كل ما يجري من حولك

قضية تفجير مرفأ بيروت: قراءة في استكمال التحقيقات والإجراءات

25

متابعات..| تقرير*

يستأنف المحقق العدلي في قضية تفجير المرفأ، القاضي طارق البيطار التحقيقات في هذا الملف. أيام قليلة تفصل عن تحديد مواعيد جلسات الاستجواب، وعن أسماء الشخصيات السياسية والقضائية والعسكرية التي ستُبلّغ بموعد جلسات استجوابها تباعاً. وتكمن حساسيّة هذه المرحلة في أن القاضي البيطار عازم على استكمال التحقيقات في الملف من النقطة التي توقفت عندها سابقاً. ما يعني أنه سيستكمل المرحلة الأخيرة من التحقيقات قبل إصدار قراره الظنيّ وتحويل الملف للمجلس العدلي لبدء المحاكمات، أي استجواب ما تبقى من الشخصيات السياسيّة، والقادة الأمنيين، والقضاة فقط.

تطرح بعض الاسئلة في هذا الشأن: إذا ما امتدت الاستدعاءات لدى مدعي عام التمييز لتشمل سياسيين ونواباً ووزراء، ماذا سيحصل بالنسبة للحصانات السياسية التي تتمتع بها بعض الشخصيات؟ ما هي الإجراءات القانونية التي ستتبع في هذا الإطار وهل سينجح المدعى عليهم في استبعاد القاضي بيطار هذه المرة؟ وما هو مصير جلسات الاستماع، هل ستقدم نتائجها المرجوة في مسار التحقيق؟

الإجراءات القانونية الواجب اتباعها

خلال أيام سيتولى المباشرون المدنيون مهمة تبليغ المدعى عليهم (الذين لم يحقق معهم في السابق) بمواعيد استجوابهم، وفقاً للترتيب الذي سيختاره القاضي. ومن ضمنهم: “عضو المجلس الأعلى في الجمارك السابقة غراسيا القزي، رئيس الوزراء السابق حسان دياب، الوزير السابق نهاد المشنوق، المدير السابق للأمن العام، عباس إبراهيم، الوزير السابق غازي زعيتر، المدير العام لأمن الدولة طوني صليبا، المدعي العام التمييزي السابق، غسان عويدات، المحامي العام التمييزي، غسان الخوري.

سبق وأن حصل هذا الإجراء مع القاضي طارق بيطار خلال تحقيقه في ملف تفجير مرفأ بيروت، حيث واجه سلسلة من الدعاوى القضائية التي رفعها عدد من المسؤولين السياسيين والأمنيين المدعى عليهم في القضية. تجاوز عدد هذه الدعاوى 44 دعوى، مما عرقل سير التحقيقات لفترات زمنية مختلفة.

أبرز هذه الدعاوى كانت دعاوى “الارتياب المشروع” التي تهدف إلى تنحية القاضي البيطار عن الملف، حيث اتهمه المدعى عليهم بالتحيز وعدم الحيادية في إجراءاته. من بين الذين قدموا هذه الدعاوى:

– وزير الأشغال السابق يوسف فنيانوس، الذي اعتبر أن البيطار متحيز في تحقيقاته.

– النائبان علي حسن خليل وغازي زعيتر، اللذان قدما طلبات لرد القاضي بسبب ما وصفوه بالارتياب المشروع في أدائه.

– رئيس الوزراء السابق حسان دياب، الذي رفض الامتثال لاستدعاء القاضي البيطار وقدم دعوى ضده.

بالإضافة إلى ذلك، قدم النائب نهاد المشنوق دعوى لرد القاضي البيطار عن الملف، مشيراً إلى عدم صلاحية القاضي في متابعة التحقيقات. هذه الدعاوى والاتهامات أدت إلى تعليق التحقيقات لفترات متعددة، إلا أن القضاء اللبناني رفض بعضها، مما سمح للقاضي البيطار باستئناف عمله في التحقيق.

