كل ما يجري من حولك

جنين وطولكرم تنزفان: العدوان يشلّ الحياة ويعطّل الاقتصاد 

22

متابعات..|

ترزح مدينة جنين ومخيمها، لليوم الـ42 على التوالي تحت العدوان الإسرائيلي، والذي تتسع تداعياته يوماً بعد آخر لتطال مجالات عدة، خاصة مع بدء شهر رمضان، حيث الدوائر الرسمية بالكاد تعمل وتقدم خدماتها للمواطنين، والعملية التعليمية ليست بأفضل حال ولا تسير كالمعتاد، وكذلك الأمر بالنسبة إلى الحياة الاقتصادية التي لحقت بها خسائر لم تستطع الجهات الرسمية حصرها حتى الآن. وعلى عكس السنوات الماضية، والتي ظلّت فيها جنين محجةً لعشرات الآلاف من المتسوقين يومياً، سواء من القرى والبلدات المحيطة، أو حتى من فلسطينيي الداخل المحتل والذين يقصدونها للتسوق لا سيما في مواسم الصوم والأعياد، تبدو جنين اليوم منكوبة، وأقرب إلى مدينة أشباح خالية من الزوار، بينما نسبة كبيرة من محالها التجارية مغلقة.

وألحق العدوان الإسرائيلي على جنين دماراً كبيراً بقطاعاتها التجارية والخدماتية كافة، مكبداً اقتصاد المدينة خسائر لا تتوقف عن التضخم، سواء لجهة تدمير البنية التحتية والمحال التجارية، أو لجهة تدني مستوى القدرة الشرائية، وبالتالي حدوث كساد كبير في حركة البيع والشراء. ويشكو التجار وأصحاب المحال والبسطات في جنين من هذا الوضع الاقتصادي المتدهور، والذي أثر على قدراتهم على الإيفاء بالتزاماتهم المعيشية والاقتصادية، خصوصاً في ظلّ تجريف الأسواق والشوارع، وصعوبة نقل البضائع وتوزيعها أو حتى تنقل المتسوقين وأصحاب المصالح، وفرض منع التجوال في بعض أحياء المدينة لمُدد محددة، ما جعل زيارتها محفوفة بالمخاطر بالنسبة إلى أهالي القرى والبلدات المحيطة. وتضاف إلى ذلك، الضائقة المالية التي يعانيها سكان جنين، والذين هم بمعظمهم إما عمال في الداخل المحتل باتوا منذ 16 شهراً (أي منذ السابع من أكتوبر) عاطلين من العمل ولا يملكون دخلاً مالياً، وإما موظفين في السلطة الفلسطينية يتلقون رواتب منقوصة بين مدة وأخرى.

والواقع أن جنين ترزح تحت ضغوط اقتصادية صعبة منذ نحو ثلاثة أعوام، حيث استخدمت إسرائيل سياسة التدمير والعقاب الجماعي ضد المدينة، لمواجهة حالة المقاومة فيها، والتي جدّدت الاشتباك مع الاحتلال، وشكلت نموذجاً ملهماً للضفة الغربية. لكن ذروة الخسائر الاقتصادية كانت في الأشهر الثلاثة الأخيرة؛ إذ إن العدوان الإسرائيلي المستمر على شمال الضفة، والذي لا تلوح في الأفق أي بوادر لنهايته، سبقته عملية عسكرية واسعة للسلطة الفلسطينية استمرت قرابة 60 يوماً، وفرضت ظروفاً صعبة في المدينة والمخيم أثرت بشكل مباشر وقاس على حركة الشراء والبيع والتسوق.

وبحسب اللجنة الإعلامية لمخيم جنين، فإن العدوان على المدينة أدى إلى استشهاد 27 فلسطينياً، إلى جانب اقتحام محيط المدينة بدبابات إسرائيلية وذلك لأول مرة منذ عام 2002، ما تسبب في نزوح أكثر من 20 ألف فلسطيني من المخيم (قرابة 90 بالمئة من سكانه). كما أدى العدوان إلى انقطاع المياه والكهرباء، وحصول نقص حاد في الطعام والاحتياجات الأساسية، إضافة إلى توقف المدارس والخدمات الصحية، وتدمير نحو 498 منزلاً ومنشأة بشكل كامل أو جزئي.

