العدو يبدّل وجوه الإبادة: 50 يوماً من وقف النار
متابعات..| تقرير*
دخلت غزة فصلاً جديداً من حرب التجويع والقتل بـ»التقطير»، والتي لم تتوقف منذ دخول اتفاق وقف إطلاق النار حيز التنفيذ في الـ19 من كانون الثاني. وخلال اليومين الماضيين، استشهد ثمانية مواطنين عزّل في اعتداءات متفرقة في المناطق الشرقية لمدينة غزة، ومخيم البريج ومدينة رفح، بينما كانوا يحاولون الوصول إلى منازلهم وأراضيهم للبحث عن الحطب والخُضر. ووفقاً لـ»المركز المتوسطي لحقوق الإنسان»، فقد اغتال جيش الاحتلال الإسرائيلي 150 مواطناً خلال خمسين يوماً من التهدئة، وتسبب بإصابة 605 آخرين بجروح، بمعدّل 6 مواطنين في كل 24 ساعة.
وفيما يحاول العدو تبرير عمليات القتل، بذريعة أنه يطلق النار على الأهالي الذين يقتربون من المناطق العازلة أو «يخالفون الاتفاق»، من خلال العبور من شارع الرشيد غربي المدينة بالسيارات الشخصية، جنباً إلى جنب «محاولة عناصر من المقاومة زرع عبوات ناسفة»، إلا أنّ بيانات وزارة الصحة تؤكد أنّ معظم من استشهدوا هم أشقاء أو نساء وأطفال من عائلات واحدة.
وعلى الصعيد المعيشي، «جفّت» أسواق غزة، تقريباً، من البضائع الأساسية، من مثل اللحوم والفواكه والخُضر والألبان، والتي بالكاد استذكر الأهالي طعمها بعد انتهاء الحرب. أمّا الكميات المعروضة من البضائع، فارتفع ثمنها خمسة أضعاف، وأصبح يفوق قدرة الأهالي على الشراء. وفي خضمّ انعدام إمدادات الوقود والكهرباء، عاد الأهالي، مجدّداً، إلى الطهو على الحطب، فيما توقّفت محطة تحلية المياه المركزية في دير البلح، والتي توفّر 70% من المياه الصالحة للشرب في القطاع، عن العمل. ويأتي ذلك في وقت تشير فيه بيانات صادرة عن «اليونيسف» إلى أنّ 90% من أهالي غزة غير قادرين على تأمين المياه.
يريد نتنياهو التوصل إلى اتفاق مختلف عن اتفاق الدوحة الذي يلزمه بتنفيذ المرحلة الثانية
وعلى وقع تلك الظروف الصعبة، انطلقت جولة جديدة من المفاوضات حول صفقة وقف إطلاق النار وتبادل الأسرى، في العاصمة القطرية الدوحة، بحضور مبعوث الرئيس الأميركي لشؤون الشرق الأوسط، ستيف ويتكوف. ووفقاً للمتحدث باسم حركة «حماس»، حازم قاسم، فإنّ الحركة «تتعامل مع المفاوضات بكل مسؤولية وإيجابية»، على أمل أن تسفر عن «تقدّم ملموس لبدء المرحلة الثانية»، بما يمهّد «لوقف العدوان وانسحاب الاحتلال من قطاع غزة وإتمام صفقة التبادل».
وكما بات معروفاً، يقضي مقترح مبعوث الرئيس الأميركي بإطلاق سراح نصف الأسرى الإسرائيليين الأحياء والأموات في اليوم الأول من دخول وقف إطلاق النار الجديد، والذي سيستمر لشهرين، حيز التنفيذ، على أن يؤجّل إطلاق سراح بقية الأسرى الأحياء والأموات، إلى حين توصّل الأطراف إلى تفاهمات حول وقف الحرب بشكل نهائي.
وتقدّر مصادر مقرّبة من وفد «حماس» المشارك في المفاوضات، أنّ الصيغة التي طُرحت سابقاً مرفوضة جملة وتفصيلاً، ولا سيما أن التعاطي الإسرائيلي مع استحقاقات المرحلة الأولى من الصفقة، أظهر قدراً عالياً من التلاعب والتنصل من الالتزامات، من مثل رفض العدو الانسحاب من محور فيلادلفيا في اليوم الخمسين من الاتفاق. على أنّه، وعلى الرغم من موقف المقاومة الرافض للمناورات الإسرائيلية الهادفة إلى سحب ورقة الأسرى من يدها وإفراغ الاتفاق من مضمونه، فإنّ أجواء إيجابية تحيط بالجولة الحالية، ولا سيما أن المبعوث الأميركي أجّل زيارته لعشرة أيام، في خطوة فسّرها مراقبون بأنّها تهدف إلى إتاحة المجال للوسطاء للوصول إلى نقطة التقاء، تسمح بإحداث اختراق في الجمود الراهن.
وفي هذا الإطار، تلفت صحيفة «هآرتس» العبرية إلى أن وقف إطلاق النار، وفق مقترح ويتكوف، يهدف إلى تشجيع الأطراف على بدء المرحلة الثانية، وهو «قابل للتعديلات بناءً على التفاهمات التي تتوصّل إليها الأطراف».
وكان نتنياهو عقد، مساء أمس، جلسة مشاورات أمنية موسّعة، أشارت «القناة 12» العبرية إلى أنها تأتي وسط مؤشرات حول إمكانية التوصل إلى اتفاق يتعلق بالإفراج عن دفعة جديدة من المختطفين، مقابل الإفراج عن فلسطينيين وإدخال المساعدات.
وفي محاولة لتفسير السلوك الإسرائيلي، يرى المحلل السياسي، حسن لافي، أنّ «إسرائيل تتعمّد التفاوض بشكل غير مباشر، نظراً إلى أنّ بنيامين نتنياهو يريد التوصل إلى اتفاق مختلف عن اتفاق الدوحة الذي يلزمه بتنفيذ المرحلة الثانية التي يرفضها»، مضيفاً أنّ «أحداً من شركاء نتنياهو، بمن في ذلك وزير المالية، بتسلئيل سموتريتش، لن يجرؤ على معارضة شروط من مثل الانسحاب من معبر فيلادلفيا، حرصاً على عدم إغضاب ترامب»، طبقاً للمحلّل، الذي يخلص إلى أن ذلك يسمح لنتنياهو بتمرير الاتفاق «من دون أن تسقط حكومته».