الأردن تحتَ الضغوط الأميركية “الناعمة”: أيّ خيارات؟ أيّ بدائل؟
متابعات..| تقرير*
لسنوات عديدة، نظرت الإدارات المتعاقبة في الولايات المتحدة، إلى الأردن باعتباره الحليف الإستراتيجي الأهمّ في المنطقة، في ظلّ تعاون يطاول عدداً من القضايا الإقليمية والدولية، بالإضافة إلى الجوانب العسكرية والاستخبارية والدبلوماسية، فيما ليس خافياً أن المساعدات الأميركية الخارجية، تشكّل حجر زاوية في الإيرادات العامّة للدولة «الهاشمية». لكنّ الرئيس الجمهوري، دونالد ترامب، أصدر، مع بدء ولايته، قراراً علّق بموجبه المساعدات الخارجية، مستثنياً كلّاً من مصر وإسرائيل. وقد أتى هذا التعليق المؤقّت، بهدف «تقييم» سياسات الدول المتلقّية الدعم، وإلى أيّ مدى تتوافق مع توجّهات السياسة الأميركية، كما اتَّخذ الرئيس قراراً بوقف أنشطة «الوكالة الأميركية للتنمية الدولية» (USAID)، والتي لها أنشطة عديدة في المملكة.
وكانت وزارة التخطيط والتعاون الدولي الأردنية، وقّعت مع «USAID»، في أواخر عام 2024، اتفاق المنحة الأميركية السنوية الاعتيادية لدعم الموازنة العامة بقيمة 845,1 مليون دولار، إضافةً إلى دعم إضافي قدّمته الوكالة لعمّان، خلال الفترة من عام 2020 إلى عام 2025، وجرى على إثره تخصيص مبلغ قيمته 362 مليون دولار سنويّاً، لتمويل برامج عدّة تنفّذها الوكالة ضمن قطاعات عديدة ومتنوّعة في الأردن، بحسب بيان وزارة التخطيط، ورئاسة الوزراء.
وفي أعقاب إعلان وقف المساعدات الأميركية، أبلغت البعثة التي تدير سفارة واشنطن في عمّان، المنظّمات التي تعمل على برامج مموّلة من وزارة الخارجية الأميركية، بتجميد كل الفعاليات والأنشطة وورش التدريب المقرَّرة بشكل كامل وفوري، علماً أن الوكالة تدعم عشرات المشاريع في الأردن، في مجالات متنوّعة: التعليم، والصحة، والأمن الغذائي، والمياه، والتنمية الاقتصادية، بالتعاون مع الحكومة الأردنية ومؤسسات القطاع الخاص والعديد من المنظمات غير الحكومية. وتنعكس مشاريع الوكالة الأميركية على حياة شريحة كبيرة من الأردنيين؛ ففي قطاع الصحة مثلاً، تعمل مشروعاتها على تحسين خدمات صحة الأمومة والطفولة.
سيكون للقرار الأميركي انعكاس سلبي على أكثر من نصف القوى العاملة في القطاع الخاص في الأردن
أمّا في قطاع التعليم، فتساهم في رفع جودته في المدارس الحكومية والجامعات، كما تركّز على تحسين إمدادات المياه والصرف الصحي، ما يعزّز جودة الخدمات في العديد من المناطق. ونظراً إلى تمويلها الكثير من المشاريع ذات الطابع التنموي والحقوقي، فإن أكبر المتضرّرين المباشرين من وقف برامج الوكالة، هو الحكومة الأردنية التي أصبح يقع على عاتقها تعويض خسائر الموظفين الحكوميين المرتبطين بعقود عمل عبر دعم الوكالة، فضلاً عن مئات العاملين في هذه المشاريع. ويُعدّ الموظّفون، المتضرّر الأكبر الثاني، بعدما قامت بعض المنظّمات بتسريح العاملين لديها، بسبب عجزها عن دفع رواتبهم، وهو ما يشكّل عبئاً جديداً على الحكومة التي تجاوزت نسبة البطالة في صفوف مواطنيها، وفق تقرير صادر عن دائرة الإحصاءات العامة، أكثر من 21%.
على أن الأضرار المتوقّع أن تترتّب على وقف التمويل الأميركي قد لا تكون كبيرة من حيث الحجم المالي والاقتصادي للدولة الأردنية؛ لكنها ستكون كارثية بالنسبة إلى المنظمات الأهلية والأشخاص العاملين في هذه المشاريع، بفعل آثارها السلبية اجتماعياً وتنموياً، خصوصاً على المجتمعات المحلية والمشاريع التنموية التي تستفيد منها البلديات والمجالس المحلية والسكان، وكذلك في المشاريع الاقتصادية خاصة الصغيرة والمتوسطة. ويحمّل هذا الأمر، الحكومة الأردنية مسؤولية سدّ الفراغ الذي خلّفته الوكالة، في ظلّ الأوضاع الاقتصادية الحرجة التي تعاني منها البلاد، وفي ظلّ وقف الدعم المالي المباشر من قبل الدول الخليجية.
