كل ما يجري من حولك

نُخبةُ الغرب تتلمّس «النجاح الكارثي»: هذا ما حذّرنا منه

32

متابعات..| تقرير*

حتى نهاية الأسبوع الماضي، كان المراقبون في الغرب، ومعهم وسائل الإعلام هناك، يحصرون التطورات الأخيرة الحاصلة في سوريا في كونها «اشتباكات بين مسلحين موالين لنظام بشار الأسد السابق، وقوات الأمن التابعة للسلطة الحالية». وفي هذا الإطار، وصفت صحيفة «نيويورك تايمز»، الخميس، الاشتباكات الأخيرة بأنّها بمثابة «اختبار حاسم لقادة البلاد الجدد»، الذين يسعون إلى بسط سلطتهم في «جميع أنحاء البلاد المنقسمة». ونقلت الصحيفة عن إبراهيم الأصيل، الزميل في «معهد الشرق الأوسط» في واشنطن، قوله إنه «في حال تصرفت القوات الحكومية بطريقة منضبطة، فقد تنجح في استعادة النظام والحفاظ على الدعم الشعبي»، محذّراً، في المقابل، من أنّه «إذا انخرط مقاتلون فرديون أو وحدات مارقة في هجمات انتقامية ضد السكان المحليين، فقد يتحول المشهد إلى اشتباكات طائفية، ما سيزيد من زعزعة استقرار البلاد».

وحالياً، يبدو أنّ المخاوف المشار إليها، والتي أبداها عدد كبير من المحللين منذ وقت طويل، قد بدأت تُترجم على أرض الواقع، وهو ما انعكس حتى «تغيراً» في لهجة وسائل الإعلام الغربية؛ إذ نشرت الصحيفة الأميركية نفسها، أمس، تقريراً تضمّن شهادات من السكان المحليين حول عمليات العنف الأخيرة، مشيرةً إلى أنّ مراقبي الحرب يرجّحون أنّ «عدد القتلى قد بلغ أكثر من 1000 شخص، معظمهم من المدنيين»، سقطوا على أيدي قوات الأمن التابعة للحكومة الجديدة.

وطبقاً للمصدر نفسه، فإنّ هذا العنف «خلق شبح صراع طائفي أكبر في سوريا، وأثار الذعر في محافظتي اللاذقية وطرطوس الساحليتين»، حيث يتركز وجود الطائفة العلوية، مشيرةً إلى أنّ العدد الأكبر من الضحايا هم من أبناء هذه الطائفة. كذلك، نقلت الصحيفة عن أحد الشبان العلويين قوله إنّه «على الرغم من أنّه لا يدعم الموالين للأسد الذين حملوا السلاح ضدّ السلطات الجديدة، إلا أنّه يتخوف من أنّ قوات الأمن لن تميّز بينه وبين أولئك الموالين لهم». أما صحيفة «تلغراف» البريطانية فقد باتت تعنون تقاريرها، بشكل متزايد، بعبارات تصف فيها الحكومة الجديدة بـ»الجهاديين الذين أطاحوا بالأسد»، ملمّحةً إلى أنّهم «يرتكبون عمليات قتل جماعية».

حذّر مراقبون من أنّ التحوّل في مقاربة واشنطن لـ«الهيئة»، يكشف «عدم التعلّم» من عدة تجارب فاشلة تتعلق بـ«تغيير النظام»

وبالعودة إلى المحلل إبراهيم الأصيل، فقد أكّد الأخير، في تصريحات عقب سقوط الأسد، أنّ «النشطاء السياسيين وشخصيات المعارضة يشعرون بالقلق إزاء الشمولية وتقاسم السلطة وغياب النقاش حول الانتخابات»، مشدّداً على أنه للمضي قدماً، «لا ينبغي السماح لقادة (هيئة تحرير الشام) بالسيطرة على المجال العام». ومن جهته، لفت نائب المدير العام لمنظمة «الخوذ البيضاء» الإنسانية، فاروق حبيب، في تصريحات إلى «معهد الشرق الأوسط» أيضاً، إلى أنّه إذ يشعر الناس، في جميع أنحاء سوريا، بـ»الارتياح لسقوط نظام الأسد»، فإنّ «رسائل التطمين» الصادرة عن القيادة المؤقتة موجّهة، بشكل كبير، إلى «المجتمع الدولي، لا إلى السكان المحليين». وفي الاتجاه نفسه، اعتبر المحلل في المعهد أندرو جيه. تابلر، أنّ «فراغ السلطة، وانتهاكات حقوق الأقليات، والعنف الإرهابي، ليست سوى بعض من العقبات التي قد يواجهها السوريون»، مشدّداً على ضرورة بدء «عملية انتقال سياسي تعكس إدارة الشعب وتنوعه».

بيد أنّ تجاهل السلطة السورية الجديدة للدعوات المشار إليها، منذ اللحظة الأولى، أعاد، أخيراً، إلى الواجهة المخاوف ممّا دأب المحللون الغربيون، طوال السنوات الماضية، على وصفه بسيناريو «النجاح الكارثي». وفي الواقع، وفور سقوط نظام الأسد، سارع العديد من مسؤولي الاستخبارات والمسؤولين العسكرييين السابقين إلى التشديد على ضرورة «عدم التدخل» في سوريا، تخوفاً من «بروز حكم أسوأ من الأسد»، يسيطر عليه «متطرفون دينيون»، داعين إلى «التعلم من تجارب الماضي».

ومن بين هؤلاء، المحلل السابق في وكالة المخابرات المركزية ورئيس أركان مجلس الأمن القومي، فريد فليتز، الذي كان ينظر «إلى التطورات في سوريا من منظور الماضي»، داعياً إلى «ضبط النفس». وفي إشارة إلى «الطابع الأيديولوجي» لـ»هيئة تحرير الشام»، جنباً إلى جنب الوضع «الجيوسياسي المتشابك» في الشرق الأوسط، لفت دان كالدويل، المحارب في مشاة البحرية ومستشار السياسة العامة لأولويات الدفاع، إلى أنّه «من المستغرب أن يكون هناك بعض الأميركيين الذين يهتفون للسلفيين المرتبطين بالقاعدة».

وفي الاتجاه نفسه، حذّر مراقبون، باستمرار، من أنّ التحول في مقاربة واشنطن لـ»الهيئة»، فور سقوط الأسد، يكشف أنّ «مؤسسة السياسة الخارجية لم تتعلم شيئاً من العديد من تجارب تغيير النظام الفاشلة»، أو ربما تحوّلت، بشكل «مثير للسخرية»، من «صراعاتها القديمة» مع «الجهاد العالمي»، إلى «التركيز على هدف جيوسياسي جديد، يتمثل بـ»هزيمة إيران»، مشيرين إلى أنّ «حرص صناع السياسة على التمحور حول أولويات جديدة، عبر التحالف مع الأعداء القدامى، هو أحدث مثال على انفصالهم عن عامة الناس».

* الأخبار
You might also like