كل ما يجري من حولك

إصلاحٌ على طريقة “الشرع” الجولاني: حَلُّ كل ما يُشتبَه بمعارضته حتى نقابات المهن الحرة

33

متابعات..| تقرير*

بدأت الحكومة السورية المؤقتة، أخيراً، ما سمّتها «عملية إصلاحية» للنقابات والاتحادات وإداراتها، مستنسخةً المعايير التي طبّقتها في «إصلاح» المؤسسات الحكومية، وغافلة عن أن الاستقلالية هي أولى صفات العمل النقابي. ولذا، وقعت الجهات المعنية في أخطاء قانونية وأخرى عرفية، خلّفت موجة من الانتقاد والاستنكار من قبل النقابيين الذين عانوا سنوات طويلة من نظامٍ سابقٍ سيطر حزبه على غالبية المقاعد النقابية. وكانت البداية بقرار حل جميع مجالس فروع نقابة المحامين في سوريا عدا محافظة إدلب، وتعيين مجالس بديلة، في قرار ضرب عرض الحائط بقاعدة أساسية في مهنة المحاماة، ألا وهي الأقدمية، التي يحفظها قانون تنظيم مهنة المحاماة (رقم 30 لعام 2010)، وإن رأى البعض أن هذا الأخير سقط بسقوط دستور عام 2012، وأن الإدارة الحالية لها «الشرعية الثورية» لإدارة المرحلة المؤقتة، بما يشمل عمل النقابات.

وحول ذلك، يوضح المحامي والخبير القانوني، هيثم نوري، في حديث إلى «الأخبار»، أن «سقوط الدستور لا يستتبع سقوط كل المبادئ الدستورية الشكلية العامة للدولة والتي نص عليها ذلك الدستور، فما سقط هو الأحكام الموضوعية المتعلقة بالتنظيم السياسي للدولة، أما باقي الأحكام التي تنظم شأناً عاماً فإنها لا تسقط وتعدّ نافذة، شأنها في ذلك شأن القوانين العامة، بحيث لا تلغى إلا بصدور الدستور الجديد، ومن هذه الأحكام ما يخص تنظيم الفعاليات المهنية والعلمية وغيرها وضمان استقلالها، وهذا ينطبق على قانون تنظيم مهنة المحاماة».

ويضيف نوري أنه «بالنسبة إلى ما يتضمنه القانون من مواد مشارٍ فيها إلى حزب البعث، فهي كانت ملغاة حُكماً بقوة ونص دستور عام 2012، والذي حوّل نظام الدولة السياسي من نظام الحزب القائد إلى نظام قائم على مبدأ التعددية السياسية، ما حتّم تعديل كل القوانين والتشريعات بما فيها المتعلقة بتنظيم عمل نقابات المهن العلمية الحرة». ويتابع أنه «بصدور القرار القاضي بحل حزب البعث وأحزاب الجبهة، تأكد مجدداً أن كل المواد المتعلقة بالحزب، والواردة ضمن ذلك القانون وغيره من القوانين، باتت والعدم سواء».

«يجب أن يكون تشكيل مكتب تنفيذي جديد لاتحاد الصحافيين في سوريا عبر عملية تشاركية وانتخابية»

ويستنتج أن «القرارات الصادرة عن مجلس النقابة مشوبة بعيب البطلان، فقرارات حل مجالس الفروع، وطبقاً لقانون تنظيم مهنة المحاماة، تصدر عن رئاسة الحكومة وليس بتكليف أو عن سلطة سياسية، والمجالس المعينة في ذلك هي مجالس مؤقتة، وبغاية التحضير حصراً لانتخابات الهيئات العامة للفروع وتحديد موعد لها، إضافةً إلى أن النظام الداخلي لمهنة المحاماة منع الجمع بين عضوية مجلس الفرع وعضوية النقابة، كما نص القانون على أن شؤون النقابة يتولاها مجلس مؤلف من أحد عشر عضواً وليس من سبعة أعضاء».

ويضيف أن القرارات الأخيرة «تخالف روح اللقاء الذي عقده نقيب المحامين المؤقت، أحمد محمد دخان، مع المبعوث الأممي، غير بيدرسون، والذي تمحور حول مبدأ سيادة القانون في المرحلة الانتقالية ودور المحامين الريادي في ذلك». وكان نوري دعا زملاءه في فرع نقابة دمشق إلى التوقيع على عريضة للمطالبة بإجراء الانتخابات النقابية، باعتبار أن المجلس المعين لا يعدو كونه مجلساً مؤقتاً، وذلك خلال موعد لا يتجاوز 30 يوماً من تاريخ صدور آخر قرار بحل آخر مجلس من مجالس الفروع، مع دعوة اتحاد المحامين العرب إلى إرسال مراقبين للإشراف على انتخابات النقابة.

