نتنياهو لا ينسى خصومَه: عودة «الانقلاب القضائي»
متابعات..| تقرير*
يتصرّف بنيامين نتنياهو، كما لو أنه آخر ملوك بني إسرائيل، والذي يريد الهيمنة على كل مؤسّسات الحكم. وإذ نجح، إلى الآن، في التملُّص من مسؤوليته عن هجوم السابع من أكتوبر، فقد طاولت يده الجيش، والمؤسسة الأمنية، فيما يضع القضاء نصب عينيه؛ علماً أنه تمكّن من إقالة وزير الأمن السابق يوآف غالانت، وألحق به رئيس هيئة الأركان هرتسي هاليفي، وسط مساعٍ لتنحية رئيس «الشاباك» رونين بار، وإبعاد رئيس «الموساد» دافيد يرنياع، عن مفاوضات صفقة التبادل مع حركة «حماس». أمّا رئيس الأركان الجديد، إيال زامير، الذي يريد إثبات ولائه لنتنياهو، فيبدو متّجهاً لتنحية الناطق باسم الجيش، دانيال هاغاري، على خلفية ضغوط تمارسها الحكومة وحزب «الليكود»، فضلاً عن محاولاته إعفاء الحريديم من الخدمة في الجيش.
ويرى نتنياهو أن أمامه فرصة للانتهاء من بعض الملفات التي أثقلت عليه منذ تشكيله ائتلافه الحكومي اليميني، ولكنه نحّاها جانباً بعد عملية «طوفان الأقصى»، وأبرزها ملفات الإصلاح القضائي، وتنحية المستشارة القضائية للحكومة، غالي بهراف ميارا. وفي هذا الجانب، باشر وزير القضاء الإسرائيلي، ياريف ليفين، الذي يُعدّ أحد المقرّبين إلى نتنياهو، في عملية إقالة المستشارة، إذ أرسل خطاباً رسمياً إلى سكرتير الحكومة، يوسي فوكس، لإبلاغه بإدراج ملفّ بدء إجراءات عزلها، على جدول الأعمال الحكومي، بالنظر إلى أن «الفجوة الكبيرة» بين بهراف ميارا والحكومة «تجعل من غير الممكن استمرار التعاون القانوني بينها وبين الوزراء». ووفقاً لنص الرسالة التي نشرتها وسائل الإعلام العبرية، «قرّرت الحكومة سحب الثقة من المستشارة القضائية للحكومة، المحامية غالي بهراف ميارا، وذلك بسبب سلوكها غير الملائم، وبسبب وجود خلافات جوهرية ومستمرّة بين الحكومة والمستشارة، ما أدّى إلى وضع يمنع التعاون الفعّال».
وسبق أن شنّ ليفين، الذي كان أحد أكثر المتحمّسين لإقالة المستشارة، هجوماً حاداً على الأخيرة، زاعماً أنها «حوّلت منصب المستشارة القضائية إلى سلطة سياسية استبدادية، تتصرّف بعنف وقمع». وقال إنها «تعمل كذراع تنفيذية لمعارضي الحكومة، ولا تتورّع عن استخدام أيّ وسيلة لإحباط إرادة الناخب». على أن القرار ببدء إجراءات إقالة ميارا، حظي بدعم من وزراء الحكومة وأقطاب اليمين، إذ قال وزير التعليم، يوآف كيش، إن «المستشارة القضائية عرقلت عمل الحكومة منذ اللحظة الأولى لتشكيلها، بطريقة غير موضوعية وبدوافع سياسية خالصة. إنها بمثابة معارضة بكل ما للكلمة من معنى»، بينما رحّب وزير الاتصالات، شلومو كرعي، بالخطوة. كذلك، أشادت وزيرة المواصلات، وعضو الكابينت السياسي والأمني ميري ريغيف، بخطوة ليفين، على اعتبار أن «الوقت قد حان أخيراً لعزل المستشارة المعارضة للحكومة وإنهاء حقبة حكم الموظّفين».
