كل ما يجري من حولك

التهويلُ طريقاً إلى الإخضاع.. واشنطن – تل أبيب: غزة نحو هدنة ممدَّدة

18

متابعات..| تقرير*

يمكن التقدير، وإنْ بحذر، أن الموجة الأخيرة من التهديدات الإسرائيلية بالعودة إلى الحرب، في حال عدم استسلام حركة «حماس»، جزء من حملة ضغط مكثّفة ومدروسة، ومنسّقة بالكامل مع الولايات المتحدة، بهدف انتزاع أكبر قدْر من التنازلات من جانب الحركة، قبل الدخول في أيّ مفاوضات فعلية معها. ويبدو أن إسرائيل تعمل، في هذا الإطار، على ضمان تحقيق بعض المكاسب التي كانت خسرتها بفعل اتفاق وقف إطلاق النار. على أن مصير هذه التهديدات يبقى رهن قرارات «حماس» وخياراتها، كونها هي مَن سيحدّد وجهة الأمور، سواء عبر الرضوخ لحملة الضغوط، أو إفشالها وإعادة إسرائيل إلى المربع الأول، علماً أن في الشدّ والجذب الجاريين حالياً مجازفة من قبل تل أبيب بالعودة إلى استئناف الحرب، وهو ما لا يبدو مضمون النتائج بالنسبة إليها.

مجرد تهديد؟

ثمة انقسامات داخل إسرائيل حول جدوى العودة إلى الحرب، خاصة في ظلّ الضغوط السياسية الداخلية والتحدّيات المرتبطة بتبعات أيّ تصعيد جديد. كما إن الجانب الأميركي قد لا يكون مستعدّاً للمضيّ قدماً في دعم بنيامين نتنياهو حتى النهاية، إذا ما قرّر الأخير استئناف القتال، وتجاوز التهويل به. أمّا دونالد ترامب، الذي يسعى إلى تحقيق أجندته الإقليمية الطموحة، فربّما يكون قد أعطى إسرائيل هامش مناورة محدوداً للضغط على «حماس» عبر التلويح بالخيارات العسكرية، فيما ليس مرجّحاً أن يدعم خطوة من شأنها أن تعطّل جهوده الرامية إلى إبرام «صفقة كبرى» في المنطقة، من مثل التطبيع بين إسرائيل والسعودية.

وعليه، يبدو أن إسرائيل تحاول استخدام التهديد بالحرب كأداة ضغط سياسي، رغم أن «حماس» ليست في موقف يسهل عليها فيه تقديم تنازلات تؤدّي إلى استسلامها الفعلي. وبالتالي، فإن القرارات اللاحقة ستكون محكومة بمدى قدرة الطرفين على إدارة هذا التجاذب، مع الأخذ في الحسبان أن أيّ خطوة خطأ من أحدهما أو فهم خطأ لموقف الآخر وقدرته على المناورة حتى النهاية، قد يعيد الجانبين إلى ساحة القتال، وهو ما يشكل التحدّي الأكبر بالنسبة إليهما.

ومع ذلك، ثمة بالفعل ضغوط من داخل ائتلاف نتنياهو لدفعه إلى العودة إلى الحرب. وهي ضغوط لا تعبر عن مجرّد رأي آخر، بل عن اتّجاه مؤثّر جدّاً على الحكومة، خاصة أن الدعوة إلى استئناف القتال، تتساوق مع تهديد بإسقاط الحكومة في حال لم تستجب لتلك الدعوة. والجدير ذكره، هنا، أن هذا المطلب، وإنْ كان مبنيّاً على رؤية استيطانية إلغائية للطرف الآخر الفلسطيني، لكنه أيضاً مطلب طيف واسع من اليمين الإسرائيلي، وأيضاً مَن هم خارج الحكومة من القوس السياسي، فيما ثمة رأي آخر أكثر حضوراً يتبنّاه نتنياهو، ويقضي بربط وقف إطلاق النار النهائي بنتيجة محدّدة، هي إنهاء حكم «حماس» وتهديدها العسكري، وإرساء ترتيب سياسي وأمني في قطاع غزة لا يسمح للحركة بالتعافي أو العودة إلى السلطة.