ومن جهتها، تحركت الهيئة العامة لنقابة المحامين في دير الزور، وبدأت بالعمل على حجب الثقة عن مجلس النقابة المعين لعدم قانونيته، إلى حين إعادة تشكيل مجلس جديد بمشاركة أعضاء الهيئة العامة، ومن بينهم النساء، اللواتي أُغفلن من قبل مجلس النقابة المركزية، شأنهن شأن المحامين الذين تمسكوا ببقائهم في دير الزور، ووصل عددهم المسجل على قيود النقابة إلى 630. وبلغ عدد النساء في مجالس فروع النقابة الثلاثة عشر، ثماني سيدات من أصل 91 عضواً، ليس من بينهم أي عضو في مجلس النقابة المركزية المؤقت. وعن ذلك، تقول المحامية لمى الجمل لـ«الأخبار»، إن «خلو مجلس فرع نقابة دمشق من السيدات أشعل موجة من الانتقادات بين المحاميات والناشطات خاصة، ما دفع أصحاب القرار إلى تعديله واستبدال أحد الأعضاء المعينين بأستاذة محامية من دمشق، وبعدها عاد تمثيل النساء كما كان عليه سابقاً، وبذلك تُحسب نقطة إيجابية لمجلس النقابة المركزية، وهي الاستجابة لاعتراضنا في ما يخص تمثيل المرأة».

الصحافيون أيضاً

بعد أيام فقط من زوبعة حل مجالس نقابة المحامين، أصدرت الحكومة الجديدة قراراً بحل المؤتمر العام لـ«اتحاد الصحافيين في سوريا» والمكتب التنفيذي الخاص به، وتعيين مكتب جديد مؤقت مؤلف من 7 أعضاء ليس من بينهم امرأة، ولم يسمع بهم أحد من العاملين في الشأن الإعلامي من قبل. ويرى الصحافي خليل هملو، في حديث إلى «الأخبار»، أن «هذا القرار خاطئ. المنظمات النقابية لا يصدر قرار تعيينها من رئيس مجلس الوزراء أو غيره، هذا لا يختلف عن النظام السابق الذي كان يصدر هكذا قرارات من القيادة القطرية، كانت سبباً في تراجع كل النقابات على مدى عشرات السنين». ويتساءل: «أين الانتخابات الحقيقية؟ أين تمثيل الهيئات الصحافية الثورية المختلفة على الأقل؟»، مشيراً إلى أن الأسماء الواردة في القرار «خبرتهم على قدها، ولا معايير واضحة تم اختيارهم وفقاً لها، وهم ينتمون إلى لون واحد يمثل مناطق إدلب وحلب فقط».
وكان طالب «الاتحاد الدولي للصحافيين» الحكومة المؤقتة بالتراجع عن القرار، محتجاً على التدخل في العمل النقابي، والتضييق على حرية الإعلام.

وفي هذا الإطار، تقول الإعلامية لمى راجح، وهي عضو «رابطة الصحافيين السوريين»، لـ«الأخبار»: «نؤيد ما طالب به الاتحاد الدولي للصحافيين، نحن بحاجة إلى استقلالية في العمل النقابي، يجب أن يكون تشكيل مكتب تنفيذي جديد لاتحاد الصحافيين في سوريا عبر عملية تشاركية وانتخابية وبيد أعضاء الاتحاد نفسهم، وليس كقرار مفروض من قبل الحكومة الحالية»، مشيرةً إلى أن «القرار من الناحية القانونية غير مخالف للنظام الداخلي للاتحاد، والذي وُضع في عهد سيطرة حزب البعث على جميع المؤسسات والهيئات في سوريا، ويشرعن تدخل السلطات التنفيذية في عمل الاتحاد، وهذا يتعارض مع حرية الرأي والتعبير»، مستدركةً بـ«(أننا) نتمنى من المكتب التنفيذي الحالي العمل على إشراك أعضاء الاتحاد في وضع نظام داخلي جديد ينسجم مع متطلبات المرحلة الحالية بما فيها من حريات، وخاصة أننا نحاول اليوم كصحافيين وصحافيات أن نقوم بانقلاب شامل على كل مفاهيم النظام السابق حتى نضمن أن يصبح صوتنا مسموعاً».

 

* الأخبار البيروتية
You might also like