كل ما يجري من حولك

حكومةُ الشرع المؤقتة: المناصب تدوم… والوعود أيضاً

34

متابعات..| تقرير*

بعد مضيّ ثلاثة أشهر على تشكيل الحكومة السورية المؤقتة – والتي يُفترض أن تكون مهامها قد انتهت في الأول من آذار -، لم تتمكّن فيها من تجاوز تحدّي الزمن، سواء لجهة إدارة ملفّات السياسة الداخلية، أو حتى الوفاء بوعودها بتحسين الواقعَين المعيشي والأمني، صار واضحاً أن التحدّيات التي واجهتها لدفع عجلة الاقتصاد، كثيرة. فإلى جانب الفساد الذي ورثته عن النظام السابق في قطاع الأعمال، «لم تستطع الحكومة تجاوز فكرة أنها مؤقتة؛ فأخذت تتعامل مع السلطة على هذا الأساس»، وفقاً لما يقول الاقتصادي محمد حلاق.

ويضيف، في حديث إلى «الأخبار»: «لم تتّخذ الحكومة المؤقتة قرارات إستراتيجية طويلة المدى، إذ تعمل على ركام ما خلّفته الحكومة السابقة من معوقات وفساد. ومع ذلك، قامت بخطوات إيجابية عدّة في المجال الاقتصادي، كتعديل النظام الضريبي وتطوير التعرفة الجمركية، والبدء بفتح باب الاستيراد ضمن معايير محدّدة، وزيادة قوّة الليرة السورية. لكنها، في المقابل، حبست السيولة النقدية نتيجة القرارات الخطأ الصادرة عن المصرف المركزي، ما أثّر على قطاع الأعمال، بفعل الخلل في إتمام عمليات البيع والشراء وتداول السلع».

ويرى حلاق أن جميع مسارات الدولة السياسية والعسكرية والاجتماعية والتعليمية «يُفترض أن تأخذ في الحسبان قوّة ومتانة المسار الاقتصادي، لأن قوّة الدولة من قوة اقتصادها»، مبيّناً أن «هناك خطوة مهمّة أغفلتها الحكومة في التعامل مع القطاع الاقتصادي، وهي التواصل مع غرف التجارة في المحافظات، وتشكيل اللجان في القطاعات المختلفة من أجل تنشيط الحياة الاقتصادية».

وبعد ثلاثة أشهر من الفراغ الدستوري، تم الإعلان، أخيراً، عن تكليف لجنة لصياغة مسوّدة الإعلان الدستوري، في موازاة إهمال واضح لمسألة البتّ بالقضايا القانونية الأساسية. ويرى المحامي إبراهيم اليوسف أنه لا يمكن فصل الملفّ القانوني عن التداخلات السياسية بعد الزلزال السياسي الذي عصف بالبلاد، وبالتالي «يصعب تقييم العمل القانوني في ظلّ التكتّم الإعلامي وغموض المشروع السياسي للسلطة الجديدة، وعدم القدرة على تحديد تطلّعاتها وتوجّهاتها ومسارها».

ويقول، لـ«الأخبار»: «في حال جرّدنا العمل القانوني من التدخلات السياسية، يمكن القول إن الحكومة المؤقتة قصّرت في بعض القضايا الواجب تحقيقها من جهة، وتجاوزت مفهوم تسيير الأعمال في اختصاصاتها ومهمّاتها الأساسية من جهة أخرى»، مشيراً إلى أن أهمّ القضايا التي أهملتها، «تشكيل مجلس قضائي ثوري أو محكمة عليا، لمتابعة ملفّ العدالة الانتقالية والملاحقات والتحقيقات والمحاكمات، وملف أموال الفساد داخل البلاد وخارجها، والإشراف على الملف القانوني والعمل القضائي».

ويتابع: «كان لإهمال دور القضاء في هذه المرحلة أثر سلبي جداً في ما يخصّ استعادة أموال الفساد… وكان من المفترض التوافق على تشكيل مجلس تشريعي، للمصادقة على قرارات الحكومة وإصدار القرارات الخاصة بالمصرف المركزي ومجلس النقد وإقرار موازنة عمل الرئاسة والحكومة والجيش والقوى الأمنية والمشروعات الضرورية».

حلّت الحكومة المؤقتة الأحزاب السياسية ولكنها أبقت على قانون تنظيم الأحزاب الذي يقيّد تشكُّلها وعملها

ومن جانب آخر، يرى اليوسف أن قرار حلّ الأحزاب السياسية «يعتبر تجاوزاً لعمل حكومة تسيير الأعمال، وكان له أثر سلبي، وخاصة مع الإبقاء على قانون تنظيم الأحزاب الذي سنّه النظام السابق، والذي يقيّد تشكُّل الأحزاب وعملها، كما إن فرض رسوم على الأجانب القادمين إلى البلاد، ورسوم الترانزيت، يُعدّ إجراءً خارج اختصاص الحكومة المؤقتة». ويضيف: «يمكن القول إن كل إجراءات الحكومة المؤقتة محدودة الأثر، وقد يكون لها مبرراتها ويمكن تداركها على المستوى الوطني باستثناء إهمال ملف ملاحقة أموال الفساد، وإهمال تفعيل الوسائل القانونية السليمة لضبط موارد البلاد، فهذه تعدُّ أخطاء كبيرة، ويجب الإسراع في تشكيل الأجهزة الرقابية الفعّالة القادرة على مراقبة المال العام وضبطه ووقف نزيفه».

وفي المقابل، نجحت الحكومة السورية المؤقتة في سياستها الخارجية، ولكنها لم تحقّق المطالب الأساسية للشعب الذي كان ينتظر منها تنفيذ الوعود التي أطلقتها لدى تسلّمها مهمّاتها، من رفع الرواتب، وتحسين ساعات التغذية (الكهرباء)، وتحقيق الأمن والأمان. وتوضح الناشطة ميار مهنا، في هذا الإطار، أنها لا تستطيع تقييم عمل الحكومة المؤقتة بشكل عام، بسبب التفاوت بين قراراتها وتصريحاتها: بين ما يشير إلى بوادر حسنة، وما يثير القلق بسبب سوء التقدير وارتكاب الأخطاء. وتقول، لـ«الأخبار»: «لم تُوفّق الحكومة في التعامل مع الجانب المعيشي للسوريين، عبر إجراءات اتّخذتها وزادت الوضع سوءاً، كالإقالات التعسفية والعشوائية، في ظلّ عدم وجود أفق اقتصادي واضح، إضافة إلى التلميح إلى التوجه نحو خصخصة المؤسسات الحكومية».

وتعتقد أن الحكومة المؤقتة ما تزال في مرحلة «محاولة السيطرة على الفوضى والجرائم التي كثرت في المدة الأخيرة، وضبط انتشار الفصائل المتنوعة المشارب والثقافات والأيديولوجيات، والسيطرة على الخطاب الطائفي»، مشيرةً إلى وجود مواقف لم تتّخذ فيها السلطة خطوات حاسمة، من مثل الانتهاكات الإسرائيلية. وترى الناشطة أن أولوية الحكومة في المرحلة الحالية، يجب أن تكون «فهم خصوصية المجتمع السوري لتنحية الخلافات والأحقاد الطائفية، ووجود متابعة جادة للوضع الاقتصادي والمعيشي».

* الأخبار
You might also like