كل ما يجري من حولك

معضلة الاحتلال في إعادة مستوطني الشمال .. ما بعد الانسحاب من لبنان (تفاصيل)

44

متابعات /

تواجه الحكومة الإسرائيلية معضلة حقيقية في إعادة مستوطني المستوطنات الشمالية إلى مستوطناتهم، على الرغم من انتهاء الحرب مع حزب الله، وانسحاب “الجيش” الإسرائيلي من جنوب لبنان (باستثناء المواقع الخمسة)، وعلى الرغم من رفع “الجيش” الإسرائيلي توصية بالسماح بعودة “سكان الشمال” إلى المستوطنات مطلع شهر آذار/مارس المقبل.

تتجلى هذه المشكلة في عدم وجود شعور بالأمن لدى هؤلاء المستوطنين الذين يخشون العودة، لأن وعيهم “لا يزال مكوياً بالذاكرة المريرة من السنة السابقة التي سبقت الحرب”، ويخشون أن يعيد التاريخ نفسه، وأن يعود عناصر حزب الله إلى “الحدود الشمالية لإسرائيل”.

ويعاني “مستوطنو الشمال” من مشكلة أساسية تمنع عودتهم، غير المعضلة الأمنية، تتمثل في الأضرار والدمار الذي أصاب مستوطناتهم، وفي الصعوبات الاقتصادية والاجتماعية التي تمنع عودة الحياة إلى طبيعتها، ولا سيما لجهة “الهجرة السلبية” و”العملية التعليمية”.

المعضلة الأمنية
أشارت العديد من التقارير الإسرائيلية إلى أنه بعد انتهاء الحرب مع حزب الله، وانسحاب “الجيش” الإسرائيلي من جنوب لبنان (باستثناء النقاط الخمس)، وعلى الرغم من رفع “الجيش” توصية بالسماح بعودة “سكان الشمال” إلى منازلهم مطلع شهر آذار/مارس المقبل، فإنَّ هذه العودة تواجه معضلة حقيقية تتلخص بعدم وجود شعور بالأمن لدى هؤلاء السكان، فهم يخشون العودة، وفقاً لموقع “واللا” الإخباري، إذ يجدون في “الجيش” الإسرائيلي صعوبة كبيرة جداً في تعزيز شعور “السكان” بالأمن وإقناعهم بالعودة.

وأضاف الموقع أن هذا الواقع يتجسد في أذهان “السكان” والقيادات المحلية بكلمة “أزمة”.

وفي سياق ذي صلة، أشار محلل الشؤون العسكرية في صحيفة “يديعوت أحرونوت” يوسي يهوشوع إلى أن الشعور المُسيطر وسط “سكان الشمال” صعب، فحقهم في الأمن لم يعد إلى ما كان عليه، ومن المشكوك فيه أن تكون النقاط الخمسة التي سيبقى فيها “الجيش” الإسرائيلي داخل الأراضي اللبنانية سبباً لدفعهم إلى العودة بشكل جماعي إلى منازلهم مطلع الشهر المقبل، كما أوصى “الجيش” الإسرائيلي.

يهوشوع لفت أيضاً إلى أن وعي “سكان الشمال” لا يزال مكوياً بالذاكرة المريرة من السنة السابقة التي سبقت الحرب، والتي دفع فيها حزب الله بقوات إلى السياج الحدودي، وبنى خياماً على “جبل دوف” (مزارع شبعا)، وخاطر بحرب مع إرسال “مسلح” إلى تقاطع مجِدو، ومرّت هذ الأنشطة من دون رد إسرائيلي. لذلك، ثمة خشية من أن يعيد التاريخ نفسه.

مراسل صحيفة “إسرائيل هَيوم” في الشمال، عيدان أفني، قارب في قراءته ما قاله زميله يهوشوع، ورأى أن “سكان الشمال يخشون العودة إلى منازلهم، فمن الواضح لهم أن حزب الله سيعود في النهاية إلى جنوب لبنان (القرى الحدودية)، وهم ينتظرون بخشية كيف سيشاهدون عبر الحدود “قوافل رايات حزب الله في القرى المحاذية للسياج، ومعها عناصره العائدين إلى منازلهم”.

وأضاف أفني أن “سكان الشمال” لا يثقون لا بالجيش اللبناني، ولا بـ”الجيش” الإسرائيلي (لجهة القدرة على توفير الأمن لهم)، إذ للتذكير فقط في الأسبوع الماضي، طُلب من سكان المطلة الدخول 3 مرات إلى الملاجئ خشية من الطائرات المُسيّرة، من دون تفعيل الإنذار، بل الاكتفاء فقط بإصدار توجيه بالدخول إلى الملاجئ بهدوء عبر مجموعات الواتساب الخاصة بالمستوطنة.

