كل ما يجري من حولك

إسرائيل في غزة: عودة تدريجية إلى الحرب

33

متابعات..| تقرير*

هل أغلق رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، الباب أمام أيّ جهود جدّية للتوصّل إلى تسوية في غزة، مفضّلاً التوجّه نحو التصعيد العسكري لتحقيق الأهداف المرسومة للحرب؟

تشير التصريحات الواردة على لسانه وألسنة كبار وزرائه والمقرّبين منه، بوضوح، إلى أرجحية ذلك المسار، حيث يبدو أن «استكمال المهمّة»، وتحقيق «نصر شامل»، يتصدّران أولويات تل أبيب. ومع هذا، ثمّة علامات استفهام حول قدرة نتنياهو، وربّما إرادته أيضاً، في الاستمرار في الطريق المشار إليه، ولا سيما أن القرار النهائي ليس في يد إسرائيل وحدها، بل في يد الإدارة الأميركية التي ترسم حدود تحرُّك تل أبيب، وتقرّر ما يمكن وما لا يمكن فعله.

ومنذ بداية الحرب، لم تُظهر إسرائيل أيّ تخطيط مسبق يتعلّق باليوم الذي يلي القتال في غزة؛ إذ لا تزال تعمل بشكل تكتيكي، مع التركيز على تحقيق مكاسب آنية، في ظل غياب استراتيجية طويلة الأمد تترجم مكاسبها إلى أوراق ضغط سياسية مستدامة. لكنّ هدفها الابتدائي بقي ثابتاً: سحق «حماس» وإنهاء حكمها في القطاع، ومنع أيّ فرصة لتعافيها مستقبلاً. وهكذا، إذا شعرت إسرائيل بأنها غير قادرة على تحقيق ذلك الهدف الكبير، سواء بسبب تعذُّر بلوغه عسكرياً أو لتجنُّب بدائل لا تريدها أو نتيجة ضغوط خارجية، فإنها تعمل على احتواء الصعوبات مرحلياً، مع السعي إلى تجنّب إنهاء الحرب بشكل كامل، لتترك لنفسها مجالاً للحفاظ على الخيار العسكري كأداة ضغط دائمة، حتى وإنْ لم تباشر في القتال.

وضمن إطار تلك الأهداف التي تبدو بعيدة المنال، وعلى رأسها سحق «حماس»، امتنعت إسرائيل عن الدخول في مفاوضات المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار، علماً أن هذه المرحلة نفسها ليست سوى جزء من حلّ مؤقت، هدفَ، في حين التوقيع عليه، إلى ترحيل كل التزامات إسرائيل الإستراتيجية إلى مرحلة لاحقة، كان الاحتلال يخطّط لإسقاطها عند استحقاقها الفعلي، وهو ما نجح فيه.

انتهاء مهلة الضغط الممنوحة للوسطاء العرب لدفع «حماس» إلى تغيير مواقفها، لا يعني بالضرورة أن الحرب ستعود فوراً

على أن الأمور تقف الآن عند مفترق طرق مشابه لما كانت عليه عشية الإعلان عن وقف إطلاق النار بمرحلتَيه، حيث يبدو موقف تل أبيب وواشنطن واضحاً: إذا لم يكن هناك استعداد لدى «حماس» لتقديم تنازلات، خصوصاً ما يتعلّق باستمرار سيطرتها على غزة، فسيتمّ اللجوء إلى تسوية مشابهة لما تم التوصّل إليه قبل 50 يوماً؛ أي ترحيل الالتزامات الاستراتيجية الإسرائيلية مجدّداً وعدم الاتفاق على إطارها، في مقابل تمديد وقف إطلاق النار ومنْح مكاسب تكتيكية للفلسطينيين، من مِثل تخفيف الجوع الذي بدأ ينتشر بالفعل. أمّا الخيار الثاني المطروح أمام «حماس»، في حال رفضها تلك الخطة، فهو استئناف الحرب والحصار والتجويع، والعودة إلى القتل وتهجير سكان شمال القطاع وإعادتهم إلى الجنوب.

وتشير الأنباء الواردة من تل أبيب إلى أن الأخيرة أعطت الوسيطَين المصري والقطري فترة أسبوعين للضغط على «حماس»، كي تستجيب الحركة للشروط الإسرائيلية، وإن نسبياً، تحت طائلة العودة إلى الحرب. على أنه في حال انتهت تلك المهلة من دون بلوغ النتائج المرجوّة، فلا يعني ذلك بالضرورة أن الحرب ستعود فوراً وأشدّ ممّا كانت عليه، وفق ما تهدّد به تل أبيب، إذ على الرغم من أن ورقة الأسرى لم تَعُد ضاغطة على القرارات الإسرائيلية، إلا أنها لا تزال ذات فعالية معتبرة، خصوصاً أن صاحب القرار في تل أبيب معنيّ باستعادة هؤلاء مقابل أثمان مقبولة، ومن دون التنازل عن الأهداف الاستراتيجية للحرب، علماً أن الأسرى لا يشكّلون الآن ثقلاً كبيراً يمكن الرهان عليه ليكون مقابلاً لانسحاب إسرائيل من القطاع، أو إنهاء خياراتها العسكرية فيه.

وعليه، قد تلجأ إسرائيل إلى العودة التدريجية إلى خيار الحرب، من طريق تدفيع الفلسطينيين الثمن في حياتهم وما تبقّى من أملاكهم وأرزاقهم، وحشرهم أكثر في الزاوية، وتجويعهم وقتلهم بالنار والحصار، حتى تقرّر «حماس» التنازل، هذه المرّة بالكامل، عن الأسرى وعن ثوابتها. أما من جهة «حماس»، فيبدو الوضع معقّداً جداً؛ فإذا ما قبلت الحركة بخطّة ويتكوف، أي التخلّي عملياً عن ورقة الأسرى، فتكون قد منحت إسرائيل خيارات أوسع وأكثر حدّة – بلا أيّ روافع ضغط أو كوابح مقابلة -، من شأنها أن تتسبّب بوضع أسوأ من ذلك القائم اليوم، وهو ما يبدو أن الحركة متنبّهة إليه، على أي حال.

بالنتيجة، ثمة مساعٍ لترحيل الأزمة إلى أسابيع لاحقة، كما حدث قبل خمسين يوماً مع اتفاق وقف إطلاق النار السابق، على أن يجري تقرير ما يلي، وفقاً لاستراتيجية إسرائيل الآنية، وبموجب الظروف والعوامل اللاحقة والمتغيّرات، وفي الأساس، وفقاً لموقف الولايات المتحدة وحدود ما تسمح به.

* الأخبار
You might also like