تركيا لا تكشف خطواتها: «الحل الكردي» أسير الغموض
متابعات..| تقرير*
استبعد عبد القادر سيلفي (الكاتب المقرّب من الرئيس رجب طيب إردوغان)، في صحيفة «يني شفق»، إطلاق سراح أوجالان لقيادة عملية الحلّ (أ ف ب)
لا يزال الغموض يلفّ مسار حلّ المشكلة الكردية في تركيا، عقب النداء الذي وجّهه زعيم «حزب العمال الكردستاني»، عبد الله أوجالان، لحلّ الحزب وإلقائه السلاح. وما يزيد من ذلك الغموض، امتناع السلطة عن الخوض في أيّ نقاشات حول ملامح الحلّ المفترض، فضلاً عن المواقف المتناقضة في الأوساط الكردية مما جرى ويجري. ولعلّ أبرز تلك المواقف، ما قاله أخيراً القيادي في «الكردستاني»، مصطفى قره صو، من أن الحزب «لن يتبخّر»، إذ إنه «ليس مجرّد حزب، بل شعب، وسيبني بصورة سلميّة كل المؤسّسات الضرورية»، كما إنه «لن يعطي السلطة التركية أيّ ذريعة لعدم التقدُّم في عملية حلّ المسألة الكردية». وأكد القيادي «(أنّنا) سنطبّق إجراءات ترك السلاح وحلّ الحزب بالكامل، من أجل التحوّل الديموقراطي. وستكون معركتنا أكثر قوّة وتأثيراً». لكنه شدّد في المقابل على أنه سيكون «على الدولة أن توقف إطلاق النار، وإلّا فإنها تقول إنها لا تريد الحلّ».
ورغم مطالبة الأكراد بإطلاق سراح أوجالان لقيادة عملية الحلّ، استبعد عبد القادر سيلفي (الكاتب المقرّب من الرئيس رجب طيب إردوغان)، في صحيفة «يني شفق»، أن يحصل ذلك، متوقعاً أن يعقد «الكردستاني» مؤتمره لحلّ نفسه في نيسان المقبل. ووفقاً لآخر استطلاع للرأي حول مسار الحلّ، ذكر مركز «آريدا يورفاي» أن 58% من الأتراك اعتبروا نداء أوجالان إيجابيّاً، في مقابل 48% قالوا إن «الكردستاني» لن يلقي سلاحه، و15% فقط رأوا أنه سيتخلّى عن العمل المسلّح، فيما دعا 70% إلى مواصلة الجيش التركي عملياته في سوريا والعراق.
ومن جهة الكتاب والناشطين الأكراد، رأى الكاتب جمعة تشيتشيك أن «الرأي العام يلفّه شعور بعدم الوضوح إزاء ما يجري، ولكنه يعتقد أن الدولة لديها خريطة طريق محدّدة جدّاً، وكذلك الأمر بالنسبة إلى أوجالان، وهما يتفاوضان عليهما». واعتبر «عدم توضيح ما يجري مقصوداً، وذلك من أجل منْع تعثّر العملية»، لافتاً إلى أن «عملية الحلّ الآن ليست جديدة، وقد سبقتها محاولة في غاية الجدّية مع اتفاق دولماباهتشه في 28 شباط 2015. واتُّفق، في حينه، على أن يوجه زعيم الكردستاني دعوةً إلى ترك السلاح في ربيع العام نفسه. لكن العملية ماتت قبل أن يوجّه أوجالان الدعوة». ووفقاً لتشيتشيك، فإن «العملية الحالية لا تهدف إلى العمل مباشرةً على الحلّ، بل إلى تشكيل أرضية تمهيداً له»، إذ «يُراد الانتقال من مرحلة أساسها العنف، إلى مرحلة أساسها السياسة والقانون».
اعتبر 58% من الأتراك نداء أوجالان إيجابيّاً، في مقابل 48% قالوا إن «الكردستاني» لن يلقي سلاحه
ومع هذا، «لا يبدو أن الدولة مستعدّة لاتّخاذ مواقف معيّنة قبل حسْم مسألة نزع السلاح. وهي لا تريد أن تخلق حماسة شعبية واسعة قبل اتضاح الأمور. كما إنها غير متعجّلة لاتّخاذ خطوات كبيرة، ولكنها قد تبادر إلى خطوات رمزية، من مثل إعادة أحمد تورك إلى منصبه كرئيس لبلدية ماردين، بعدما أقالته منها، أو إطلاق سراح معتقلين مرضى، أو غيرها من الخطوات التي لها علاقة باللغة الكردية». وأعرب عن اعتقاده بأنه «لكي تنجح عملية نزع السلاح، يجب أن تعقبها إصلاحات ديموقراطية وقانونية تضاعف الثقة لدى الرأي العام. وحتى الآن، تسير الأمور بصورة مقبولة، وعلى الجميع بذل كل الجهود اللازمة لإنجاح العملية».
واعتبرت الناشطة الحقوقية الكردية، توركان أصلان آغاتش، من جانبها، أنه «لا يمكن ترك عملية الحلّ تحت رحمة الدولة، بل يجب اتّخاذ خطوات متعدّدة، من بينها إنشاء لغة سياسية جديدة بعيدة من لغة الاستقواء والاستبعاد، تعزّز الحوار بين مكونات المجتمع، وأيضاً إطلاق سراح أوجالان الذي عليه أن يقود عملية الحلّ». ورأت أيضاً أن هناك ضرورة لـ«إعداد دستور جديد ديموقراطي بمشاركة الشعب، يضمن المساواة بين المواطنين وحماية الهويات والفوارق المعتقدية والثقافية».
وفي صحيفة «يني أوزغور بوليتيكا»، أبدت غولجان ديريلي، بدورها، تفاؤلها بمسار التطوّرات، بعدما «طويت ستارة عمرها 50 عاماً، بل حتى 100 عام، وفتحت ستارة جديدة. وما لم تتعرّض العملية لضربة، فإننا سنستيقظ على بلد وشرق أوسط جديدَين»، في حين اعتبر فائق أوزغور إرول، المحامي الذي رافق وفد «حزب المساواة والديموقراطية للشعوب» للقاء أوجالان في الـ27 من شباط الماضي، أنه «لكي تنجح عملية الحلّ، يجب إطلاق سراح أوجالان، ومن بعده نرى ما الذي ستكون عليه الخطوات المقبلة».
وتوقف رمزي كارتال، أحد رموز الحركة الكردية في تركيا ورئيس منظمة «كونغرا غيل»، من جهته، عند نداء أوجالان، قائلاً إن «النداء ليس النهاية، بل بداية جديدة، وهو يحمّل كل الأطراف مسؤوليتها»، داعياً الدولة التركية إلى أن تحدّد، خلال الأسابيع المقبلة، موقفاً واضحاً من عملية الحل، إذ إن «استمرار الهجمات المسلّحة للدولة، يخالف روح هذه العملية»، مذكراً أيضاً بأن «المنطقة كلّها تمرّ بمرحلة دقيقة جداً يعاد فيها تشكيل الدول من جديد. وتركيا ليست خارج هذه المخاطر. عملية الحلّ المقترحة من قبل أوجالان تشكّل فرصة كبيرة لتركيا وكل شعوبها، وفي حال العكس، فإن تركيا ستكون أمام مخاطر التقسيم».