كل ما يجري من حولك

واشنطن – تل أبيب: رهان ترويض المقاومة.. لا طاقة إسرائيلية على استئناف الحرب

27

متابعات..| تقرير*

لا تخفي إسرائيل قلقها من التباين في الأولويات والمصالح بينها وبين الولايات المتحدة حول إدارة المواجهة مع حركة «حماس»، والذي قد يضعف موقفها التفاوضي، ويفضي إلى نتائج غير متّسقة وأهدافها الأمنية، إذ إن المفاوضات الأميركية الأحادية مع الحركة، والتي جرت من دون تنسيق مسبق مع تل أبيب، رفعت سقف توقّعات الفلسطينيين، وأضرّت بـ«استراتيجية التخويف» الإسرائيلية، وربما تؤدّي أيضاً، في أسوأ الفرضيات والسيناريوات، إلى تسوية ما. ومع ذلك، جاءت ردود الفعل الإسرائيلية على تلك التطورات «حذرة جداً»، خشية أن يتسبّب الإعلان عن الموقف كما هو، بمفاقمة أضرار المسار الأميركي المنفرد، وسعياً لاحتواء تداعيات هذا الأخير، والتوصّل إلى تفاهمات مع البيت الأبيض تفضي إلى وقفه.

إلّا أن مبعوث الرئاسة الأميركية لشؤون الرهائن، آدم بولر، عاد وأثار مسألة التفاوض مع الحركة، متحدّثاً عن اقتراحات عُرضت عليه من جانبها، من بينها، بحسب حديثه إلى «القناة الـ11»، «وقف إطلاق نار تراوِح مدته بين 5 و10 سنوات»، على أن يتم الإفراج عن جميع الأسرى الإسرائيليين مقابل إطلاق سراح جميع الأسرى الأمنيين الفلسطينيين، وتخلّي الحركة عن سلاحها، جنباً إلى جنب السماح للولايات المتحدة وقوى دولية أخرى، بتفكيك الأنفاق في قطاع غزة.

وجاءت تعليقات بولر تلك، بعد محاولات «تملُّص علنية» من مفاوضاته مع حركة «حماس»، تولّاها عدد من المسؤولين الأميركيين، ومن بينهم وزير الخارجية، ماركو روبيو، الذي وصف ما فعله مبعوث ترامب بأنه «حدث لمرّة واحدة». ومن جهته، أكّد رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، والوزير المقرّب منه، رون ديرمر، الذي يدير المسار التفاوضي مع الجانب الفلسطيني، وكذلك جزء واسع من المعلّقين الإعلاميين الإسرائيليين، أن بولر تجاوز تفويضه، وعمد إلى توسيع محادثاته مع «حماس» لتشمل كل الأسرى الإسرائيليين والترتيب النهائي لاتفاق دائم لوقف إطلاق النار، بينما كانت مهمّته تتّصل بالبحث في إطلاق سراح الأسرى من حاملي الجنسية الأميركية.

على أن إصرار بولر على الترويج لنتائج التفاوض الذي قاده، يثير أكثر من علامة استفهام في تل أبيب، وإنْ كان الأمل، كما تقول وسائل الإعلام العبرية، أن تكون هكذا خطوات مجرّد تعبير عن «فوضى إدارية» في البيت الأبيض، حيث لا تزال العديد من المناصب شاغرة.

لكن هل بولر وغيره يفاوضون «حماس» من دون علم وتوجيه من الرئيس الأميركي، دونالد ترامب؟ الأكيد أن ما قاله مبعوث ترامب يتساوق مع الخطط الأميركية المطروحة على طاولة التفاوض، ومن بينها ترتيبات تلزم «حماس» بالتخلّي عن السلطة في غزة، مقابل دعم مالي من الخليج لإعادة الإعمار، وتشكيل حكومة تكنوقراط فلسطينية لا تشارك فيها الحركة، مع أو من دون وجود قوات عربية لرعاية الاتفاق وحسن تنفيذه، ومنح دور محدود للسلطة الفلسطينية على المعابر، وإن كان البند الأخير مرفوضاً تماماً في تل أبيب.