ما حسم قرار حجب الثقة عن المستشارة القانونية، هو موقفها الأخير ضدّ قرار نتنياهو إقالة رئيس «الشاباك»
وأيّد وزير المالية، بتسلئيل سموتريتش، بدوره، قرار ليفين، قائلاً: «تلقّيت أخباراً جيّدة حول اتّخاذ صديقي وزير العدل ليفين، قراراً ببدء عملية استبدال المستشارة القضائية للحكومة»، معتبراً أن «عزلها خطوة صحيحة جداً، ومهمّة جداً، وضرورية جداً». وأضاف: «علينا أن نتعلّم من الرئيس ترامب كيف تعمل الديمقراطية الحقيقية، حيث يخدم الموظفون العموميون سياسات المسؤولين المنتخبين ولا يقوّضونها». أيضاً، أشاد بالخطوة وزير الأمن القومي المستقيل، إيتمار بن غفير.
في المقابل أثار توجّه الحكومة نحو إقالة ميارا، ردود فعل غاضبة من المعارضة الإسرائيلية، معيداً إلى الأذهان الخلافات والسجالات حول سعي نتنياهو للهيمنة على القضاء، إذ هاجم زعيم المعارضة، يائير لبيد، قرار ليفين، معتبراً أن وزير القضاء «قرّر تفكيك المجتمع الإسرائيلي في وقت الحرب»، وأنه «أحد المسؤولين الرئيسيين عن كارثة 7 أكتوبر، الذي لم يتعلّم شيئاً. إنه يضرّ بالدولة، ويقوّض سيادة القانون، ويمسّ بالجهود الحربية». ووصف لبيد عملية إقالة المستشارة القضائية للحكومة، في بيان مقتضب صدر عنه، بأنها «إجرامية وعنيفة وغير دستورية»، مشدّداً على أن المعارضة «ستفعل كل ما يلزم لإفشالها».
وهاجم رئيس حزب «الديمقراطيين» (تحالف العمل وميرتس)، يائير غولان، هذه الخطوة، معتبراً أنها «محاولة اغتيال ممنهجة، ليس فقط للمستشارة القضائية، بل لسيادة القانون بأكملها». وشدّد على أن هذه الخطوة لن تمرّ، وأن «ليفين ونتنياهو سيكتشفان أن هذا الشعب أقوى منهما، وأشدّ إصراراً على القتال»، داعياً إلى احتجاجات واسعة «للدفاع عن المستشارة القضائية والديمقراطية».
من جهتهم، ينظر نتنياهو وأقطاب اليمين إلى ميارا، على أنها عقبة أمام خططهم، ويتّهمونها بعرقلة عمل الحكومة، علماً أنها نشرت رأيها القانوني في شباط 2023، والذي أعربت فيه عن معارضتها لخطّة الإصلاح القضائي التي قدّمها وقتها ليفين، بالاتفاق مع نتنياهو، ووصفتها المعارضة بـ»الانقلاب السلطوي». ومنذ السابع من أكتوبر، وفي ظلّ المطالبات الدائمة بضرورة تشكيل لجنة تحقيق رسمية في إخفاقات السابع من أكتوبر، طالبت ميارا بذلك أيضاً، الأمر الذي أثار غضب نتنياهو وحزبه.
وقالت وسائل إعلام إسرائيلية إنّ ما حسم قرار حجب الثقة عن المستشارة القانونية، هو موقفها الأخير ضدّ قرار نتنياهو إقالة رئيس «الشاباك»، الأمر الذي عُدّ تمرّداً. ويبدو التوجه نحو إقالة ميارا غير مفاجئ، لكن بعض الخبراء يعتبرون أن العملية لن تكون سلسة بل معقدة جداً، كما أنها ليست مضمونة النتائج؛ كونها تتطلّب تشكيل لجنة لبحث الطلب الذي يجب أن يكون مستنداً إلى سبب مقنع. وقالت صحيفة «يديعوت أحرونوت» إن «إسرائيل تواجه واحدة من أشدّ الأزمات الحكومية والقانونية في تاريخها»، معتبرة محاولة إقالة المستشارة القانونية «زلزالاً سياسياً وتاريخياً»، مشيرة إلى أن نتنياهو وليفين على وشك أن يكتشفا أن إقالة ميارا خطوة شبه مستحيلة.