كل ما يجري من حولك

اليمن ليس فاقد الحيلة وتشكيكٌ إسرائيلي في «دبلوماسية القوّة»

39

متابعات..| تقرير*

بعد ساعات من إعلان الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، انطلاق عمليات عسكرية جديدة ضدّ اليمن، تكفّل الإعلام الإسرائيلي بكشف جانبٍ من حيثيات العدوان وخلفياته. وممّا تكشّف عن تلك الخلفيات، تأكيد المؤكد لناحية ارتباط الفصل الجديد من تصعيد الإدارة الأميركية الجديدة ضدّ حركة «أنصار الله»، بعد إدراجها في لوائح «الإرهاب» أواخر كانون الثاني الماضي، برغبات رئيس حكومة الاحتلال، بنيامين نتنياهو، في اللجم الاستباقي لأيّ هجمات قد تبادر إليها الحركة، بعد تعهُّدها قبل أيام قليلة باستئناف استهداف السفن الإسرائيلية عبر مضيق باب المندب. ويأتي هذا على وقع محاولة زعيم «الليكود» رفع مستوى الضغط على «حماس» في شأن مفاوضات استكمال اتفاق تبادل الأسرى ووقف إطلاق النار، وكذلك التملّص من التزاماته بموجب «البروتوكول الإنساني»، الملحق بالاتفاق.

مشاركة إسرائيلية وتخوّف من الردّ

ومن جملة ما عرضه الإعلام الإسرائيلي في هذا السياق، ما أفاد به مسؤول رفيع في حكومة نتنياهو موقع «واللا» العبري، حول إخطار واشنطن عدداً قليلاً من الأطراف الحليفة لها، وعلى رأسها «تل أبيب»، قبل تنفيذ العمليات العسكرية ضدّ اليمن. وتقاطعت تلك المعطيات مع ما جاء على لسان مراسلة الشؤون العسكرية في صحيفة «إسرائيل هيوم»، ليلاخ شوفال، من أن الهجوم الأميركي الأخير على اليمن «تمّ بالتنسيق مع إسرائيل»، مضيفة أنّ الأخيرة «ساهمت بشكل معيّن في المعلومات الاستخبارية للولايات المتحدة».

وفي حين تداولت بعض المنصات الإعلامية الإسرائيلية معطيات مفادها أنّ الدور الإسرائيلي لم يقتصر على الجانب الاستخباري، وتعدّاه إلى المستوى العملياتي من خلال مشاركة مقاتلات إسرائيلية في الهجمات، تحدّث شوفال عن احتمال ردّ اليمن على العدوان في الأيام القليلة المقبلة، مشيرة إلى أنّ «هذا أمر يستعدّون له حالياً في المؤسستَين الأمنية والعسكرية». وفي هذا الإطار، كشفت «القناة الـ13» العبرية، أن القوات الجوية الإسرائيلية دخلت في حالة تأهُّب قصوى بعد الهجوم على الأراضي اليمنية، لافتة إلى وجود تخوّف لدى القيادتَين العسكرية والسياسية من احتمال عودة «أنصار الله» إلى إطلاق الصواريخ في اتجاه المواقع والمدن الإسرائيلية بصورة فورية.

ونقلت «القناة الـ12»، بدورها، عن مصدر عسكري، قوله إن «الجبهة الداخلية لم تغيّر تعليماتها بعد»، مضيفاً أنّ تل أبيب «تتابع عن كثب ما يجري في اليمن، وتتحيّن الفرصة لتنفيذ ضربة إسرائيلية». وبحسب تقديرات أمنية إسرائيلية، فإنّ قدرات «أنصار الله» العسكرية وعلاقاتها بإيران، تدفع حكومة نتنياهو إلى التأهُّب لكلّ السيناريوات، بما في ذلك خوض مواجهة مع الحركة، وتوقّع تلقّي ضربات مضادة منها بالصواريخ والمُسيّرات، وسط ارتفاع المخاوف من أن يطول أمد الصراع العسكري بين الولايات المتحدة والحركة اليمنية.

اعتبر ليبرمان أنّ الهجمة الأميركية على اليمن تلمّح إلى أن إيران هي التالية

وفي ظل تكتّم شبه مطلق من قِبَل مسؤولي حكومة نتنياهو حول التطوّرات العسكرية في اليمن، استرعت مواقف زعيم حزب «إسرائيل بيتنا»، أفيغدور ليبرمان، الانتباه لِما حملته من إشارات تجاه طهران، إذ اعتبر أنّ الهجمة الأميركية على اليمن تلمّح إلى أن إيران هي التالية، مشيراً إلى انزعاج الإدارة الأميركية من التعاطي الإيراني مع طروحات ترامب لتسوية النقاط الخلافية معها.

