كل ما يجري من حولك

مجازفة بأمن «الحلفاء»: أمريكا تجرّب المجرَّب

26

متابعات..| تقرير*

لم يغب عن بال القيادة السياسية في اليمن، عند اتخاذ قرار معاودة استهداف الأصول الإسرائيلية في البحر الأحمر، ردات الفعل الأميركية – البريطانية على صنعاء، بالنيابة عن الكيان الإسرائيلي، خلال الجولة الأولى من الحرب على غزة، وأن الأمر ذاته سيتكرّر في الجولة الثانية. وإذا صحّت التقارير الأميركية عن أن الغارات التي نُفّذت بطائرات مقاتلة وطائرات من دون طيار، أقلعت من قواعد مختلفة في المنطقة، إلى جانب طائرات مقاتلة من حاملة الطائرات «هاري ترومان»، وأن الضربات ليست حدثاً ليوم واحد، بل قد تستمر لأيام، وربما لأسابيع، فإن ذلك يستدعي من الجانب اليمني الرد على الأماكن التي أقلعت منها المقاتلات الأميركية، ما يعني أن الحرب ستتوسّع لتطال العواصم المشاركة في العدوان.

إذ ليس من المعقول أن تشارك دول الجوار بمطاراتها في الضربات أو تسهّل العمليات اللوجستية الأميركية، وتقف صنعاء متفرّجة، من دون أن تبادر إلى الرد على مصادر النيران. وإذا كانت بعض دول الخليج تعتقد أن علاقاتها المقبولة مع إيران، ستوفّر لها طوق أمان حيال الجانب اليمني، ففي هذا تقدير خطأ، بالنظر إلى ما يتمتّع به الأخير من استقلالية في القرار تجاه طهران.

ورغم أن الضربات الجوية الأميركية على صنعاء، شبيهة بتلك التي وجهتها إدارة الرئيس السابق، جو بايدن، فقد ركزت الدعاية الأميركية المرافقة للعدوان على القول إن إدارة ترامب لن تكرّر أخطاء الماضي، وإن الأخير يحاول إظهار اختلافه عن الإدارة السابقة، وهو ما عبّر عنه على منصات التواصل الاجتماعي بالقول إن «رد جو بايدن كان ضعيفاً بشكل مثير للشفقة. لذا واصل الحوثيون المتهورون هجماتهم… لقد مر أكثر من عام منذ أن أبحرت سفينة تجارية تحمل العلم الأميركي بسلام عبر قناة السويس أو البحر الأحمر أو خليج عدن».

إلا أن مطلعين قالوا إنه لا فرق بين ضربات الإدارتين الحالية والسابقة؛ إذ أفادت تقارير أميركية بأن الدفعة الأولى من غارات ليل السبت – الأحد وُجّهت إلى ستة أهداف عسكرية ومدنية في صنعاء، ثم تلتها في وقت لاحق ضربات أخرى، فضلاً عن قصف أهداف مدنية في محافظة صعدة ومحافظات إضافية، ليصل العدد الإجمالي إلى 40 غارة، تماماً كما فعلت القوات الأميركية في بداية الهجوم على اليمن فجر 12 كانون الثاني 2024، حين شنّت عدواناً على محافظات يمنية عدة، ضد 60 هدفاً في 16 منطقة، في الدفعة الأولى.

صنعاء تحاول استخدام خلايا وقود الهيدروجين لتشغيل أنظمتها غير المأهولة

وادّعت واشنطن، وقتذاك، أن الغارات استهدفت مراكز قيادة وسيطرة ومخازن ذخيرة وأنظمة إطلاق ومنشآت تصنيع وأنظمة رادار خاصة بالدفاع الجوي، وتم خلالها إطلاق أكثر من 100 صاروخ موجه بدقة واستخدام طائرات وصواريخ «توماهوك» أطلقت من السفن والغواصات.

وعليه، شكّكت وسائل الإعلام الأميركية في جدوى الضربات الجديدة، وقالت إنه من غير الواضح كيف يمكن لحملة القصف المتجدّدة ضد «أنصار الله» أن تنجح، في حين فشلت إلى حد كبير الجهود العسكرية السابقة التي قادتها الولايات المتحدة. ورغم أن إسرائيل اضطرت إلى الدخول مباشرة إلى جانب الأميركيين والبريطانيين في الجولة الأولى، إلا أن العدوان لم يحقّق النتائج المطلوبة وقتذاك، حيث كانت لصنعاء الكلمة الأخيرة.