الخسائر الناجمة عن وقف التمويل الأميركي
في المحصّلة، سيكون للقرار الأميركي انعكاس سلبي على أكثر من نصف القوى العاملة في القطاع الخاص في الأردن، إذ إن استمرار التوقّف، يخاطر بالتأثير بشكل مباشر وغير مباشر على 55 ألف أسرة، و30 ألف موظّف في المستقبل، وذلك وفقاً لتقييم صدر أخيراً عن «منتدى المنظّمات غير الحكومية الدولية» في الأردن (جيف)، حول التأثيرات الأولية لتعليق المساعدات الأميركية الإنمائية. وكشف التقييم أن عدد الأفراد الذين لن يحصلوا على الخدمات، سواء من الأردنيين أو اللاجئين، يبلغ نحو 35.5 ألف شخص، مشيراً إلى أن هناك 5.6 ملايين فرد تدعمهم برامج المنظمات غير الحكومية المموَّلة من حكومة الولايات المتحدة لعام 2025، سيتأثّرون بالقرار أيضاً.
لكن، وضمن الاتفاقيات الأميركية الموقّعة مع الأردن، فإن تسلّم المبالغ المالية من المساعدات يتمّ فور توقيع الاتفاقية، ما يعني أن المملكة تسلّمت، أواخر كانون الأول من العام الماضي، المبالغ المترتّبة على دعم «الوكالة الأميركية للتنمية الدولية». ويُعطي ذلك هامشاً مريحاً للدولة، للمناورة، وللسعي إلى تعويض المساعدات الأميركية عبر دول خليجية، إلى جانب اتفاق وقّعه الملك عبدالله الثاني مع الاتحاد الأوروبي – قُبيل لقائه الأخير مع ترامب -، سيحلّ محلّ الوكالة الأميركية في تنفيذ مشاريع تنموية، بحسب ما أفادت به وسائل إعلام رسمية أردنية.
هل تملأ المساعدات الكويتية فراغ «USAID»؟
عقب قرار وقف تمويل الوكالة في الأردن، وقّع الصندوق الكويتي، ووزارة التخطيط والتعاون الدولي الأردنية، اتفاقَين لتمويل مشروعات في البلاد بقيمة 65.2 مليون دولار، بحسب الحكومة ووسائل إعلام عربية. ومن المقرّر أن يموّل الصندوق، المرحلة الثالثة من مشروع البنية التحتية للتعليم العام في الأردن بقيمة 32.6 مليون دولار، ومشروع إعادة تأهيل الطرق والجسور بقيمة 32.6 مليون دولار. وتأتي الاتفاقيتان في إطار تعهُّد دولة الكويت، في قمّة مكة عام 2018، بتقديم برنامج إقراضي ميسّر للأردن بقيمة 500 مليون دولار، لتنفيذ الأولويات التنموية التي تساهم في تحسين الخدمات الأساسية للمواطنين في عدد من القطاعات. ويرتبط هذا التعهّد بالضغوط الأميركية التي مورست على الأردن في ولاية الرئيس ترامب الأولى، حينما حاول تمرير صفقة القرن من خلال التلويح بحجب المساعدات عن عمّان.
وتجدر الإشارة إلى أن تاريخ المساعدات الأميركية للأردن يعود إلى الفترة الممتدة بين عامَي 1951 و1957، حيث بدأت ضمن سياسة ملء الفراغ التي أقرّها الرئيس دوايت أيزنهاور خلال فترة حكمه، بعد أفول نجم بريطانيا وفرنسا عن المنطقة. وتضاعفت المساعدات الأميركية السنوية للأردن ثلاث مرات من حيث القيمة التاريخية على مدى السنوات الـ15 الماضية، إذ بلغ إجمالي هذه المساعدات، حتى السنة المالية 2020، ما يقرب من 26.4 مليار دولار. ويشمل طلب موازنة الرئيس للسنة المالية 2025، 1.45 مليار دولار للأردن، حيث تمثّل المساعدات الأميركية لهذا البلد أكثر من 40% من إجمالي مبلغ المساعدات الرسمية التي تتلقّاها المملكة سنوياً، بحسب «مركز أبحاث الكونغرس الأميركي». أما «الوكالة الأميركية للتنمية الدولية»، فتعمل في الأردن منذ عام 1961، وهو ما يعبّر عن تجذّر حضورها الكبير اجتماعياً وتنموياً واقتصادياً داخل المجتمع الأردني، على مدى العقود الماضية.