إنّ المدعى عليهم في قضية تفجير مرفأ بيروت يمكنهم المطالبة مجدداً باستبعاد القاضي طارق البيطار، لكن نجاح هذه المحاولات يعتمد على الحجج القانونية التي يقدمونها ومدى قبولها من قبل القضاء اللبناني. فيما يلي أبرز الحجج القانونية التي يمكن أن يستندوا إليها:

  1.  سقوط الحصانة السياسية

تكمن حساسيّة هذه المرحلة في أن البيطار عازم على استكمال التحقيقات في الملف من النقطة التي توقفت عندها سابقاً. ما يعني أنه سيستكمل المرحلة الأخيرة من التحقيقات قبل إصدار قراره الظنيّ وتحويل الملف للمجلس العدلي لبدء المحاكمات، أي استجواب ما تبقى من الشخصيات السياسيّة، والقادة الأمنيين، والقضاة فقط.

في النظام القانوني اللبناني، يتمتع بعض المسؤولين السياسيين بحصانات دستورية أو قانونية تحميهم من الملاحقة القضائية أثناء توليهم مناصبهم. لتمكين التحقيقات في قضية تفجير مرفأ بيروت من شمول هؤلاء المسؤولين، يجب اتباع إجراءات قانونية محددة لرفع هذه الحصانات.

– رفع الحصانة عن النواب: يتمتع أعضاء مجلس النواب بحصانة إجرائية تحميهم من الملاحقة القضائية خلال فترة انعقاد المجلس. لرفع هذه الحصانة، يتعين على المحقق العدلي تقديم طلب إلى مجلس النواب عبر النيابة العامة التمييزية ووزارة العدل. بعد استلام الطلب، يُحال إلى لجنة الإدارة والعدل النيابية لدراسته وتقديم توصية إلى الهيئة العامة للمجلس. يتخذ المجلس القرار النهائي بشأن رفع الحصانة بأغلبية الأصوات.

– ملاحقة الرؤساء والوزراء: بالنسبة للرؤساء والوزراء، فإن ملاحقتهم تتطلب إجراءات مختلفة، حيث يُحاكمون أمام المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء. يتطلب ذلك تقديم اتهام من قبل مجلس النواب بأغلبية الثلثين. هذا يعني أن ملاحقة هؤلاء المسؤولين تستلزم تعديلاً دستورياً أو اتباع آلية خاصة منصوص عليها في الدستور.

– التحديات والمطالبات: واجهت محاولات رفع الحصانة عن بعض المسؤولين في قضية تفجير مرفأ بيروت عقبات متعددة، بما في ذلك رفض بعض الجهات الرسمية منح الأذونات اللازمة للملاحقة. وقد أدى ذلك إلى تعقيد سير التحقيقات وإثارة انتقادات من قبل منظمات حقوقية وأهالي الضحايا. ففي يوليو 2021، دعت منظمة العفو الدولية السلطات اللبنانية إلى رفع الحصانة عن المسؤولين المطلوبين للتحقيق في انفجار مرفأ بيروت، مؤكدة على ضرورة عدم عرقلة سير العدالة.  بالإضافة إلى ذلك، اقترحت بعض الجهات تعليق الحصانات في قضية انفجار مرفأ بيروت لتسهيل عملية التحقيق والمحاسبة. إلا أن هذا الاقتراح لقي تبايناً في المواقف بين القوى السياسية اللبنانية، مما يعكس التعقيدات المحيطة بهذا الملف.

بشكل عام، يتطلب رفع الحصانات عن المسؤولين السياسيين في لبنان تعاوناً بين السلطات القضائية والتشريعية، بالإضافة إلى إرادة سياسية حقيقية لضمان سير العدالة ومحاسبة المتورطين في القضايا الوطنية الحساسة.

