كل ما يجري من حولك

نتنياهو الحرب مشروعٌ دائمٌ: غياب الإجماع (لا) يؤرّق

37

متابعات..| تقرير*

تروّج قيادة العدو الإسرائيلي لكون حرب الإبادة الجماعية، بنسختها الثانية، على قطاع غزة، تستهدف القضاء على «حماس» واستعادة الأسرى بـ»القوة»، وهو ما يخالف شبه إجماع لدى الجمهور الإسرائيلي والمحلّلين العسكريين، على حدّ سواء، على أنّ العمليات العسكرية لن تكون قادرة على تحقيق أيّ من الهدفين المشار إليهما، بقدر ما ستفيد بنيامين نتنياهو، الذي بدأ بـ»شدّ أواصر» ائتلافه اليميني المتطرف، في تمديد عمره السياسي، ولو من خلال «القتل بهدف القتل وحده».

وعلى أي حال، لا يمكن، بحسب العديد من المراقبين، ربط استكمال الاحتلال لعدوانه بأي أسباب موضوعية ظهرت أخيراً، ولا سيما أنّه تمّ، على الأرجح، التخطيط للعودة إلى الحرب منذ لحظة إبرام الاتفاق، الذي بدأت إسرائيل، بناءً على «تفويض» تام ممنوح من قبل الرئيس الأميركي دونالد ترامب، بخرقه منذ الإعلان عن قطع المساعدات الإنسانية عن القطاع بداية هذا الشهر، وصولاً إلى استئناف عمليات القصف الجوي في الأيام الماضية.

لكن هذه المرة، يبدو أنّ العملية العسكرية، والتي اقترنت بجملة من الإجراءات السياسية الداخلية والمثيرة للجدل التي اتّخذها نتنياهو حديثاً، لا تحظى بالدعم الشعبي الكافي.

وفي هذا السياق، تشير صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية إلى أنّ إسرائيل عادت إلى القتال في غزة من دون دعم شعبي واضح، وسط موجة من الاضطرابات السياسية التي تسبّبت في تراجع الثقة في الحكومة.

تخطّط إسرائيل
لـ«عملية برية كبيرة» تهاجم خلالها مناطق في جميع أنحاء غزة في الوقت نفسه

وبالرغم من ذلك، تنقل الصحيفة عن محلّلين أمنيين إسرائيليين مطّلعين على خطة التصعيد الإسرائيلية، قولهم إنه يجري التخطيط لـ»عملية برية كبيرة»، تهاجم خلالها مناطق في جميع أنحاء غزة، في وقت واحد، وباستخدام «قوة أكبر» (وهو ما بدأت إرهاصاته تَظهر بالفعل أمس)، نظراً إلى أنّ إسرائيل لن تكون مضطرة إلى الاحتفاظ بمعظم قوتها العاملة «على حدودها الشمالية للتصدي لهجمات ميليشيا حزب الله اللبنانية». ويرجّح هؤلاء، أيضاً، أن «تحافظ إسرائيل على مواقع على الأرض في القطاع، وتتحمّل مسؤولية أكبر في توزيع المساعدات الإنسانية، بهدف حرمان (حماس) من مصدر رئيسي للسيطرة».

كما تنقل الصحيفة عن أبراهام ديسكين، أستاذ العلوم السياسية في «منتدى كوهيليت للسياسات»، وهي مؤسسة فكرية محافظة مقرها القدس المحتلة، تأكيده أنّ «الحكومة قرّرت المخاطرة بقضية الرهائن لتحقيق ما تعتبره الهدف الحاسم، والمتمثّل بإزاحة (حماس) من السلطة، في وقت وصل فيه الاستقطاب داخل إسرائيل إلى مستويات غير مسبوقة».

ويصف ديسكين التطورات الأخيرة بأنّها «أسوأ وأخطر انقسام في تاريخ إسرائيل منذ إنشائها»، يخاطر أيضاً «بوجودنا» ككل. ومن جهته، يلفت الجنرال السابق في جيش الاحتلال، عاموس يدلين، إلى أنّه فيما يؤيّد الإسرائيليون تدمير «حماس»، إلا أنّ عودة الأسرى تشكّل أولوية بالنسبة إليهم، معتبراً أنّ مسألة الأولويات تلك «قد تضعف عزيمة جنود الاحتياط لخوض جولة أخرى من الحرب»، في وقت يشعر فيه العديد من الإسرائيليين، طبقاً للصحيفة، بأن التسوية التفاوضية هي وحدها الكفيلة بإعادة الأسرى أحياء.

