المصلحة الأمريكية من دمج قسد في الإدارة الجديدة.. هل سيصمد الاتفاق؟
متابعات..| تقرير*
وقّعت قسد “الكردية” المدعومة من واشنطن، وإدارة الدولة السورية الجديدة اتفاقاً يقضي “بدمج” كافة المؤسسات المدنية والعسكرية التابعة للإدارة الذاتية الكردية في شمال شرق سوريا ضمن إدارة الدولة السورية بما فيها المعابر الحدودية والمطار وحقول النفط والغاز. ووصف المتحدث باسم قسد، فرهاد الشامي، الاتفاق بأنه “مبدئي”، وقد تم بوساطة أميركية، مشيراً إلى أن “الأميركيين” طرف أساسي في الاتفاقية. فما هي المصلحة الأميركية من دمج قسد في الإدارة الجديدة؟ وما هي التحديات التي تواجه الاتفاق الجديد؟
المصلحة الأميركية من دمج قسد في الإدارة الجديدة
الاتفاق يعبر عن قرار أميركي لحماية مصالح الولايات المتحدة، وتأجيل أو منع انهيار السلطة الجديدة، مع الحفاظ على خطوط المواجهة التي تضمن استمرار نفوذهم في سوريا. تسعى واشنطن إلى إمساك العصا من الوسط حفاظاً على نفوذها. لا تريد حرباً في سوريا تهدد مصالحها في المنطقة، لكن لن تمانع أن تتحرر من الأعباء دون أن تسمح للاعبين الآخرين في ملء الفراغ كلياً، خاصة الحليف التركي. تستثمر واشنطن الفرص وفي الوقت المناسب، وبعدما دعمت الإمارات “الحراك المسلح” في المناطق الساحلية في سياق التنافس مع تركيا على النفوذ، استثمرت الولايات المتحدة فرصة الفلتان الأمني الإرهابي في اقتراف المجازر والإبادات بحق الأقليات، وخاصة العلوية، لفرض شروط قوات سوريا الديموقراطية، “قسد”، على الشرع والقبول بالورقة التي سبق أن قدّمها قائد قوات قسد مظلوم عبدي قبل أسبوعين لدمشق، لكن رفضها الشرع واضطر للقبول بها بعد أن توجس من تفلت زمام الأمور والسيطرة من يديه.
الانشغال الاميركي بملفات أخرى لا يتناقض مع التركيز على سوريا أو يقوّض من حوافز الإبقاء على الوجود العسكري فيها لسبب جيو استراتيجي يرتبط بالخارطة السياسية لنفوذ القوى الفاعلة في منطقة غرب آسيا وتداعياتها على التوازن الاستراتيجي للقيادة الأميركية للعالم. وهنا، يمكن الإشارة إلى أن المجازر في الساحل السوري شكّلت رسالة قوية جدّاً لبقية الأقليات، رسالة إخضاع وتطويع، وقد تمت المجازر والإبادة بحق أسر بكاملها، بينما تنصلت الإدارة الجديدة من مسؤوليتها، وحمّلت فصائل “أجنبية” المسؤولية، بل وتعهّدت بالعقاب والمحاسبة، ما يذكّر بالأسلوب الأميركي في التضليل والخداع.
تحدّيات الاتفاق
تواجه الاتفاقية مجموعة من التحديات والقضايا العالقة التي تحتاج إلى معالجة. وتأخذ المشكلات الإدارية حيزاً كبيراً في تحليل قرار “الدمج”، خاصة أن الاتفاقية تفتقد الحلول العملية، والمستند القانوني الذي يحدد آليات تنفيذ بنودها الثمانية نتيجة الفراغ الدستوري في سوريا. والمشكلة الأخرى ذات طبيعة مغايرة، فهي خارجية تتعلّق بتنازع أطراف الصراع في سوريا، التركي والأميركي والخليجي؛ الأمر الذي يشكل نواة صلبة لنزاعات مستقبلية خطيرة. ومن العراقيل التي تواجهها الاتفاقية هي:
– منح الجنسية لمئات الآلاف من المكوّن الكردي الذين أصبحوا عديمي الجنسية منذ عام 1962، حيث سيصبح من حق كل مكونٍ من مكونات الشعب السوري، الحق بالمعاملة بالمثل، و”الاندماج” في مؤسسات الدولة كفصائل موازية.
– ضمان عودة النازحين على يد الجماعات الموالية لتركيا من مناطق مثل عفرين ورأس العين.
– إن صحت المعطيات بشأن الدمج في النفط والمعابر والحدود، فتشير إلى أن الموارد التي كانت حصراً بيد قوات سوريا الديمقراطية وتساهم في أو تؤمن بالحد الأدنى احتياجات الآليات من الوقود، إن لم نقل تغطي كافة نفقات وجود القوات الأميركية، باتت أمام آلية توزيع تفترض: إما استمرار سريان الآلية القديمة دون مكاسب للطرف “الدخيل” أو تنسيق آلية جديدة تقوم على تسوية معينة وتكون حصة الأسد فيها للطرف الأميركي. بيد أن البند الرابع من الاتفاقية والمتعلّق بإدارة المعابر والحدود وحقول النفط والغاز يدعم الفرضية الأولى، حيث أنه لا يتعلق بكيفية البيع أو التوزيع، بل يكتفي بالإشارة إلى الدمج في إدارة هذه المرافق.
– كيفية معالجة مشكلة السجون التي تديرها قوات قسد، ماذا سيكون مصير عناصر داعش فيها؟ وهل ستتغير الإدارة؟
– المناطق الواقعة تحت السيطرة الكردية أمام إشكالية: هل تدخل قوات الحكومة السورية إليها، أو تنتشر على حدود محافظة دير الزور ومناطقها؟
– كيفية انعكاس التوفيق أو التلفيق القانوني بين هوية جماعة الإدارة الجديدة “الإسلام السياسي” وهوية جماعة قسد “العلمانية”.
– إلى متى سيصمد الاتفاق؟ ماذا ستكون ردة فعل بقية الفصائل وتحديداً تجاه شخص “الشرع”؟ مدى قدرة الإدارة الجديدة على منع أي رفض؟ مدى مقبولية التقاسم على النفوذ؟
يؤمن الاتفاق للمكون الكردي الاعتراف بالاستقلالية داخل الدولة، بينما يؤمن للسلطة اعتراف المكوّن الكردي بها. لكن بات أكراد سوريا أمام مشهدية أقرب إلى ما يكون عليه وضع أكراد العراق، لجهة الاحتفاظ بسلاحهم والموارد في مناطقهم، لكن مع إدارة “فيدرالية”. الخطوة التي ستدفع ببقية الأقليات بنفس الاتجاه، ما يفسّر جهود السلطة الجديدة إلى اتفاق مع الدروز، بحيث أصبح تقسيم سوريا إلى “فيدراليات” أكثر واقعية وأقرب من ذي قبل.
* الخنادق