ولا يبدو الوضع الاقتصادي في مدينة طولكرم مغايراً، خصوصاً أن الحركة الاقتصادية هنا أيضاً تعتمد على التسوق وحركة البيع والشراء. ولذا، إن الدمار الذي لحق بالبنية التحتية، أثر مباشرة على النشاط الاقتصادي، وتسبب في خسائر مالية كبيرة من جراء إغلاق المحال لمُدد طويلة. كما ترك العدوان آثاره على المصانع والورش التجارية في المدينتين، بعدما استهدفت قوات الاحتلال منشآت اقتصادية حيوية تقدَّر بملايين الدولارات، وتسببت في إغلاق مصانع ومناطق صناعية عدة بسبب الأوضاع الأمنية غير المستقرة، ما أدى بدوره إلى تسريح عدد كبير من العمال وزيادة معدلات البطالة. كذلك، بات واضحاً تراجع القدرة الشرائية لدى السكان بسبب فقدان الوظائف وتدهور مصادر الدخل، الأمر الذي خلّف ركوداً اقتصادياً ملحوظاً، في حين سُجل نزوح عدد من المستثمرين من جنين وطولكرم، وهو ما رفع من منسوب البطالة أيضاً.

وليست ثمة إحصائيات دقيقة في شأن الخسائر الاقتصادية في طولكرم؛ لكن حتى مطلع شباط، سُجّل تدمير أكثر من 250 محلاً تجارياً في مخيمي طولكرم ونور شمس، فيما أغلقت 22% من المنشآت التجارية والصناعية في المدينة أبوابها بشكل نهائي بسبب الاجتياحات والأوضاع الاقتصادية المتردية. أما المطاعم والأماكن السياحية، فهي تعمل بقدرة 50% فقط، حيث يتم تدوير العمل بنظام المناوبات لتقليل الخسائر، علماً أن هذه الأرقام صدرت عندما لم يكن جيش الاحتلال قد شرع في عدوانه على مخيم نور شمس، وهو ما يعني أنها ارتفعت حالياً حتماً.

ويقول رئيس الغرفة التجارية في مدينة جنين، عمار أبو بكر، لـ«الأخبار»، إن «التبادل التجاري في المدينة قبل السابع من أكتوبر، كان يُقدر بعشرة ملايين شيكل يومياً (2.7 مليون دولار)، وأحياناً أَضعافها، حيث كانت تدخل إلى المدينة أكثر من 3 آلاف سيارة للتسوق، ما يعني بشكل بسيط أن خسائر الحركة الشرائية والتسوق تناهز 410 ملايين شيكل (115 مليون دولار) خلال العدوان الإسرائيلي الأخير، وهذه خسائر مبيعات فقط، إضافة إلى الخسائر الأخرى في البنية التحتية والمرافق».

ويلفت أبو بكر إلى أن «عمال المحافظة في الداخل المحتل كانوا يُدخلون يومياً ما قدره 10 ملايين شيكل، في حين أن الخسائر الاقتصادية على أرض الواقع أضعاف ذلك»، مضيفاً أن «الحركة التجارية في المدينة محصورة ومحدودة وتقتصر على الطعام والشراب فقط». ويشير أيضاً إلى أن «قطاعات عدة في المدينة دُمرت، ومنها قطاع الألبسة الكبير وقطاع الأحذية، وقطاع السياحة بمجمله من مطاعم وفنادق دُمرت بشكل كامل، كما إن العشرات من المواطنين لم يستوردوا أي بضائع جديدة من الخارج». يُذكر أن بلدية جنين كانت قد أعلنت أن المدينة تكبّدت خسائر، حتى كانون الثاني/ يناير الماضي، بقيمة مليارَي دولار في البنى التحتية والمباني والمتاجر.

* الأخبار
You might also like