صوتُ تركي خجول بوجه ترامب: غزةٌ ليست أولوية
متابعات..| تقرير*
تجنّب الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، الحرج والدخول في «المحظور»، عندما اكتفى بعبارة عامّة رداً على دعوة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، إلى تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة إلى الأردن ومصر. وبعد أربعة أيام من الصمت المطبق وانتقاد المعارضة الحادّ له على تجاهل ما قاله ترامب، خرج إردوغان، في طريقه إلى جولة آسيوية، ليردّ على الانتقادات، بالقول: «البعض يحاول التشكيك في موقفنا من القضية الفلسطينية. أَوَلَسْتم أنتم مَن رفع يافطة أن حماس منظمة إرهابية؟ ما قدّمناه للقضية الفلسطينية يعرفه العالم أجمع»، مقلّلاً من شأن مقترحات ترامب، والتي قال إنه «لا يوجد فيها أيّ قيمة لنتحدث بها، ومن العبث الانشغال بها».
هكذا، بدا واضحاً أن إردوغان، من خلال صمته الطويل ومن ثم تعليقه الخجول، لا يريد افتعال أزمة مع ترامب في بداية العهد الأميركي الجديد، في ظلّ مراهنته على توجه الرئيس الجمهوري نحو سحب القوات الأميركية من سوريا، ليتسنّى للأول بعد ذلك مهاجمة «وحدات حماية الشعب» الكردية، وهو ما يسعى إليه الرئيس التركي بالتنسيق مع النظام السوري الجديد بقيادة أحمد الشرع، الذي تعهّد بدوره لأنقرة بإنهاء الانفصال المسلّح للأكراد في شرق الفرات. وكانت المعارضة، ولا سيما زعيم «حزب الشعب الجمهوري»، أوزغور أوزيل، دعت إردوغان إلى إظهار ردّ فعل قوي ضدّ خطّة ترامب، يوازي ردود فعله على أركان المعارضة، ولا سيما رؤساء البلديات. وأدّت هذه المواقف إلى سيل من ردود الفعل من جانب أقطاب «حزب العدالة والتنمية» الحاكم، إذ قال نائب رئيس الجمهورية، جودت يلماز، إن كلام أوزيل عبارة عن «عدم شعور» و«غفلة سياسية»، مشيراً إلى أن إردوغان «أمضى عمره في دعم القضية الفلسطينية»، فيما اعتبر وزير التربية، يوسف تكين، أن رئيس الجمهورية «كان الصوت الأعلى في العالم في دعم القضية الفلسطينية». أمّا وزير الخارجية، حاقان فيدان، فقال إن «خطة ترامب تدلّ على جهل بالتاريخ وعدم فهمه».
في المقابل، رأى نائب رئيس «الشعب الجمهوري»، دينيز يوجيل، أن «صمت إردوغان ليس إلّا لإخفاء الحقائق في شأن علاقته بترامب، ورغبته في مواصلة الصداقة معه، واللعب بأدوار في إطار الشرق الأوسط الكبير». وقال يوجيل إن مواصلة التجارة مع إسرائيل على امتداد المجازر الإسرائيلية في غزة، «برهان على كذب ارتباط إردوغان بالقضية الفلسطينية»، مضيفاً أن «الشعب الجمهوري مرتبط تاريخياً بالقضية الفلسطينية، وقبل دخول إردوغان إلى عالم السياسة، كان رئيس الحزب الراحل بولنت أجاويد يحمل القضية إلى أرفع المنابر الدولية، ويفتح مكتباً لمنظمة التحرير الفلسطينية في أنقرة، ويعترف بالمنظمة ويصف إسرائيل بأنها دولة إرهابية. أمّا الآن، فإن حزب العدالة والتنمية لا يحمل هذه الحساسيّة». ومن جهته، انتقد رئيس بلدية إسطنبول، أكرم إمام أوغلو، إردوغان بالقول إنه «مشغول بالبلديات وإجراءاتها وإقالة رؤسائها. أمّا الردّ على ترامب فليس من أولوياته، على رغم مرور عدّة أيام على مواقفه».
وفيما تظاهرت مجموعات من «حزب السعادة» الإسلامي في ميدان بيازيد دعماً لغزة، دعا «الشعب الجمهوري» إلى تظاهرة كبيرة على جسر غلطه سراي دعماً للقضية الفلسطينية، ورفضاً لخطّة ترامب لتهجير الغزيّين. وكان الحزب يخطّط للتظاهر الأحد الماضي تحت عنوان «مسيرة فلسطين حرة من النهر إلى البحر»، لكن محافظ إسطنبول رفض منح الإذن بذلك، باعتبار أن «الجسر ليس ميداناً للتظاهرات». وانتقد فرع «الجمهوري» في إسطنبول قرار المحافظ، متسائلاً، في بيان: «كيف يمكن السماح للعدالة والتنمية، في الأول من كانون الثاني الماضي، بالتظاهر بمشاركة كل قيادات الحزب وعلى رأسها بلال إردوغان وفي المكان نفسه، والآن يتمّ منع تظاهرة مماثلة؟». وأضاف: «لم نطلب السماح لنا بالتظاهر بل بمواكبة أمنية لحفظ سلامة التظاهرة».
من جانبه، تساءل الكاتب محمد أوجاقتان، في صحيفة «قرار»، عمّا إذا كان الموقف التركي من غزة قد تغيّر في عهد ترامب. وقال: «إذا كان إردوغان يعتبر قضية فلسطين قضية وطنية، فلماذا إذاً يمنع قيام المعارضة من التظاهر عند جسر غلطه سراي؟ ألا يُفترض بحزب العدالة والتنمية أن يشعر بالفرح من تظاهرة يقوم بها حزب الشعب الجمهوري دعماً لغزة؟ لكنّ الحال عكس ذلك، إذ يريد العدالة والتنمية أن يحتكر حتى التظاهر لدعم غزة لحسابات سياسية داخلية. وهذا لا يفيد لا غزة ولا القضية الفلسطينية».
وفي سياق متصل بالقضية الفلسطينية، تساءل النائب عن «الشعب الجمهوري»، أوتكو تشاكر أوزير، عن سبب عدم وجود تركيا في «مجموعة لاهاي» التي تشكّلت أخيراً من تسع دول هي: بيليزي، وبوليفيا، وكولومبيا، وكوبا، وهندوراس، وماليزيا، وناميبيا، والسنغال، وجنوب أفريقيا، والتي دعت إلى مقاطعة السفن التي تحمل وقوداً أو أسلحة وتتّجه إلى إسرائيل. وسأل: «لماذا لم تنضمّ تركيا إلى المجموعة، وفيها دولتان مسلمتان هما السنغال وماليزيا؟ ولماذا تجاهلتها تركيا ولم تعلن حتى عن دعمها؟ ولماذا لم تبذل تركيا أيّ جهد في إطار منظمة التعاون الإسلامي ومنظمة الدول التركية لمواجهة خطّة ترامب للتهجير؟».
* الأخبار البيروتية