إمكانية استبعاد القاضي بيطار

إنّ المدعى عليهم في قضية تفجير مرفأ بيروت يمكنهم اللجوء إلى عدة إجراءات قانونية لمحاولة استبعاد القاضي طارق البيطار مجدداً، ولكن نجاحهم يعتمد على مدى اقتناع القضاء بهذه الحجج. فيما يلي أبرز الوسائل القانونية والحجج التي يمكنهم تقديمها لضرب مصداقية القاضي البيطار وإبعاده عن القضية:

1- تقديم طلبات “الارتياب المشروع

يحق للمدعى عليهم طلب تنحية القاضي إذا تمكنوا من إثبات وجود انحياز واضح أو استهداف غير مبرر في قراراته.

الحجج التي يمكن استخدامها:

– الانتقائية في الاستدعاءات: الادعاء بأن البيطار يستهدف فئة معينة من المسؤولين دون غيرهم، رغم أن مسؤولية التفجير قد تشمل شخصيات أخرى لم تُستدعَ.

– تسريب معلومات سرية: اتهامه بتسريب معلومات تتعلق بالتحقيق إلى الإعلام، مما يخلق جواً من التسييس والتأثير على مسار العدالة.

– تأثير القوى الدولية: الادعاء بأن تحقيقاته تتأثر بضغط دولي، ما قد يطعن في استقلاليته.

2-الدفع بعدم الاختصاص

يمكن للمدعى عليهم الدفع بأن القاضي البيطار لا يملك الصلاحية القانونية لملاحقتهم، خاصة المسؤولين الحكوميين السابقين.

الحجج التي يمكنهم تقديمها:

– المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء: استناداً إلى الدستور اللبناني، فإن محاكمة الوزراء والرؤساء السابقين تكون من صلاحية المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء وليس القضاء العدلي.

– عدم جواز محاكمة العسكريين أمام القضاء العدلي: يمكن لضباط الأمن المدعى عليهم الدفع بأنهم يخضعون فقط للمحاكم العسكرية.

3-الطعن في إجراءات البيطار باعتبارها غير قانونية

إذا تمكن المدعى عليهم من إثبات أن البيطار اتخذ إجراءات تخالف الأصول القانونية، فقد يؤدي ذلك إلى إبعاده.
أبرز النقاط:

– إصدار مذكرات توقيف غير مبررة: الادعاء بأن مذكرات التوقيف لم تستند إلى أدلة كافية.

– عدم اتباع الإجراءات القانونية في استدعاء الوزراء السابقين: حيث لم يحصل على إذن مسبق من الجهات المختصة كما ينص القانون اللبناني.

4-تقديم دعاوى جزائية ضد القاضي البيطار

يمكنهم رفع دعاوى جزائية ضده بتهم مثل:

– إساءة استخدام السلطة: إذا تمكنوا من إثبات أنه تجاوز صلاحياته بشكل متعمد.

– التحقيق بانحياز سياسي: الادعاء بأنه يتعامل مع الملف بخلفيات سياسية أو طائفية.

– الإضرار بالمؤسسات القضائية: الادعاء بأن إدارته للتحقيق تُعرض القضاء لضغوط وتسييس.

5-اللجوء إلى التفتيش القضائي

يمكن للمدعى عليهم تقديم شكاوى أمام هيئة التفتيش القضائي لمساءلة القاضي البيطار عن قراراته، وإذا ثبتت مخالفات جسيمة، فقد يُقرر كفّ يده عن التحقيق.

لكن لابد من القول بأنّ هناك عقبات أمام استبعاده، وتتمثل في:

– الدعم الشعبي والدولي: القاضي البيطار يحظى بتأييد واسع من أهالي الضحايا ومنظمات حقوقية دولية.

– رفض القضاء لمحاولات سابقة: القضاء اللبناني رفض سابقاً طلبات تنحيته، مما يجعل من الصعب إعادة المحاولة بنفس الحجج.

– استراتيجية البيطار في المواجهة: رغم العرقلة المستمرة، استمر البيطار في التحقيق، مما يعكس تصميمه على الاستمرار.

