كل ما يجري من حولك

توحيد «فتح» أولوية المرحلة: عبّاس يصالح خصومَه القدامى

35

متابعات..| تقرير*

استجاب رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، للضغوط العربية، لجهة إجراء «إصلاحات» سياسية وإدارية في هيكلية السلطة، معلناً، خلال قمّة القاهرة أولَ أمس، إصدار عفو عام عن جميع المفصولين من حركة «فتح»، وفي مقدّمهم عضوا اللجنة المركزية محمد دحلان وناصر القدوة، وكذلك استحداث مناصب جديدة في قيادة السلطة، من بينها «نائب رئيس دولة فلسطين»، ونائب رئيس «منظمة التحرير».

وبعد سنوات من رفض عباس كل مساعي المصالحة «الفتحاوية»، يظهر أن تغيّر الظروف اضطرّه إلى تليين موقفه. ومن شأن تراجع رئيس السلطة عن موقفه السابق، أن يبطل الأسباب التي تمترس خلفها، ومنها استقلالية القرار الفلسطيني، والقرارات الحركية، وقائمة طويلة أخرى. لكنّ الأهمّ من كل ذلك، أنه يهدف إلى ضمان دور السلطة في المستقبل، عبر الاستجابة لرغبة الدول العربية في المصالحة داخل «فتح». وحرص عباس على إظهار تلك الاستجابة خلال القمّة، من خلال تأكيده إعادة هيكلة الأطر القيادية للدولة، وضخّ دماء جديدة في المنظمة و»فتح» والأجهزة الأخرى، وعقد المجلس المركزي الفلسطيني خلال الفترة القريبة المقبلة.

كذلك، أكّد عباس الجاهزية لإجراء انتخابات عامة، رئاسية وتشريعية في غزة والضفة والقدس الشرقية، خلال العام المقبل، في حال توفَّرت الظروف الملائمة لها، وصولاً إلى إبدائه استعداد «دولة فلسطين لتولّي مهامّها في قطاع غزة، ومواصلة العمل على تنفيذ برنامج الإصلاح والتطوير الحكومي، ومضاعفة الجهود لتعزيز الوحدة الوطنية الفلسطينية».

وهكذا، غادر عباس تردُّده ورفضه لقائمة المطالب «الإصلاحية»، ومنها المصالحة الداخلية مع شخصيات تحدّته شخصياً، وتراشقت معه الاتهامات، من مثل ناصر القدوة ومحمد دحلان، علماً أنهما كانا من أعمدة النظام السياسي والأمني للسلطة، وأيضاً تعيين نائب له، وهو ما كان يعتبره بمثابة خطوة أولى نحو تهميشه وسحب الصلاحيات والسلطات منه. ويبدو أن رئيس السلطة اضطرّ إلى تلك الخطوات لأسباب كثيرة، على رأسها أن الدول العربية التي تريد استقراراً لوضع رام الله ونظامها، ترى أن عباس وصل إلى سنّ متقدّمة، ما يستدعي وجود نائب له لضمان انتقال سلس.

كما أن الدعم المقدّم للسلطة، وذلك الذي يمكن أن تحصل عليه مستقبلاً، خاصة في حال عودتها إلى غزة، يتّصل بتلبية تلك الشروط. ويدرك العرب، كما عباس، أن فصل العشرات من كوادر حركة «فتح» المحسوبين على دحلان، المحسوب بدوره على الإمارات والذي تربطه علاقات جيدة مع مصر، أسّس لقاعدة جماهيرية في غزة من أبناء حركة «فتح» التي باتت مقسومة إلى قسمين، وهو خلل سيتبدّى في حال عودة السلطة إلى القطاع، ما يستوجب، من أجل تجاوزه، عودة كوادر التيار «الدحلاني» إلى الحركة.

غادر عباس تردُّده ورفضه لقائمة المطالب الإصلاحية، ومنها المصالحة الداخلية مع شخصيات تحدّته شخصياً

وجاءت قرارات عباس متماهية مع طرح مصر لخطّتها في شأن قطاع غزة، والهادفة بالدرجة الأولى إلى نزع السلطة السياسية من «حماس»، وتهيئة رام الله لتسلّم القطاع تحت إشراف عربي – دولي على إعادة الإعمار، وهو ما يتطلّب إجراء مصالحة «فتحاوية»، حتى تضمن السلطة قاعدة جماهيرية موحّدة لصالحها. والجدير ذكره هنا أن حجم الخلاف بين عباس ودحلان وصل إلى نقطة أجمع كثر على استحالة العودة عنها، نظراً إلى ما تخلّله من تجاذبات واتهامات متبادلة غير مسبوقة وصلت، في عام 2014، إلى تلميح عباس إلى تورط دحلان في اغتيال الراحل ياسر عرفات.

وتُطرح العديد من الأسئلة حول الكيفية التي ستُنفّذ بها قرارات عباس، ومنها تعيين شخص واحد لمنصبَي نائب رئيس فلسطين، ونائب رئيس المنظمة. ويمكن في هذه الحالة، اختيار شخصية من المحسوبين عليه، بحيث يضعه على بداية الطريق لرئاسة السلطة، مثل حسين الشيخ، أو يبقي على شخصية مثل روحي فتوح تأكيداً منه على المرسوم الرئاسي السابق الذي قضى بأن يحلّ هذا الأخير محلّ الرئيس في حالات الضرورة لمدّة 90 يوماً تُجرى فيها انتخابات؛ وإذا تعذّر الأمر، يتمّ التمديد لمرّة واحدة فقط. والسيناريو الآخر هو تعيين شخصيتين للمنصبين، إحداهما من قطاع غزة. وعلى أي حال، تزدحم قائمة المتنافسين، لكن أبرزهم يبقى محمود العالول، وحسين الشيخ، ومروان البرغوثي، ومحمد اشتية، وطبعاً محمد دحلان وناصر القدوة.

وعلى رغم حظوظ حسين الشيخ المرتفعة وقربه من عباس، فإن حصوله على المنصب ليس أكيداً، وذلك نظراً إلى الواقع السياسي الذي تواجهه السلطة. ولذا، قد يكون دحلان الأنسب لهذا الموقع، أخذاً في الاعتبار أن المطالب الغربية والعربية تتضمّن ضرورة تغيير القيادة الحالية، وتسلّم قيادة جديدة تكون قادرة على استجلاب الدعم المالي العربي وتحديداً من دول مثل الإمارات.

لكنّ السيناريوات الأخرى تبقى حاضرة، وأهمّها أن عباس ربّما أدرك أنه أصبح في قلب عاصفة سياسية تستوجب منه الانحناء أمامها، للمحافظة على وجوده السياسي. كما قد يكون قادة السلطة استشعروا بأن وجود سلطتهم مهدَّد بالتلاشي، في ظلّ المخطّطات الإسرائيلية الرامية إلى إنهائها. لذلك، يرون في العودة إلى «منظمة التحرير» وتفعيلها، طوق نجاة لهم للبقاء سياسياً.

* الأخبار
You might also like