وهذا ما أشارت إليه صحيفة «جيروزاليم بوست» العبرية، بالقول إن «الحوثيين أثبتوا قدرتهم على الصمود في وجه غارات شنتها عشرات الطائرات، وأرادت إسرائيل عبرها استعراض قدراتها على توجيه ضربات بعيدة المدى، ولكن هذه الأخيرة أظهرت أيضاً محدودية تأثير استخدام الطائرات والذخائر الدقيقة». ودعت الصحيفة الولايات المتحدة إلى أن تتعلّم الدرس من ذلك.

وخلافاً لما توحي به تحذيرات ترامب من أنه لن يتسامح مع هجوم «أنصار الله» على السفن الأميركية، وتهديداته إياهم باستخدام القوة المميتة الساحقة حتى تحقيق الهدف، فإن خبراء وكتاباً يحذّرون من أن حركة «أنصار الله» تبقى شوكة يصعب سحقها كونها تخفي أسلحتها في الكهوف، ولديها قدراتٌ هائلةٌ بنتها منذ عام 2015، وهي مدعومة من إيران، وقد وسّعت مدى صواريخها الباليستية وطائراتها المُسيّرة. وإذا كان جوهر عقيدة ترامب هو اتباع سياسات مختلفة عن الإدارة السابقة، إلا أن إشكالية الخواء الاستخباراتي في اليمن، والتي واجهت فريق بايدن، لم يتمكّن فريق ترامب من حلّها بعد.

ومن جهة أخرى، فإن الإدارة الأميركية السابقة، في أثناء تخطيطها للعدوان على اليمن، كانت أمام خيارات وسيناريوات صعبة منها حصر النزاع في غزة، والعمل على منع تمدّده إلى مناطق أخرى، والغرق في الرمال اليمنية عن طريق الزج بقواتها البرية فيها. وأما إدارة ترامب، وخلافاً لما نقلته بعض وسائل الإعلام الأميركية من عدم خوفها من توسع الصراع، فنقلت قناة «سي إن إن» عن مصدر مطلع فيها، أنه لا غزو أو توغلاً برياً في اليمن، ولكن ستكون هناك سلسلة هجمات إستراتيجية موجهة ومستمرة، في ما يعدّ عملياً تكراراً للهجمات الأميركية السابقة.

وتأتي الضربات على اليمن في الوقت الذي تشير فيه تقارير جديدة إلى أن حركة «أنصار الله» تواصل العمل على تقنية الطائرات المسيّرة البعيدة المدى. وبحسب «منظمة أبحاث تسليح الصراعات» البريطانية، فإن «محقّقيها الميدانيين اكتشفوا أدلة على أن قوات الحوثيين في اليمن، تحاول استخدام خلايا وقود الهيدروجين لتشغيل أنظمتها غير المأهولة. وفي حال نجاح هذه التجربة، فإنها ستمثّل تصعيداً كبيراً في قدراتهم، ما يُمكّن المركبات غير المأهولة – سواء أكانت جوية أم برية أم بحرية – من حمل حمولات أكبر والسفر لمسافات أطول بكثير مما تسمح به مصادر الطاقة التقليدية».

كما أشارت المنظمة إلى أن هذه «أول محاولة لاستخدام وقود الهيدروجين في أنظمة غير مأهولة من قبل أي جهة مسلحة غير حكومية، على مستوى العالم». وكانت قد ذكرت صحيفة «نيويورك تايمز» أن «أنصار الله» أغضبت ترامب بعد أن أطلقت صاروخ أرض – جو على طائرة «إف – 16» أميركية كانت تحلّق فوق البحر الأحمر، فضلاً عن اختفاء طائرة مسيرة أميركية من طراز «إم كيو – 9 ريبر» فوق البحر الأحمر، في اليوم نفسه الذي أصدرت فيه الحركة بياناً أعلنت فيه إسقاطها.

* الأخبار
You might also like