ونقلت صحيفة “إسرائيل هيوم” شهادة لأحد سكان مستوطنة المطلة، “عبَّر فيها عن خشيته من العودة إلى منزله، وقال إنه اختار تأجيل العودة إلى منزله لمدة لا تقل عن سنة إضافية، ليراقب ما سيكون عليه الوضع الأمني على طول الحدود، لأن من الأكيد أن حزب الله سيعود بشكل أو بآخر إلى القرى، فهم سيبدؤون بإعادة بناء المنازل، ومن ثم سيعيدون بناء البنية التحتية العسكرية”.

وحذَّر المستوطن من أن العودة إلى المنزل في هذه الظروف “تشبه العودة إلى (واقع) 7 تشرين الأول/أكتوبر، الذي رأينا جميعاً إلى أين أوصلنا”.

وإضافةً إلى ذلك، أعرب عدد من رؤساء السلطات المحلية في “الشمال” عن رفضهم العودة في ظل الظروف الحالية، وقال رئيس مجلس المطلة، دافيد أزولاي، للقناة 12، إنه فقط من يعيش في فيلم (وهم)، يظن أنه يمكن العودة في الأول من آذار/مارس، لأن هذا الأمر غير منطقي ولا يمكن حدوثه، بسبب الموضوع الأمني المهم جداً الذي يجعل من السكان غير قادرين على العودة.

أزولاي وصف قرار قيادة المنطقة الشمالية في “الجيش” الإسرائيلي والمستوى السياسي بإعادة السكان بأنه سيئ، وأكد أن “سكان المطلة لن يعودوا، بسبب وضع البنية التحتية (المدمرة)، وبسبب الوضع الأمني”.

آثار الدمار والمشكلة الاقتصادية
يعاني “مستوطنو الشمال” مشكلة أساسية تمنع عودتهم إلى منازلهم غير المعضلة الأمنية، تتمثل في الأضرار والدمار الذي أصاب مستوطناتهم، وفي الصعوبات الاقتصادية التي تمنع عودة الحياة إلى طبيعتها في مستوطناتهم.

وفي هذا السياق، لفت رئيس مجلس المطلة، دافيد أزولاي، في حديثه إلى القناة 12، إلى أنه لا يوجد مكان للعودة إليه في المطلة، فأكثر من 70% من منازلها، والكثير من الأماكن العامة والمؤسسات التربوية تضررت ولا يُمكن العودة إليها.

أما رئيس بلدية كريات شمونة، أفيخاي شتيرن، فرأى في حديث مع “إذاعة الشمال”، أن “إعادة التأهيل ستستغرق وقتاً، فلم نبدأ بعد بترميم الطرقات في المدينة… أما في القطاع التجاري، فهناك أعمال لم تعمل لمدة عام وأربعة أشهر، نحن نتحدث عن مشاريع ميتة ستحتاج إلى البدء من جديد”.

وعرض مراسل صحيفة “إسرائيل هَيوم” في الشمال، عيدان أفني، صورة مختصرة عن واقع “الشمال”، وقال إن العديد من السكان يشكون من أن الجنود الذين أقاموا في منازلهم في المستوطنات القريبة من السياج تسببوا بأضرار فيها، وأضاف أن معظم السكان يرفضون العودة من دون وجود بنية تحتية، إذ لم يتم بعد ترميم العديد من المنازل في العديد من المستوطنات.

مراسل الشمال في صحيفة “يديعوت أحرونوت”، يئير كراوس، تحدث عن وجود مشكلة في طريقة تعاطي السلطات الحكومية مع مستوطني الشمال، فعلى الرغم من صدور قرار بمنحهم تعويضات مالية مطلع الشهر المقبل للعودة إلى منازلهم، فإنَّهم في وزارة المالية ووزارة التأمين الوطني لا يعرفون بعد متى سيتم تحويل الأموال، ويتحدثون عن شهر أيار/مايو المقبل، إذ ألقت وزارة المالية المسؤولية عن ذلك على سلطة السكان والهجرة التي ألقتها بدورها على وزارة المالية.

ونشرت صحيفة “معاريف” نتائج استطلاع رأي واسع النطاق أجراه “المعهد الإسرائيلي للديمقراطية”، يشرح الوضع الاقتصادي المتدهور لـ”سكان الشمال” في ظل الحرب، إذ تبين أن 54% من “سكان الشمال” النازحين أفادوا بأن دخلهم انخفض بما كان عليه قبل الحرب؛ فيما أفاد 31% منهم بعدم توفر سيولة مالية لديهم.