وسواء بالنظر إلى حديث بولر عن هدنة طويلة نسبيًّا، أو إلى الخطط التي يسعى إليها ترامب، كما يظهّرها الإعلام العبري، فإن ثمة تَعارُضاً كبيراً جداً مع موقف إسرائيل ومطالبها، وتحديداً لجهة بقاء «حماس» في غزة، بما لا يضمن لإسرائيل أن لا تتعافى الحركة لاحقاً، وإنْ جرى الحديث عن إمكان تخلّيها عن سلاحها.

تبدو الخطّة الأميركية متكاملة نسبياً، بمعنى أنها أفضل الخيارات المتاحة ضمن سلّة خيارات مليئة بالعيوب والفجوات

وعلى أي حال، تبدو الخطّة الأميركية متكاملة نسبياً، بمعنى أنها أفضل الخيارات المتاحة ضمن سلّة خيارات مليئة بالعيوب والفجوات، حتى تلك التي تتعلّق بفرضيات تجدُّد الحرب، وهي في مجملها غير قابلة للتحقُّق. لكنّ السؤال المطروح الآن، في ظلّ تجاوب نسبي من حركة «حماس»: هل تعمل الولايات المتحدة على فرض هذا الخيار؟ ربما يكون ذلك هو منبع الخشية الإسرائيلية، والتي لا تحجب التهديدات المتواصلة باللجوء إلى الخيار العسكري، في حال فشلت المفاوضات، علماً أن الاتجاه كان للإعلان عن فشل هذه الأخيرة لولا الضغط الأميركي على تل أبيب.

وبالفعل، يَرِد من إسرائيل حديث عن جاهزية لاستئناف الحرب، وهو ما يجري تظهيره باعتباره أكثر ترجيحاً من غيره، وإنْ كان عدد من الخبراء يرونه خياراً صعباً وربّما أيضاً متعذّراً، مثلما يرد في صحيفة «هآرتس» من معطيات تقول الصحيفة إن «الجيش الإسرائيلي يحاول إخفاءَها عن الجمهور»، وعلى رأسها أنه «للمرة الأولى، يبدو أن هناك خطراً حقيقياً من امتناع بعض جنود الاحتياط عن التجند إذا عادت الحرب في ظلّ جدل سياسي.

وحالياً، لا يتقدّم للخدمة سوى نصف المطلوبين في العديد من الوحدات». وبحسب تقديرات الجيش، سيزداد العبء على الجيش النظامي بشكل خاص، في ظلّ التخلّف عن امتثال دعوات استدعاء الاحتياط، واستمرار متطلبات الحرب في غزة، والحاجة إلى تعزيز الأمن على الحدود لمنع هجمات مشابهة لهجوم السابع من أكتوبر 2023، والاستعدادات الجديدة الناتجة من قرار الاحتفاظ بقوات في أراضي الدول المجاورة، في الجولان ومرتفعات سوريا الجنوبية ولبنان.

أيضاً، فإن المزاج العام في إسرائيل، لدى جمهورها ونخبها وإعلامها، لم يعد مؤاتياً أو متوافقاً مع العودة إلى الحرب، وهو يفضّل اتفاق وقف إطلاق نار يطلق بموجبه الأسرى، وإنْ بأثمان وتنازلات لصالح «حماس»، وهو ما يؤيده، بحسب استطلاعات الرأي التي ينشرها الإعلام العبري، أكثر من 70% منهم. على أن هذا المزاج لن يمنع، على ما يبدو، تنفيذ قرار استئناف الحرب في حال اتُّخذ، وإن كان من شأنه أن يصعّب صدوره، في حين يظهر الجانب الأميركي معنيّاً باستمرار الهدنة الحالية على المديين المنظور والفوري – الأمر الذي تأكد فعلياً من مواقف المبعوثين والمسؤولين الأميركيين -، تمهيداً لخطط طموحة جداً في واشنطن، تتطلّب بطبيعتها وقف إطلاق النار أولاً.

* الأخبار
You might also like