أمريكا تريد التفاوض… تحت الضغط: تهديدات متصاعدة بوجه إيران
متابعات..| تقرير*
بدأت إسرائيل وأميركا مرحلة تصعيدية كلامية، قبل انطلاق الجولة الجديدة المرتقبة من المفاوضات النووية مع إيران. وشهد اليومان الماضيان تزايداً في التصريحات والمواقف الآتية من الطرفين، وارتفاعاً في وتيرة التهديدات من جانبهما، وآخرها ما صدر عن رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، ووزير الخارجية الأميركي، ماركو روبيو، خلال زيارة الأخير إلى إسرائيل. ورغم أن هذه التهديدات تعكس إرادةً وتصميماً مشتركين، إلا أنها تهدف في هذه المرحلة إلى تصعيد الضغوط على طهران، لدفعها إلى الجلوس إلى طاولة المفاوضات، ثم تقديم تنازلات جوهرية، لا تقتصر فقط على البرنامج النووي، وإنما تمتد إلى تقليص البرامج الصاروخية الباليستية والقدرات التسليحية، وكذلك النفوذ الإقليمي عبر منعها من دعم حلفائها في الشرق الأوسط.
لكن التصعيد المسبق ليس حكراً على إسرائيل وأميركا، بل هو إيراني أيضاً. إذ جاء الموقف الأخير للمرشد الإيراني، آية الله علي الخامنئي، متشدّداً ولا يقل حزماً عما يصدر عن خصومه، رغم إشارات متباينة صدرت عن مسؤولين إيرانيين آخرين. وأكد الخامنئي أن التجربة أثبتت أن التفاوض مع الولايات المتحدة «ليس ذكياً ولا مشرفاً ولا حكيماً»، مضيفاً أنه «إذا قاموا بتهديدنا فسنرد بالمثل، وإذا نفّذوا تهديداتهم فسننفذ تهديدنا». ويأتي ذلك في وقت باتت فيه لدى الولايات المتحدة وإسرائيل قناعة بأن منع إيران من الحصول على القدرة النووية العسكرية، أو حتى أن تكون دولة «عتبة نووية» كما هي الآن، ضرورة إستراتيجية لمنع تهديداتها في الشرق الأوسط، سواء لإسرائيل أو للمصالح الأميركية وللمخططات المستقبلية في المنطقة، على اعتبار أن القدرة النووية تشكّل مظلّة للنفوذ الإيراني، تمنع أي أطراف معادية من التمادي في الضغط على طهران لإملاء الشروط عليها.
وفي هذا السياق، كان التشخيص الأميركي الذي عبّر عنه روبيو، إلى جانب نتنياهو في القدس المحتلة، واضحاً جداً في دلالاته. إذ ربط التحديات الأمنية التي تواجهها إسرائيل والولايات المتحدة في المنطقة بإيران، قائلاً: «لا ينبغي لإيران أبداً أن تصبح نووية، لأنها ستكون محصّنة من العواقب». ومن جانبه، أكد نتنياهو أن إيران تُعد «القضية الأهم في الوقت الحالي»، مشيراً إلى أن «الجانبين اتفقا على ضرورة العمل لضمان ألا تمتلك إيران سلاحاً نووياً». والواقع أن السقوف المرتفعة للتهديدات الإسرائيلية والأميركية لا تهدف فقط إلى إعداد طاولة المفاوضات، بل تعكس أيضاً «ثقة زائدة» بإمكانية فرض إرادة واشنطن وتل أبيب على طهران هذه المرة، على عكس مسارات تفاوضية سابقة أدت إلى اتفاق نووي لم يكن يرضي إسرائيل التي دفعت بالرئيس الأميركي، دونالد ترامب، خلال ولايته الأولى إلى تمزيقه. وترجع هذه الثقة إلى وجود تشخيص لديهما بأن إيران في وضع دفاعي وليس هجومياً، ولا يوجد لديها الكثير من هوامش المناورة أمام الضغوط، خاصة بعد الخسائر التي منيت بها في الإقليم، عبر استهداف حلفائها وتراجع قدرتهم على دعمها.