رغم تعدد الحجج القانونية التي يمكن للمدعى عليهم استخدامها، إلا أن نجاحهم في إبعاد البيطار يتوقف على مدى إقناع القضاء بوجود انحياز أو مخالفات قانونية جسيمةحتى الآن، محاولاتهم السابقة لم تؤدِّ إلى استبعاده، لكنهم قد يستمرون في استخدام الوسائل القانونية والسياسية لإيقافه أو إبطاء التحقيق.

مصير جلسات الاستماع

فيما يتعلق بالحالة الحالية والحديث عن استئناف فتح التحقيقات: في السياق الطبيعي، يطلب المحقق العدلي من النيابة العامة التمييزية التعاون معه، وتبليغ كل المدعى عليهم بمواعيد جلساتهم، من خلال الاستعانة بالضابطة العدليّة، أي عبر المباحث الجنائية المركزية أو الدرك، على سبيل المثال. لكن في الاجتماع الأخير بين القاضي طارق البيطار والمدعي العام التمييزي الحالي، جمال الحجار، رفض الأخير التعاون مع البيطار، متذرعاً بدعوى “اغتصاب السلطة” التي يُلاحق بموجبها البيطار من المدعي العام التمييزي السابق، غسان عويدات، الذي أخلى سبيل جميع الموقوفين سابقاً.

يبدو أنّ المدعي العام التمييزي الحالي جمال الحجار لن يخوض معركة تفجير المرفأ، وسيختار الحيادية والوقوف في منتصف الطريق: فالنيابة العامة التمييزية سترفض كل ما يُقدم من البيطار ولن تُنفذ أي من إجراءاته المُتوقع اتخاذها بعد انتهاء جلسات الاستجواب. هذا يعني أن البيطار سيكون مقيداً ولن يكون قادراً على اتخاذ أي إجراءات قضائيّة خلال الفترة الراهنة بحق المدعى عليهم. ومع تلويح الحجار بالتنحي عن هذه القضية، وهو من السيناريوهات “السوداوية” التي قد تأخذ القضية إلى نفق مظلمٍ جديد، سيكون من الصعب مرة أخرى حلحلة هذا الملف، خصوصاً أن قضاة النيابة العامة التمييزية يرفضون تسلّم هذا الملف لحساسيته.

يرى بعض المتابعين لهذا الملف أنّ هناك سيناريوهان متوقعان لمصير جلسات الاستجواب التي ستبدأ قريبا:

1. السيناريو الأول هو حضور المدعى عليهم في قضية المرفأ، ومثولهم أمام القاضي البيطار. وانطلاقًا من المعلومات التي ستقدم للبيطار، سيُحدد مصير المدعى عليهم، فإن كانت المعلومات كافية لإدانة المدعى عليهم، فمن الممكن أن يصدر مذكرة توقيف وجاهية بحقهم. وفي حال احتاج البيطار لأكثر من جلسة استجواب، من الممكن عدم اتخاذ أي إجراء قضائي بحق المدعى عليهم.

2. السيناريو الثاني الأكثر توقعاً: هو تغيب المدعى عليهم عن جلسات استجوابهم، بحجة “عدم تعاون النيابة العامة التمييزية مع البيطار، وأن الأخير يُلاحق بدعوى اغتصاب السلطة، وبالتالي لا يحق له انطلاقًا من طلبات الرد والمخاصمة العودة إلى ملفه لأنه مكفوف اليد”. علماً أن قرار العودة هو نتيجة اجتهاد قانونيّ توصلّ إليه البيطار في السابق.

في حال تغيب جميع المدعى عليهم، أو حضور البعض منهم، فإن السيناريو المُتوقع هو عدم اتخاذ أي إجراء قضائي بحقهم. ما يعني أن البيطار لن يصدر أي مذكرة توقيف غيابية بحقهم، لأن هذا الإجراء يتطلب من النيابة العامة التمييزية معاونته ومساعدته لتنفيذه، وهو الأمر الغير متوفر حالياً.

* الخنادق

You might also like