اختبار لـ»دبلوماسية القوّة»

ومن جملة التعليقات على التطوّرات الميدانية في اليمن، ذكّر رئيس شعبة «أمان» السابق، تامير هايمن، بأنّ الائتلاف العسكري بقيادة الولايات المتحدة، المعروف بـ»تحالف الازدهار»، والذي نشأ في كانون الأول 2023 للتصدّي لنشاط «أنصار الله» قرب مضيق باب المندب، «ارتكب أخطاء عملياتية لم تنجح في إلحاق أيّ ضرر بالبنية التحتية في اليمن، أو القضاء على قادة أنصار الله، أو حتى في الحفاظ على استمرارية عملياته»، معتبراً أنّ السؤال المهمّ الآن هو عمّا إذا كان «سيعاد فتح البحر الأحمر أمام جميع السفن، وليس عدد الهجمات التي تنفّذها الولايات المتحدة» التي لم تشمل حتى الآن عملية برّية، أو عمليات خاصة.

وإذ نوّه بقدرة اليمنيين على مواصلة إسناد غزة على الرغم من التهديدات الأميركية والإسرائيلية، رأى هايمن أنّ الغارات الجوية الأميركية الأخيرة ضدّ اليمن «تُعدّ أول اختبار قوّة للرئيس الأميركي»، محذّراً من أن إخفاق تلك الغارات في حَمْل اليمنيين على وقْف هجماتهم في البحر الأحمر، سيجعل ترامب «يبدو بمظهر الضعيف أمام حماس وكذلك إيران»، وسيعطي انطباعاً بأنّ «دبلوماسية القوّة» لا تعدو كونها «أداةً فارغة».

وفي ظلّ توقُّع المؤسسة العسكرية في إسرائيل أن تسفر الهجمات الأميركية على اليمن عن تصعيد إقليمي أوسع، قال مسؤول عسكري إسرائيلي، لـ»القناة الـ14»، إن تل أبيب تتعامل بحذر وصرامة مع تهديدات حركة «أنصار الله»، مؤكداً «(أنّنا) نستعدّ ضدّ الساحة الحوثية وكأنّ المسافة بيننا وبينهم كيلومتران وليس 2000 كيلومتر». وبدوره، لفت الباحث في مركز «موشيه ديان لدراسات الشرق الأوسط وأفريقيا» التابع لـ»جامعة تل أبيب»، ناحوم شيلوه، إلى التعقيدات المترتّبة على شنّ ضربات جوية داخل اليمن، معتبراً أنّه «من منظور أنصار الله، ووفق تحليلهم للتكلفة والعائد، فإنهم يرغبون في تنفيذ أيديولوجيتهم المناهضة لإسرائيل والولايات المتحدة، مع الأخذ في الاعتبار أن قدرة إسرائيل على ضربهم محدودة، بالنظر إلى وجود عدد قليل جداً من الأهداف العسكرية القيّمة لإسرائيل» داخل اليمن.

ويسلّط محلّلون متابعون للشأن الإسرائيلي، الضوء على استمرار التباين في الآراء داخل أروقة المؤسستَين الأمنية والعسكرية حول كيفية وضع حدّ لتهديد الجماعة اليمنية. وبينما يميل فريق يقوده رئيس «الموساد»، ديفيد برنياع، إلى معالجة هذا التهديد من خلال استهداف إيران بشكل مباشر، يحبّذ فريق آخر، ومن ضمنه قادة جهاز استخبارات الجيش، انتهاج سياسة أكثر تحفُّظاً تتجنّب الضربات المباشرة ضدّ إيران، وهو الفريق الذي يؤيّده نتنياهو.

وتنسحب تلك التباينات على كيفية تأطير حركة «أنصار الله»، سواء لناحية النظر إليها كـ»دولة» أو كـ»منظمة إرهابية». وفي هذا الجانب يعتقد غيورا آيلاند، وهو الرئيس السابق لمجلس الأمن القومي الإسرائيلي، بضرورة التعامل مع الحركة اليمنية كدولة، بالنظر إلى أن ذلك سيتيح لإسرائيل تطبيق قوانين الحرب التقليدية وشرعنة عمليات عسكرية أوسع ضدّ حكومة صنعاء.

إلّا أن مقاربة آيلاند تثير مخاوف تيار آخر داخل أروقة صنع القرار، لما يمكن أن تحمله من ارتدادات إقليمية عكسية على مستوى بعض الحلفاء الإقليميين «المحتملين»، كالسعودية التي قد تتردّد في دعم حرب إسرائيلية معلنة ضدّ حركة «أنصار الله»، من منطلق ما تمثّله الأخير من سلطة حكومية في دولة مجاورة لها. وعليه، يفضّل التيار المذكور تأطير تعامل «تل أبيب» مع الحركة كـ»منظمة إرهابية»، ضمن «الرؤية الإسرائيلية الأوسع الرامية إلى محاربة وكلاء إيران» على مستوى الشرق الأوسط.

* الأخبار
You might also like