العدوّ يواصلُ القتلَ «الضمني»… والمقاومة تتحسّب
التزامات المرحلة الأولى معلّقة
متابعات..| تقرير*
يشير التلكؤ الإسرائيلي في تطبيق تفاهمات المرحلة الأولى من صفقة تبادل الأسرى مع حركة «حماس» إلى أن حكومة الاحتلال أُرغمت على القبول بوقف إطلاق النار المؤقت، استجابة لرغبة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، الذي مارس قدراً هائلاً من الضبابية تجاه جميع الأطراف، الوسطاء و»حماس» وحتى رئيس وزراء العدو، بنيامين نتنياهو، وفق ما يرى محللون إسرائيليون. والواقع أنه بعد مرور أكثر من نصف مدة المرحلة الأولى، تنصّل الاحتلال من أهم البنود المتّفق عليها، في حين قصفت طائراته المسيّرة أمس قوة تابعة للشرطة الفلسطينية كانت تقوم بمهامها في تأمين دخول شاحنات المساعدات في منطقة الشوكة شرق مدينة رفح، ما أدى إلى استشهاد عنصرين وإصابة ثالث بجروح خطيرة.
كما قصفت سيارة إسعاف، كانت تحاول انتشال جثامين شهداء في منطقة المغراقة، بالقرب من حاجز «نتساريم»، وسط القطاع. وفضلاً عن ذلك، لم يسمح الاحتلال بدخول ما تم الاتفاق عليه نهاية الأسبوع الماضي مع الوسطاء، من معدات ثقيلة لإزالة الركام، وبيوت متنقلة (كرفانات) كان قد ضَمِن الوسطاء دخولها لنزع فتيل أزمة تسليم الأسرى الثلاثة – أول من أمس -، والذين كانت قد هدّدت المقاومة بتأخير تسليمهم.
هذه المعطيات، بالإضافة إلى تأخير قائمة طويلة من متطلّبات الإغاثة العاجلة من مثل أنظمة الطاقة الشمسية والبطاريات ومولّدات الكهرباء وخطوط المياه والكهرباء والكمية اليومية المتفق عليها من الوقود، وفوق ذلك، تأجيل البدء في مفاوضات المرحلة الثانية من الصفقة، كل ما تقدّم دفع «حماس» إلى مطالبة الوسطاء بالتدخّل لإنقاذ صفقة التبادل من الانهيار، في وقت حذّرت فيه من أن «تلك التصرفات تؤكد عدم جدية الاحتلال في الالتزام بالاتفاق الذي تم برعاية الوسطاء، وشهد عليه العالم، كما تكشف نيّات مجرم الحرب نتنياهو في عرقلة مسار الاتفاق وعمليات تبادل الأسرى، وسعيه للعودة إلى العدوان وارتكاب مزيد من جرائم الإبادة الجماعية»، وفق حديث الناطق باسم الحركة، عبد اللطيف القانوع، في تصريح صحافي.
وطاول انعكاس التلكؤ الإسرائيلي في السماح بدخول المتطلبات الإنسانية كلّ مناحي الحياة في شمال القطاع، الذي عاد إليه نحو مليون نازح من الجنوب. إذ لم يجد الأهالي مكاناً لنصب الخيام التي تسلّموها، في حين يقول مصدر في لجنة الطوارئ المحلية في مخيم جباليا إنه «لا معنى لدخول الخيام ولا حتى البيوت المتنقلة من دون دخول معدات ثقيلة لإزالة الركام». ويضيف، في تصريح إلى «الأخبار»، أن «مناطق بيت لاهيا وبيت حانون ومخيّم جباليا، ممتلئة بآلاف الأطنان من الركام، ولا مساحات فارغة لنصب الخيام.
نتنياهو يبحث عن ألاعيب لتمديد المرحلة الأولى وإطلاق سراح المزيد من الأسرى الأحياء
والطرق لا تزال مغلقة، ومجموع الجرافات والشاحنات المتوفّرة في شمال القطاع لا يتجاوز عددها أصابع اليد الواحدة، ولا وقود لتشغيلها. واستمرار الوضع على حاله يعنى أن مئات الآلاف من الأسر ستبقى من دون مأوى، فضلاً عن أن البنية التحتية، من شبكات مياه وكهرباء وصرف صحي، مدمّرة بشكل كلي». أما على الصعيد الطبي، فأكد مدير مستشفى «الشفاء» أن «جيش الاحتلال أوقف القتل بشكل مباشر، لكن القتل غير المباشر لا يزال مستمراً». وتابع في تصريح صحافي أن «كثيراً من المرضى يموتون بسبب نقص أسطوانات الأوكسجين، ولدينا محطة واحدة فقط تعمل بالحد الأدنى. ولدينا ثلاثة أسرّة عناية مركّزة في شمال القطاع، و20 جهازاً لغسيل الكلى فقط».
ما تقدّم من معطيات، يشير إلى أن الاحتلال يتصرّف على أساس أن الحرب مستمرة، ويواصل مساعيه لإبقاء القطاع بيئة طاردة للحياة، ما يحقّق استدامة المعاناة في حدودها القصوى، وتعطيل أيّ مسعى لاستعادة الحياة المدنية من تعليم وصحة واقتصاد، بما يخدم تحقيق هدف الهجرة «الطوعية». أما في السياسة، ففي الوقت الذي يؤكد فيه مبعوث ترامب إلى الشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، أن المرحلة الثانية من صفقة التبادل ستبدأ بالتأكيد، فإن المحلّلين الإسرائيليين يجمعون على أن الدخول إلى هذه المرحلة سيفضي إلى سقوط الحكومة الإسرائيلية؛ وعليه، سيبحث نتنياهو عن مزيد من الألاعيب لتمديد المرحلة الأولى وإطلاق سراح المزيد من الأسرى الأحياء، حتى ولو من خلال الإفراج عن كبار الأسرى الفلسطينيين.
أما بالنسبة إلى المقاومة، فإن «كل السيناريوات ممكنة، وإن كان الترجيح القائم يميل إلى استمرار الصفقة بمراحلها الثلاث». ويقول مصدر في المقاومة، لـ»الأخبار»، «إننا أمام حكومة من المجانين ترى في مواصلة الحرب الغطاء الوحيد لبقائها. وقد أُرغمت لاعتبارات ميدانية وسياسية دولية على القبول بوقف إطلاق النار، وهي بحاجة بشكل متواصل إلى غطاء من التصريحات العالية النبرة من الرئيس الأميركي، للإيمان بأن استمرار الصفقة أنفع من تفجيرها. وأمام ذلك، لا بد من أن تكون كل الاحتمالات حاضرة في حساباتنا».
ووسط كل هذا الضجيج، يعيش الشارع الغزي في عراك يومي مع الحياة، حيث تأمين أقل المتطلبات من مياه ورغيف خبز أو استصلاح مكان للمبيت، يستهلك ثلثَي ساعات النهار، ما يجعل اللامبالاة إزاء كل المستجدات السياسية سلوكاً جبرياً. إذ تبدأ الأزمات وتنتهي من دون أن يلتفت إليها أحد، فيما تحاول المدينة، بمحالّها ومطاعمها وطرقاتها الانتفاض على الركام، واستعادة نسق الحياة السابق وإن من العدم.