صناعات الهند العسكرية تضع باكستان والصين في دائرة الاستهداف
متابعات..|
شهدت الهند في السنوات الأخيرة تحوّلا نوعيا في قطاع الصناعات العسكرية، ووضعت خططًا طموحة لتعزيز قدراتها الدفاعية، متّبعة نهجًا إستراتيجيا يهدف إلى تحقيق الاكتفاء الذاتي وتقليل الاعتماد على الواردات الدفاعية.
تأتي هذه الجهود في إطار مبادرة “اصنع في الهند” التي أطلقتها الحكومة الهندية، والتي تسعى إلى جعل البلاد مركزًا عالميا للصناعات الدفاعية لتلبية احتياجاتها الأمنية، وتوسيع حصتها في سوق تصدير الأسلحة.
وتُرجم هذا التوجه إلى استثمارات ضخمة في البحث والتطوير، وعقْد شراكات مع كبرى الشركات العالمية، وتحفيز الشركات المحلية للدخول بقوة لهذا القطاع الحيوي.
وتمثّلت نتائج هذه الجهود في إنتاج معدات عسكرية متطورة، تشمل مقاتلات محلية مثل “تيجاس” وغواصات ومدرعات وصواريخ بعيدة المدى، فضلًا عن أنظمة دفاعية متقدمة.
لم يمر الصعود السريع للهند في التصنيع العسكري دون إثارة مخاوف إقليمية، خاصة في باكستان التي تنظر إلى هذه التطورات باعتبارها تهديدا مباشرا للتوازن الإستراتيجي في جنوبي آسيا.
وتخشى إسلام آباد أن يؤدي تفوّق الهند التكنولوجي والعسكري إلى خلل في ميزان القوى التقليدي، مما يفرض عليها تحديات إضافية على المستويين الأمني والاقتصادي، وهذا ما دفعها إلى تكثيف تعاونها العسكري مع حلفائها، خصوصًا الصين وتركيا، لتعزيز قدراتها الدفاعية وتحديث منظومتها التسليحية.
أما الصين، التي تربطها بالهند علاقة معقدة تتراوح بين التعاون والتنافس، فهي تراقب هذا الصعود الهندي عن كثب، خاصة مع تصاعد التوترات الحدودية بين البلدين.
ومن شأن تعزيز القدرات العسكرية الهندية أن يعقّد حسابات بكين الإستراتيجية في المنطقة، لا سيما في ظل تنامي التعاون الدفاعي بين الهند والولايات المتحدة، الذي يهدف إلى مواجهة النفوذ الصيني في منطقة المحيطين الهندي والهادي.
في ضوء هذه التطورات، يبقى السؤال الأهم إلى أي مدى يمكن أن تؤثر هذه الإستراتيجية الهندية على التوازن العسكري في جنوب آسيا؟ وهل ستؤدي إلى سباق تسلح متسارع بين القوى الإقليمية، أم إنها ستسهم في خلق نظام ردع متبادل يمنع اندلاع صراعات مستقبلية؟
وقد اعتمدت الهند تاريخيًا على واردات الأسلحة، خاصة من الاتحاد السوفياتي الذي زودها بأكثر من 70% من معداتها الدفاعية بحلول الثمانينيات.
لكن الحروب مع الصين وباكستان، خصوصًا حرب كارغيل عام 1999، كشفت عن نقاط ضعف خطيرة، مما دفع الهند إلى إعادة هيكلة إستراتيجيتها وصناعاتها الدفاعية، وتطوير عقيدتها القتالية من نهج دفاعي إلى نهج أكثر هجومي.
وشجع ذلك تصاعد التنافس العسكري والإستراتيجي مع باكستان والصين، والتقدم التكنولوجي المتسارع، تحت عنوان عقيدة “الضربة الباردة” (Cold Start Doctrine)، وهي إستراتيجية عسكرية تهدف إلى تنفيذ هجمات سريعة ومباغتة داخل الأراضي الباكستانية دون منح إسلام آباد الوقت الكافي لاستخدام أسلحتها النووية.
في ضوء هذه التطورات، يبقى السؤال الأهم: إلى أي مدى يمكن أن تؤثر هذه الإستراتيجية الهندية على التوازن العسكري في جنوب آسيا؟ وهل ستؤدي إلى سباق تسلح متسارع بين القوى الإقليمية، أم إنها ستسهم في خلق نظام ردع متبادل يمنع اندلاع صراعات مستقبلية؟ الأكيد أن المنطقة مقبلة على تغييرات كبرى ستعيد تشكيل المشهد الأمني والجيوسياسي في السنوات القادمة.