هذه المعطيات دفعت مديرة مركز الحوكمة والاقتصاد في المعهد، الخبيرة الاقتصادية دفنا أفيرام نيتسان، إلى القول إن نتائج هذا الاستطلاع أكدت الحديث عن صعوبة الوضع الاقتصادي والوظيفي للنازحين من الشمال، لا سيما لجهة التوظيف والسيولة المالية.

رئيس مجلس الجليل الأعلى، غيورا زالتس، تحدث عن الوضع الاقتصادي في “الشمال”، وانتقد الحكومة وقال: “بعد سنة و4 أشهر على بدء الحرب، لا توجد خطة حكومية أو ميزانية أو أحد ما لديه صلاحية اتخاذ قرارات – الحكومة منقطعة عن الواقع المدني في الشمال”.

الصعوبات الاجتماعية
يواجه “مستوطنو الشمال”، وفقاً لتقارير إسرائيلية، صعوبات على الصعيد الاجتماعي تعوق عودتهم إلى منازلهم، ولا سيما لجهة “الهجرة السلبية” و”المجال التعليمي”.

وفي هذا السياق، قال رئيس بلدية “كريات شمونة”، أفيخاي شتيرن، في حديث مع “إذاعة الشمال”: “في كل حرب في الشمال، كانت هناك هجرة سلبية من المدينة، وفي الحرب الحالية تم إجلاء جميع سكان المدينة، ما سيؤدي إلى هجرة سلبية أكبر من ذي قبل… فأحداث 7 تشرين الأول/أكتوبر قلبت كل الموازين”.

وتأكيداً على كلام شتيرن، أفاد موقع “واللا” الإسرائيلي بأن دراسة جديدة أجريت في المركز الأكاديمي روبين، وعُرضت في مؤتمر لوزارة الهجرة والاستيعاب، تحدثت عن معطيات مثيرة للقلق بشأن اتجاهات الهجرة من “إسرائيل”، إذ تبين أن 24% من الإسرائيليين فكروا في مغادرة “إسرائيل” خلال العام العام الماضي، في مقابل 18% فقط قبل عامين.

وأظهرت الدراسة أنّ 31% من الإسرائيليين الذين يفكرون في مغادرة “إسرائيل”، قالوا إن دافعهم إلى ذلك هو الوضع الأمني، في مقابل 28% كان دافعهم الوضع الاقتصادي.

صحيفة “إسرائيل هيوم” نشرت تقريراً موسعاً عن التحديات الكبيرة التي تنتظر المؤسسات التعليمية في الشمال مع اقتراب موعد العودة المخطط لها لسكان الشمال إلى منازلهم في الأول من آذار/مارس المقبل، وسلطت الضوء على معضلة مقلقة تمثلت بالنقص المتوقع في المعلمين الذين لا يزال بمعظمهم يتعاملون مع تداعيات الإخلاء والحرب.

ولفتت الصحيفة أيضاً إلى أن التلاميذ سيواجهون مشكلة مع اتخاذ قرار بإغلاق العديد من المدارس التي تم افتتاحها للنازحين في الوسط، الأمر الذي سيجبر العائلات وأعضاء الهيئة التدريسية الذين تم إجلاؤهم من منازلهم على العودة إلى منازلهم في “الشمال”، رغم الوضع الصعب فيه، لجهة الدمار والوضع الاقتصادي غير السليم.

ونقلت الصحيفة عن إحدى النساء من “كريات شمونة” قولها إنها مضطرة إلى العودة من “تل أبيب” إلى “كريات شمونة”، لأنها ليس لديه خيار، فقد تم إغلاق إحدى المدارس التي يرتادها أحد أولادها في “تل أبيب”، وتركوا مدرسة أخرى، فاضطرت إلى العودة من أجل أولادها.

وانتقد أحد سكان مستوطنة “كفار بلوم”، وفقاً للصحيفة، تخلي الحكومة الإسرائيلية عن “الشمال”، وقال: “لقد تم التخلي عن الشمال، ولم تكن هناك حكومة هنا، وما زالت غير موجودة. غادرت الحكومة في السابع من تشرين الأول/أكتوبر. الأمر لا يتعلق بالتعليم فقط، فلا توجد خدمات تقريباً في كل ما تحتاجه، مثل الطبيب والتسوق والخدمات المصرفية والخدمات المدنية… ثمة شعور بالخيانة”.

You might also like