كل ما يجري من حولك

حملة تهميش السلطة مستمرّة.. ترامب لا يكترث لتودّد عباس

23

متابعات..| تقرير*

لم يكن قرار الإدارة الأميركية وقف كل أشكال التمويل الذي تقدّمه لقوات الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية مفاجئاً، ولا سيما أنّ عراب «صفقة القرن»، دونالد ترامب، لا يرى أي دور سياسي مستقبلي للسلطة في المنطقة، وهو لا يقيم لها وزناً، ولن يولي، بالتالي، أي اهتمام لاستقرارها أو تقويتها. كما أنّ مجاهرة ترامب بدعمه ضمّ إسرائيل إلى الضفة الغربية، وتبنيه خطة تهجير سكان قطاع غزة، يشيان بوجود نية واضحة لإنهاء سردية «عملية السلام وحل الدولتين»، والتي تاجرت بها الإدارات الأميركية المتعاقبة منذ «اتفاق أوسلو»، وهو ما يعني، في نهاية المطاف، انتفاء جدوى بقاء سلطة رام الله ضمن المشروع السياسي الأميركي الأوسع.

ويأتي قرار ترامب في وقت حرج بالنسبة إلى السلطة، التي تطمح إلى العودة إلى غزة بعد انتهاء الحرب، مبديةً استعدادها لنشر أجهزتها الأمنية في القطاع، وتأدية مهامها على «أكمل وجه»، بما يشمل حتى الاشتباك مع المقاومة. كما وجّه القرار المشار إليه ضربة قوية إلى تمويل الأجهزة الأمنية، والتي كانت أشبه بـ»بقرة مقدّسة»، حرصت السلطة على عدم المساس بتمويلها، على رغم الأزمة المالية الخانقة التي تعانيها منذ سنوات، والتي طاولت كل المستفيدين من خدماتها، من موظفين ومنتسبي شرائح كثيرة أخرى.

وفي هذا السياق، أوردت صحيفة «واشنطن بوست» الأميركية تقريراً جاء فيه أنّ «قوات الأمن التي تعاني من نقص مزمن في التمويل، وضعف واسع النطاق في الشعبية، تُعتبر محورية للسلطة الفلسطينية في ما يتعلق بالحفاظ على القانون والنظام»، لافتةً إلى أنّه «عادة ما يتم إجراء التدريبات والدورات من خلال مكتب تنسيق أمني في القدس، تشارك فيه عدة دول إلى جانب السلطة الفلسطينية والولايات المتحدة وإسرائيل». وإذ لم يصدر عن السلطة ومؤسستها الأمنية أي تعقيب على القرار الأميركي، فقد نقلت الصحيفة الأميركية عن المتحدث باسم قوى الأمن، العميد أنور رجب، قوله إن «الولايات المتحدة كانت تُعد من أكبر المانحين لمشاريع السلطة، بما في ذلك الأمن وتدريب القوات وتمكينها». ومن جهته، أشار عقيد في معهد تدريب تابع لقوات السلطة إلى أنّ تجميد التمويل أدّى، بالفعل، إلى تخفيض بعض التدريبات.

ويُعد «مكتب منسق الأمن الموجود في القدس»، والذي تشترك فيه السلطة الفلسطينية وإسرائيل والولايات المتحدة إلى جانب دول أخرى، قاعدة التنسيق والدعم المشترك، والتي يتم من خلالها وضع خطط دعم أجهزة الأمن الفلسطينية وتدريبها. ونقلت «واشنطن بوست» عن عقيد في السلطة قوله إنّ «اجتماعاً كان مقرراً عقده مع الأميركيين لتقييم عملية السلطة ضد المسلحين في مخيم جنين تأجّل ولم تتم إعادة جدولته»، فيما اعتبر مسؤول إسرائيلي، في حديث إلى الصحيفة نفسها، أنّ «مكتب التنسيق لم يتأثر بالقرار الأميركي»، نظراً إلى أنّ «مانحين آخرين سيعوّضون النقص».