على أنّ ما تقدّم لا يلغي واقع وجود مؤشرات مبكرة إلى أنّ إسرائيل كانت تعتزم، منذ اللحظة الأولى، العودة إلى الحرب.

وفي هذا السياق، تنقل مجلة «فورين بوليسي» عن آرون ديفيد ميلر، محلّل شؤون الشرق الأوسط والمفاوض السابق في الخارجية الأميركية، قوله إنّه «غير متفاجئ بما يحصل»، نظراً إلى أنّ حظوظ تنفيذ المرحلة الثانية من الاتفاق كانت «ضئيلة جداً» منذ البداية.

ويؤكد الخبير الأميركي أنّ «حماس» لن تفرج عن جميع الأسرى الأحياء والقتلى «من دون ضمانات صارمة بأن إسرائيل ستسحب قواتها من غزة وأن الحرب ستنتهي»، مشيراً إلى أنّه ما من أحد، بمن في ذلك الأمم المتحدة أو الولايات المتحدة، كان سيعطي الحركة مثل تلك الضمانات.

ويشير المحلّل إلى أنّ نتنياهو ينظر إلى الحرب على أنّها «شريان حياته السياسية»، ما يجعل الوضع مرتبطاً ارتباطاً وثيقاً بـ»المعاناة السياسية» التي يواجهها رئيس وزراء الاحتلال، بحسب المصدر نفسه.

كما يرجّح أصحاب الرأي المتقدّم أنّه مع إعلان إسرائيل أنّ الضربات التي شنّتها قواتها لن تكون «لمرة واحدة فقط»، فإنّ احتمالية «إنقاذ وقف إطلاق النار تبدو، في المستقبل القريب، منخفضة للغاية».

وحتى في حال تمكّن الوسطاء الدوليون من «إنقاذ الهدنة»، فإنّ ذلك لن يكون بمثابة «النهاية السعيدة»، إذ إنّه «لن يتم تدمير (حماس) التي سيظل نفوذها محسوساً وكبيراً في غزة»، فيما لن توافق أي حكومة إسرائيلية، في المقابل، «على التخلي عن المسؤولية الأمنية الشاملة عن القطاع، في ظل غياب أي قوة أمنية بديلة».

وبالعودة إلى طموحات نتنياهو الشخصية، يرى تشاك فريليش، نائب مستشار «الأمن القومي» الإسرائيلي السابق، في حديث إلى صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية، أنه «على الرغم من وجود قضية عسكرية يجب معالجتها، وهي أن (حماس) لم يتم تدميرها، وهي في طور إعادة التشكيل»، إلا أنّه لا يمكن فصل التطورات الأخيرة عن «الأحداث السياسية» داخل الكيان، أو تجاهل «توقيتها».

وينسحب الرأي نفسه على آفي ميلاميد، المسؤول السابق في المخابرات العسكرية الإسرائيلية، والذي يؤكّد، في حديث إلى الصحيفة نفسها، «أن الضغط العام الذي يواجهه نتنياهو يشجّعه على تعزيز موقفه داخل اليمين الإسرائيلي»، في وقت تبدو فيه حكومته «معلّقة بخيط رفيع، وبقاؤها يعتمد على اليمين المتطرف، والذي كان يضغط عليه لاستكمال الحرب، لا إيقافها».

وعلى الضفة نفسها، يجادل العديد من المراقبين بأنّه في حال كانت حكومة نتنياهو تعطي، فعلياً، الأولوية لعودة الأسرى، لكانت توصّلت إلى الاتفاق «منذ فترة طويلة»، إلا أنّ إنهاء الحرب يعني انهيار تحالف نتنياهو، ما يجعل الجولة الأحدث من القتال بمثابة «أداة سياسية تُستخدم بذريعة الأمن».

You might also like