ترامب امتنع عن الالتزام بما قد يورّطه وأميركا في مواجهة مباشرة
إضافة إلى ذلك، تراهن الإدارة الأميركية على أن العقوبات غير المسبوقة التي تنوي فرضها على إيران، يمكن أن تكون أداة فعالة لـ«ليّ ذراع الإيرانيين». كما تراهن واشنطن على أن الإيرانيين يدركون أن «الخيار العسكري» لم يعد مجرّد فرضية نظرية، بل أصبح وارداً عملياً، سواء من قبل إسرائيل، أو بالاشتراك مع الولايات المتحدة. ومع هذا، فإن الخيار العسكري الذي يراد أن يلقي بظلاله على طاولة التفاوض، ويدفع إيران إلى تقديم تنازلات قاسية، ليس «الوصفة» التي كانت تسعى إليها إسرائيل وتأمل أن تتبنّاها الإدارة الأميركية. إذ كانت تل أبيب تريد من الرئيس الأميركي أن يلتزم علناً بمهاجمة طهران عسكرياً إذا لم تفضِ المفاوضات إلى الأهداف الموضوعة لها. لكن ترامب امتنع عن الالتزام بما قد يورّطه وأميركا في مواجهة مباشرة، واختار أن يلوح بالخيار العسكري الإسرائيلي، وليس الأميركي، وهو ما يعد خطوة ناقصة جداً، وغير كافية لتوليد ضغط كبير على طهران، وفقاً لما يراه الإسرائيليون.
وكانت قد وضعت الإدارة الأميركية جدولاً زمنياً لبدء المفاوضات، إذ لا يتجاوز الستة أشهر الأولى من العام الجاري، وذلك وفقاً لما أوردته تقارير إعلامية نُشرت في واشنطن، وبدا أن الهدف منها دفع إيران إلى القبول ببدء التفاوض قبل الموعد المحدد، وهو ما يفسر حديث مصادر سياسية أميركية، عبر صحيفتي «وول ستريت جورنال» و«واشنطن بوست»، عن وجود معلومات استخباراتية لدى واشنطن، تفيد بأن إسرائيل تخطّط لشن هجوم واسع النطاق على إيران ومنشآتها النووية خلال تلك الأشهر الستة، أي حتى حزيران المقبل.
وفي الإطار نفسه، جاءت تصريحات مستشار الأمن القومي للبيت الأبيض، مايك والتز، في مقابلة مع قناة «فوكس نيوز»، والتي قال فيها إن «إيران لن تمتلك سلاحاً نووياً»، لتعزز أجواء التهديد المحيطة بطهران. وعندما سُئل والتز عما إذا كانت الإدارة ستدعم الخيار العسكري الإسرائيلي، رفض الخوض في التفاصيل، ولكنه أكد أن «الرئيس ترامب جاد جداً بشأن موقفه»، وأن «جميع الخيارات مطروحة على الطاولة، ولن نسمح لهم بالسيطرة على زر الإطلاق النووي». ومن جهتها، دعت مجموعة من المشرعين الأميركيين، من الحزبين، الترويكا الأوروبية (بريطانيا وفرنسا وألمانيا) إلى فرض عقوبات على إيران، رداً على ما سمّوه «الانتهاكات المتكرّرة» الإيرانية للاتفاق النووي لعام 2015، والذي كانت أميركا، للمفارقة، هي التي بادرت إلى الانسحاب منه، ومن كل التزاماتها الواردة فيه.
في ظل هذه الديناميكيات المعقّدة، يبدو أن المنطقة تتّجه نحو مرحلة حساسة ومصيرية. إذ إن التهديدات المتبادلة قد تؤدي إلى إطلاق مسار تفاوضي، ولكنه سيكون شاقاً ومحفوفاً بالتوترات والمزايدات طلباً للمكانة لدى الرأي العام، وتحديداً في الجانب الأميركي. كما يمكن أن تتسبّب هذه المفاوضات، في حال فشلها، في عدم استقرار وتوتر وتصعيد، خاصة مع لجوء الجانبين إلى إجراءات وقرارات تدفع نحو المواجهة المتطرفة، وليس العودة إلى التفاوض، وإن كان من المبكر في هذه المرحلة، تقدير ما ستؤول إليه الأمور، نتيجة لتعقيداتها وتشابكها الكبير في أكثر من اتجاه ومستوى.