«الوساطة» الأميركية

على أي حال، يصل المبعوث الأميركي الخاص إلى الشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، غداً، إلى المنطقة، وفي جعبته كثير ممّا يمكنه من الضغط على الوسطاء الآخرين، لدفعهم إلى الضغط بدورهم على حركة «حماس». وهو سيتسلح، في هذا الإطار، بتلويح إسرائيل بالعودة إلى الحرب، والتراجع عن التزامات المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار، وذلك بهدف الدفع نحو «تسوية» ما تحول دون استئناف القتال. على أن «التسوية» المنشودة جرى ترسيم معالمها مسبقاً بين واشنطن وتل أبيب، وتقضي بضرورة تفكيك الجناحَين العسكريَّين لـ«حماس» و«الجهاد الإسلامي» خصوصاً، على أن يصار إلى نزع سلاحهما، ثم ترحيل قياداتهما العسكرية وأيضاً السياسية إلى خارج قطاع غزة.

وتلك واحدة من الخطوات الأولى التي يجب على الأطراف التوصل إليها، ليعقبها ترتيب أمني وسياسي خاص، يُتَّفق عليه، ويكون كفيلاً بحفظ المصالح الإسرائيلية الأمنية والسياسية. ولعلّ هذه هي الغايات النهائية التي تفسّر كل المعطيات الطارئة بلا استثناء، بما فيها تراجع إسرائيل عن الانسحاب من محور «فيلادلفيا». بناءً عليه، بات من المرجّح أن يلجأ الطرفان إلى تمديد المرحلة الأولى لاستكمال عمليات تبادل الأسرى. وإلى حين انتهاء شهر رمضان، يَفترض الأميركيون كما الإسرائيليون، وفقاً للخطّة المتفق عليها بينهما، أن يكونوا قد نجحوا في الدفع إلى «الحلّ» المنشود.

الحرب مقبلة؟

لكن هل هذا يعني أن الحراك الأميركي – الإسرائيلي لا يعدو كونه تهويلاً لدفع «حماس» إلى التنازل؟ الواقع أن تطلع إسرائيل إلى تفكيك «حماس» ومنعها من التعافي، ليس هدفاً مرتبطاً بمنطلقات ما ورائية، مثلما هو لدى اليمين الفاشي المستند إلى «الحقّ الإلهي في استعادة الأرض»؛ بل متصل بعقيدة إسرائيلية أمنية جديدة، نشأت بعد «طوفان الأقصى»، وتتمثّل بضرورة منع وأد التهديدات في منعها، أي منع كلّ ما يمكن أن يؤدي إلى تشكلها. وفي حال فشلها في ذلك، فسيكون عليها أن تدرس خياراتها العسكرية والأمنية، قبل اللجوء إلى التأثير في النيات عبر الردع.

ويعني ما تقدّم، أن التهديد بالحرب ليس أداة لسحب مزيد من التنازلات فحسب، بل هو أيضاً تعبير عن إرادة ورؤية وعقيدة، يرجّح أن تكون حاضرة بقوّة على طاولة القرار في تل أبيب. على أن ما قد يعترض ذلك المسار أن لدى الأميركيين أجندة خاصة بهم، وهي أوسع وأشمل وأكثر أهمية من مسألة غزة، حيث انتهاء الحرب مقدّمة لفرض تلك الأجندة على المنطقة.

والواقع أن العامل الأميركي مؤثر جداً، وربما حاسم، في أيّ فعل إسرائيلي كبير، بل وربما أيضاً صغير، في كل ما يتعلّق بالقطاع. وهو عامل يتأكد أكثر مع إدارة ترامب، والتي لا يتصوّر أن تحيد إسرائيل عما تحدّده لها.
وأياً يكن، فإن القدر المتيقن إلى الآن، أن الأسابيع الأربعة المقبلة ستمر بلا قتال، ولكنها ستكون مشبعة جداً بإشارات الحرب والتهديد بها.

* الأخبار
You might also like