إسرائيل تتعطّش للفوضى: تفتيتُ سوريا مصلحتنا
متابعات..| تقرير*
لم تصدر عن إسرائيل، حتى أمس، أي تعليقات رسمية حول الأحداث الأخيرة في الساحل السوري، فيما اكتفت مصادر سياسية وعسكرية بالإشارة، في حديث إلى وسائل إعلام عبرية، إلى أنّها «تتابع، بقلق، التطورات داخل الأراضي السورية». إلا أنه كان لافتاً قول رئيس لجنة «الأمن القومي» في الكنيست الإسرائيلي، بوعاز بيسموت، مساء، إن الكيان «لن يسمح بظهور قوة عسكرية في سوريا بعد سقوط بشار الأسد»، وإن دمشق يجب «أن تكون تحت السيطرة الإسرائيلية الكاملة»، «وتابعة لنا تماماً، على غرار الأردن، من دون قدرات عسكرية»، نظراً إلى أنها «جسرنا للوصول إلى الفرات». وبعد سوريا، زعم بيسموت أن إسرائيل ستصل «إلى العراق وكردستان مستقبلاً».
وإذ أصدر جيش الاحتلال تعليماته إلى القوات المنتشرة في سوريا وعلى حدودها بـ«زيادة حالة اليقظة»، بذريعة «تزايد الدعوات السورية إلى التدخل الإسرائيلي»، وفق ما زعم صناع السياسة في تل أبيب، فإنّ الوقائع تشير، في المقابل، إلى أنّ حالة «اليقظة» تلك تأتي تحسباً لهجمات محتملة قد تشنها جماعات أو فصائل مختلفة، «قد تستغل الوضع لإلحاق الضرر بإسرائيل». وفي هذا السياق، نُقل عن مصادر عسكرية قولها إنّ الجيش لا يزال يراقب الأوضاع «عن كثب»، فيما لم تؤثّر التطورات الأخيرة، حتى الآن، على «القوات الإسرائيلية العاملة» في سوريا.
وبالعودة إلى أحداث الساحل، وفي محاولة لفهم ما وصفته وسائل إعلام عبرية بـ«المجازر والتجاوزات والقتل على الهوية، جنباً إلى جنب استهداف المدنيين»، نقلت «القناة 13» عن مصادر قولها إنّ «عدم الاستقرار والمشاهد الوحشية التي خرجت من سوريا في الأيام الأخيرة لم تكن مثيرة للدهشة في إسرائيل»، وإنّ «سقوط نظام الرئيس السوري بشار الأسد بعد سنوات طويلة من الحكم القاسي، إلى جانب المشاهد المروّعة التي خرجت من سجن صيدنايا، أدّت، على ما يبدو، إلى ما شهدناه نهاية الأسبوع الماضي، بما في ذلك عمليات الإعدام الجماعي وإذلال الطائفة العلوية والمسيحيين».
يرى البعض في تل أبيب، «جانباً إيجابياً» في التطورات الأخيرة
وفي خضمّ الاعتقاد الإسرائيلي السائد بأنّ الوضع في سوريا يتجه «إلى الأسوأ»، أردفت القناة نفسها أنّه فيما يتخوف البعض في إسرائيل من «ظهور ميليشيات موالية للأسد قد تسعى إلى الانتقام، ما قد يؤدي إلى زيادة عدم الاستقرار الأمني في البلاد»، فإنّ البعض الآخر يرى جانباً إيجابياً في ما يحصل، انطلاقاً من مبدأ أنّ أي «حرب أهلية سورية جديدة ستشغل الجهاديين عن إسرائيل».
من جهتها، لفتت صحيفة «هآرتس» العبرية إلى أن الأحداث الأخيرة في سوريا تكشف أنّ «البلاد تقف على حافة فوضى عارمة»، بعدما أصبحت «الطائفة العلوية، التي كانت العمود الفقري لنظام الأسد، هدفاً للانتقام، فيما يواجه النظام الجديد بقيادة أحمد الشرع تحديات كبيرة في السيطرة على الميليشيات المسلحة وإعادة الاستقرار إلى البلاد». وحذّرت الصحيفة من أنه «إذا لم يتم التعامل مع هذه التحديات بشكل فعّال، فإن سوريا قد تتجه نحو حرب أهلية جديدة، مشابهة لتلك التي شهدها العراق بعد الإطاحة بصدام حسين».
أمّا صحيفة «معاريف»، فاعتبرت أنّ «التطورات الأخيرة تشير إلى أن الطائفة العلوية تعيش واحدة من أقسى فترات تاريخها الحديث، عقب فقدانها كل أشكال الدعم السياسي والعسكري»، لافتةً إلى أنّ «ما يحدث حالياً من اضطهاد يعيد إلى الأذهان فترة حكم تنظيم (داعش) في السنوات السابقة، والتي تكررت فيها المجازر وعمليات القتل». وفي خضمّ «المخاوف الجدية من تكرار سيناريوات العنف الطائفي في أنحاء سوريا»، حذّرت الصحيفة من أنه «في حال لم يتم التدخل بشكل سريع لاحتواء الوضع، فقد يؤدي ذلك إلى تفكيك سوريا بشكل أكبر، وظهور أعمال انتقامية جديدة، وبالتالي تعميق الفوضى».
على أنّ هذه الفوضى قد لا تؤرق، بالضرورة، صنّاع السياسة في تل أبيب، ولا سيما أنّ إسرائيل ترى أنّ الأحداث الأخيرة قد تصبّ في مصلحة مشروعها الذي باشرت العمل عليه بوضوح، والقائم على تفتيت سوريا وتحويلها إلى دويلات – وإن لصالح اندلاع حرب أهلية شاملة -، تكون هي المسيطرة على إحداها جنوباً. وعلى أي حال، تميل غالبية الآراء المطروحة حالياً على طاولة القرار في تل أبيب إلى تجنّب الإعلان عن أي نية مباشرة للتدخل في سوريا، إلا في ما يتعلق بالساحة الجنوبية، والتي أعلنت إسرائيل نيتها «التدخل فيها إذا لزم الأمر، لمنع أي احتكاك مباشر بين النظام الجديد والطائفة الدرزية»، متخذةً جملة خطوات تهدف إلى تعزيز «استقلالية» تلك المنطقة، قبل استنساخ نموذجها، والذي تفضّله تل أبيب، على امتداد كامل الجغرافيا السورية.
* الأخبار