي دونالد ترمب، في «البيت الأبيض» الشهر الماضي، حيث تبادل الزعيمان الحديث عن الحاجة إلى تصعيد المواجهة مع «الدولة العميقة» التي يتّهمها نتنياهو بأنها تعرقل تنفيذ سياساته الداخلية والخارجية.

وذلك تصعيدٌ لا شكّ في أنه سيطاول المؤسسة القضائية الإسرائيلية؛ إذ وفي تغريدة مثيرة للجدل على «إكس»، قال نتنياهو إن «اليسار والدولة العميقة في الولايات المتحدة وإسرائيل يستخدمان النظام القضائي لإحباط إرادة الشعب»، وهو ما قال العديد من خصومه إنه يهدف إلى تقويض «استقلالية القضاء والنظام الديمقراطي» في البلاد.

في المقابل، قضت المحكمة العليا بتجميد قرار إقالة بارز، حتى النظر في الالتماس المقدّم ضده. ونبّت المستشارة القضائية، في رسالة إلى نتنياهو، إلى أنه «وفق قرار المحكمة العليا، يُحظر القيام بأي عمل من شأنه أن يمس بمكانة رئيس الشاباك رونين بار. ويُحظر تعيين رئيس جديد للشاباك، ولا يُسمح حتى بإجراء مقابلات لشغل المنصب». وفي حين أعلن وزير الداخلية الإسرائيلي، موشيه أربيل، أن «الحكومة برئاسة نتنياهو لن تخرق قراراً للمحكمة العليا»، هاجم وزير المالية، بتسلئيل سموتريتش، القرار، قائلاً: «قضاة المحكمة العليا لن يديروا الحرب ولن يحدّدوا من هم قادتها».

وعلى الأرض، تتواصل الاحتجاجات ضدّ الحكومة، فيما من المرجّح أن تتصاعد الأسبوع المقبل، مع التوجُّه لإطاحة المستشارة القضائية، في حين شنّت الأحزاب الإسرائيلية هجوماً على الائتلاف؛ إذ وصف «حزب يش عتيد» تصرُّفات نتنياهو، بأنها تعبير عن حالة من «الذعر» نتيجة الانكشاف المحتمل للفساد في حكومته، مع تزايد الشبهات حول تلقّيه أموالاً من جهات أجنبية، في إشارة إلى ما يُعرف بقضية «قطر غايت».

وفي ظلّ إصرار نتنياهو على توجّهاته ومخطّطاته، ارتفعت التحذيرات من سيناريوات الفوضى واندلاع حرب أهلية في إسرائيل، وفق ما نبّه إليه مثلاً الرئيس الأسبق للمحكمة الإسرائيلية العليا، القاضي المتقاعد أهارون باراك، الذي قال إن الخلافات والتوتّرات بلغت مستوى ربّما يقود إسرائيل إلى الهاوية، وأوصى بـ«منع استبداد الأغلبية» التي قال إنها «تستغلّ سلطتها». وأثارت تصريحات باراك انتقادات سموتريتش الذي دعا إلى مزيد من التفاهم بين مختلف الأطراف السياسية في إسرائيل، وكتب عبر «إكس»: «السياسيون مُثقلون بالمسؤوليات، وقد فقدوا القدرة على التعامل مع التعقيدات، الغضب منهم لن يجدي نفعاً. إن ما يحرّكنا جميعاً نحو مستقبل أفضل، هو التمسك القوي بالوحدة، في كل أطر هذا الوطن».

بدوره، عبّر رئيس نقابة العمال والموظفين (الهستدروت)، أرنون بار داڤيد، عن توقّعه من الحكومة الإسرائيلية «احترام كل قرار يصدر عن المحكمة، والحكومة ليست فوق القانون»، محذّراً من «أننا على حافة الفوضى برعاية هذه الحكومة، ولن أساهم في تدمير المجتمع الإسرائيلي». كما حذّر من عدم تطبيق حكم المحكمة، معتبراً ذلك «خطاً أحمر لا يجوز تجاوزه، ولن نجلس بهدوء بينما يتم تفكيك دولة إسرائيل».

وعقب إقالة الحكومة، بار، وتوجُّهها الأحد لإقالة المستشارة القضائية، يزداد التشاؤم حيال أداء حكومة نتنياهو، وما يمكن أن تقدم عليه خلال الأشهر المقبلة، من أجل البقاء أطول فترة في الحكم، ولو كان ذلك عبر إطالة أمد الحرب، وفتح جبهات جديدة للقتال، ما يسمح لها بتأجيل الانتخابات البرلمانية المقرّرة في تشرين الأول 2026.

ونقلت وسائل إعلام عبرية عن رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي سابقاً، وصاحب «خطة الجنرالات» غيورا آيلاند، قوله إن «الائتلاف الحكومي الحالي سيختلق ذرائع لعدم إجراء انتخابات برلمانية في وقتها، إذا أدرك أنه لن يحصل على أغلبية لتشكيل ائتلاف حكومي جديد». وبناءً على ذلك، رأى آيلاند أنه «لا يمكن استبعاد إطالة نتنياهو أمد الحرب لأكثر من سنة من أجل منع إجراء الانتخابات»، معرباً عن قناعته بأن هناك اتجاهاً واضحاً وخطيراً في هذا الإطار.

* الأخبار البيروتية
You might also like