أشار عقيد فلسطيني إلى أنّ تجميد التمويل أدى، بالفعل، إلى تخفيض في عدد التدريبات

وكانت الولايات المتحدة تموّل الأجهزة الأمنية الفلسطينية في مجالات كثيرة، كالذخائر والمعدات والآليات. كما نال التدريب اهتماماً خاصاً، تجلّى في تمويل واشنطن مشاريع عديدة في هذا المجال، من مثل إنشاء ميدان رماية افتراضي، وهو أمر تحتاج إليه السلطة، بالنظر إلى أن إسرائيل لا تسمح باستيراد الذخيرة لتدريبات الرماية الحية. وبعدما كان المشروع قد شارف على الاكتمال، أصبح المعهد يبحث حالياً عن مموّلين بدلاء بسبب التجميد الأميركي.

على أنّ قيمة المساعدات الأميركية للسلطة الفلسطينية كانت تشهد تقلبات مستمرة، مرتبطة بالإدارات المتعاقبة؛ ففي ولاية ترامب الأولى، تمّ تقليص تلك المساعدات بشكل كبير، وكانت مشروطة بالتزام السلطة بـ»اتفاقيات السلام ومحاربة الإرهاب»، علماً أن ما يأتي من واشنطن يُعدّ واحدة من أكبر المنح التي تتلقاها رام الله، وتشمل دعماً مالياً مباشراً للسلطة وأجهزتها الأمنية، إضافة إلى تمويل مشاريع تنموية وإنسانية عبر وكالات مثل الـ»USAID». وأخيراً، ضرب قرار ترامب عرض الحائط بجميع «مبادرات حسن النية» والتنازلات التي قدّمتها السلطة له، بما في ذلك مسارعة محمود عباس إلى فتح قنوات اتصال مع الإدارة الأميركية الجديدة، في محاولة لتدارك «الأخطاء» التي أغضبت ترامب خلال ولايته الأولى.

وبالإضافة إلى الشق الدبلوماسي، الذي شهد تودّداً واضحاً من السلطة إلى ترامب، وتحديداً في أعقاب إرسال عباس رسالة إلى الأخير يدين فيها «محاولة اغتيال» الأول، ثمّ برقية للتهنئة بفوزه بالانتخابات وإبداء الاستعداد للعمل معه، اتخذت السلطة خطوتين لطالما كانت «تتلكأ» في تنفيذهما. أولاهما كانت العملية العسكرية الواسعة في مخيم جنين شمالي الضفة الغربية، والتي كان هدفها اجتثاث المقاومة من جهة، ومن جهة أخرى الإيحاء لترامب بأنّه قادر على الاعتماد على السلطة في مواجهة المقاومة، ليس في الضفة فحسب، وإنما في قطاع غزة أيضاً، في حال قُدّر لها العودة إليه.

وأمّا الخطوة الثانية، فتمثلت برضوخ عباس للضغوط والمطالب الإسرائيلية والأميركية، في ما يتعلق بتغيير «قانون الأسرى والشهداء»، والمخصصات المالية لهم ولعائلاتهم، إذ أصدر الرئيس الفلسطيني مرسوماً رئاسياً يلغي قوانين وأنظمة دفع المخصصات المالية لعائلات الشهداء والأسرى في السجون الإسرائيلية، ونقل بموجبه برنامج المساعدات النقدية وقاعدة بياناته ومخصصاته المالية والمحلية والدولية إلى «المؤسسة الوطنية الفلسطينية للتمكين الاقتصادي»، بحيث يتم التعامل مع المستفيدين منه كـ«حالة اجتماعية معوزة» إلى مساعدات إغاثية، على أن يتم تقديم الأخيرة بعد إجراء بحوث ومسوح اجتماعية.

واقترنت سياسة الرضوخ للمطالب الأميركية والإسرائيلية بسياسة قمع واسعة ضدّ كل من يخالف توجهات السلطة؛ إذ شنّت الأجهزة الأمنية حملات اعتقال وتنكيل واسعة ضدّ النشطاء والمواطنين الذين عبّروا عن رفضهم للحملة الأمنية في جنين، أو للمرسوم الرئاسي بشأن الأسرى. وتخللت الحملة المشار إليها إقالة رئيس «هيئة شؤون الأسرى والمحررين» قدورة فارس، بعد ساعات من إعلانه رفض المرسوم الرئاسي باعتبار أنّه «يمس الأسرى ومكانتهم ودورهم النضالي».

* الأخبار
You might also like