كل ما يجري من حولك

استصلاح من العدم.. الغزيون في كفاحٍ يومي

22

متابعات..| تقرير*

ما إن عاد النازحون إلى منطقة تل الهوى جنوب مدينة غزة، حتى دبّت الحياة فيها بعدما كان يُطلق عليها مدينة الأشباح، إثر إجبار العدو سكانها على النزوح إلى جنوب القطاع. وعكف العائدون الذين صُدِموا من هول ما فعلته آلة الحرب الإسرائيلية من نسفٍ للمباني السكنية وتدمير للبنى التحتية، على محاولة إزالة الركام، واستصلاح ما يمكن ترميمه. ومن بين هؤلاء، أبو خالد التتر (48 عاماً) الذي سعى لتهيئة منزله المدمّر للعيش فيه ولو بالحد الأدنى، وتمكّن من إزالة أجزاء من الركام الذي خلّفته صواريخ الاحتلال وأطبقت على الطوابق العليا منه. يقول الرجل، في حديثه إلى «الأخبار»، إنه «من حُسن حظي أن المطبخ ودورة المياه لم يُدمّرا، ما شجّعني على وضع خيمتي بالقرب منهما، ريثما أتمكّن من إزالة الركام المحيط بنا وتغطية ما تبقّى من دمار بالشادر».

ولا يخفي أبو خالد معاناته مع المياه والكهرباء، قائلاً: «نضطر إلى السير مسافة كبيرة كي نتمكن من إحضار المياه سواء المالحة للاستخدام اليومي، أو الحلوة للشرب»، لافتاً إلى أن كل ذلك «أطفأ فرحة عودته» إلى غزة، والتي انتظرها خمسة عشر شهراً، بعد رحلة نزوح مريرة عاشها في وسط القطاع، مستدركاً بالقول: «مهما حلّ بنا فلن نغادر وسنبقى في أرضنا ووطننا الذي نحب ولن نجد له مثيلاً في الكون كله، فهي غزة العزة».

بدورها، تصف ميرفت مشتهى (45 عاماً) الوضع في تل الهوى بـ«المأساوي»، لافتة إلى أن «الدمار هو سيد المكان، فلا مقوّمات للحياة الكريمة، من مسكن ومشرب وحتى مستلزمات للخيم أو الصيانة». وبينما تزيح الركام من بيتها بالمجراف، تقول، في حديثها إلى «الأخبار»: «نحمد الله أن أبقى هذا الجزء من شقتي بعدما دُمّرت العمارة بأكملها وأصبحت أثراً بعد عين»، كما حال الكثير من الغزيين الذين فقدوا بيوتهم ولم يجدوا مكاناً يؤويهم ويحمي أجسادهم من المطر والبرد القارس.

وتضيف: «لا تقتصر معاناتي على دمار البيت، فأنا أعتبر نفسي فوق الريح لأنني سأعيش في بيت رغم الدمار الذي أصابه، مقابل من يعيش في خيمة»، موضحة تفاصيل معاناتها، بالقول إن أطفالها «يقطعون مسافات طويلة جداً كي يحصلوا على غالون أو اثنين من المياه الصالحة للشرب وبأسعار مرتفعة، بالإضافة إلى قطعهم مسافات أخرى من أجل إحضار مياه الاستعمال اليومي التي نقوم بتقنين استخدامها كي لا نفتقدها بسرعة، فضلاً عن مصادر الطاقة غير المتوافرة إلا في نقاط محدودة جداً في المنطقة، والتي «نفقدها تماماً في حال غابت الشمس أياماً متواصلة، الأمر الذي يفقدنا الاتصال لعدم شحن البطاريات والهواتف النقالة، فيما نضطر إلى إضاءة الشموع».

يواجه الغزيون معاناة يومية قاسية في تأمين المياه وتوفير الاحتياجات المعيشية

أما هبة أبو كميل (38 عاماً)، التي كانت تملك شقة بالقرب من دوار الأمين محمد غرب مدينة غزة، وعمارة من طابقين كانت على وشك الانتهاء من بنائها في منطقة المغراقة وسط القطاع، فتقول لـ«الأخبار»، إنها وأثناء عودتها إلى مدينة غزة «كانت لديها مشاعر مختلطة بين فرحة العودة التي كانت حلماً بالنسبة إليها، والحزن على الدمار الذي حلّ بالمدينة وما حولها»، لافتة إلى أنها نصبت خيمتها بالقرب من بيتها المدمّر، «فلا شيء أحنّ وأجمل من المكان الذي عشت فيه أيامك وحياتك وانغرست فيه ذكرياتك». وإذ تؤكد أنها ستزيل الركام وتعيد البناء ليعود البيت أجمل مما كان، فهي تضيف: «صنع لي زوجي خيمة بجوار بيتنا، طار جزء منها بفعل الرياح والعواصف وغرقنا في الجزء الثاني نتيجة اهتراء الشوادر التي استخدمتها طوال عام وثلاثة أشهر من النزوح»، متمنية، في الوقت نفسه، أن يتم إدخال البيوت المتنقّلة إلى مدينة غزة «كي نستطيع مواصلة الحياة الصعبة التي نعيشها».

وفي أحد المباني السكنية في حي الشيخ رضوان، يعمل أحمد سالم (18 عاماً) على تنظيف جدران الغرفة المتبقية من شقته التي دمّرتها قذائف دبابات الاحتلال وأحرقتها بالكامل، فـ«لم يتبقَّ منها لا غرف نوم ولا مطبخ ولا دورة مياه، ولم يسلم منها إلا غرفة استقبال الضيوف»، كما يقول في حديثه إلى «الأخبار»، مضيفاً أنه «رغم رؤيته لصور شقته التي أصابتها أضرار بليغة، إلا أن ما رآه على الواقع كان أصعب مما أظهرته تلك الصور؛ إذ التهمت النيران كل ذكرى جميلة بنيتها برفقة والدي الأسير لدى الاحتلال». ويشير الفتى إلى أنه استطاع، وبمساندة أعمامه وأبنائهم، إزالة الركام من البيت وفصل الغرفة عن باقي أجزائه المدمّرة بالشوادر خوفاً من سقوط إخوانه الصغار، مضيفاً أن «كل شيء تحتاج إليه من مستلزمات صيانة وإعادة ترميم سعره مرتفع، فقد أصبح سعر علبة دهان الجدران 400 شواكل، بعدما كانت تباع بـ70 شيكلاً، وهو أمر مرهق ولا يقوى عليه الجميع في ظل محدودية الدخل التي نعيشها».

ويواجه الغزيون معاناة يومية قاسية في تأمين المياه وتوفير الاحتياجات المعيشية، في وقت لا يبدو فيه أن ثمّة ضغطاً حقيقياً على الاحتلال الإسرائيلي لإدخال المساعدات والخيم والمنازل المتنقّلة والطاقة البديلة، والتي من شأنها أن تخفّف من تلك المعاناة، ريثما تبدأ مرحلة الإعمار.

 

* الأخبار
You might also like