كل ما يجري من حولك

«حرب» نتنياهو – ابن سلمان: هل تذهبُ الرياضَ إلى النهاية؟

30

متابعات..| تقرير*

فرض تصريح رئيس وزراء العدو، بنيامين نتنياهو، الذي دعا فيه إلى إقامة دولة فلسطينية على أراضي السعودية، على الرياض استعادة شيء من تاريخ كانت قد غادرته منذ زمن، في ما يخصّ الصراع مع إسرائيل، ووضعَ خطط التطبيع الذي بدا وشيكاً في أكثر من محطة خلال السنوات الماضية، على الرفّ في الوقت الراهن. لكن المؤشر الأساسي لكلام نتنياهو هو أن إسرائيل ليست معنيّة إلا بتطبيع غير مشروط، بعد المكاسب التي حقّقتها بدعم أميركي في حروب السنة ونصف السنة الأخيرتين.

فالمشروع الإسرائيلي لا يضع التطبيع في مرتبة متقدّمة على سلّم أولوياته، وإنما التوسع والضمّ الذي لا يمكن أن يسير جنباً إلى جنب مع التطبيع في الظروف الحالية. والتوسّع هنا يتجلّى في مشروع تهجير سكان قطاع غزة، الذي طرحه الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، والسماح لإسرائيل بضم أجزاء من الضفة الغربية، وتعزيز سيطرتها على ما احتلته من أراض جديدة في سوريا، وربما البقاء في بعض النقاط الاستراتيجية في لبنان.

ومن السذاجة الافتراض أن ترامب ونتنياهو، اللذين بات واضحاً أنهما يحيكان شيئاً كبيراً، لا على مستوى الشرق الأوسط فحسب، وإنما على مستوى العالم كله، لم يكونا يقدّران ردود الفعل العربية على طرح مثل هذه المشاريع التي لا تهدّد فقط أنظمة بعض الدول العربية الموالية للغرب، وإنما أيضاً كيانات هذه الدول نفسها. وعلى الرغم من أن اللهجة السعودية كانت عنيفة على غير المعتاد في مواجهة طرح نتنياهو، واستنهضت موقفاً عربياً جامعاً خلف المملكة، لكن الرجلين يبدوان مطمئنين إلى محدودية قدرة العرب على إحباط مشاريعهما، كونهما يعتبران أن لا ملجأ للأنظمة العربية الحاكمة، سوى الولايات المتحدة نفسها التي أمكنها على الدوام أن تكون الخصم والقاضي في آن معاً، في ما يخص الصراع العربي – الإسرائيلي، وتحديداً القضية الفلسطينية، وإن لم يكن بالوقاحة التي تظهر في لهجة كل من نتنياهو وترامب حالياً.

فعلى سبيل المثال، توجّه وزير الخارجية المصري، بدر عبد العاطي، إلى واشنطن لمحاولة إقناعها بالعدول عن فكرة تهجير فلسطينيّي غزة إلى مصر والأردن، ووافاه الملك الأردني، عبد الله الثاني، إلى هناك للغرض نفسه. فالنظامان المصري والأردني مرتبطان في أسباب بقائهما بالولايات المتحدة والمساعدات التي تقدّمها لهما، ولا يختلف الأمر كثيراً بالنسبة إلى دول أخرى كالسعودية، التي تحتاج إلى رعاية وحماية أميركية وليس إلى مساعدات.

المملكة حائرة بين تهديد نتنياهو وتهديد الشارع

والواقع أن مشروع نتنياهو، الذي يبدو منسّقاً مع ترامب، يقوم على «فرض السلام بالقوة»؛ ولذا، هو ينطلق من أن تطبيع العلاقات مع السعودية لن يكون ممكناً إلا في حال القضاء على حركة «حماس» في قطاع غزة، وإضعاف إيران بشكل أكبر. والتفسير الوحيد لهذا الكلام هو أن وليّ العهد السعودي، محمد بن سلمان، سيكون مجبراً على التطبيع بعد ذلك، بما يعني أن تل أبيب تراهن على القوة ليس فقط ضد المقاومة التي تقاتلها، وإنما أيضاً ضد الدول المستعدة للتطبيع معها ضمن ظروف معينة، والتي أقامت علاقات غير رسمية معها، وساعدتها خلال الحرب بعد 7 أكتوبر، وفتحت لها طرقاً بديلة لإيصال الإمدادات الغذائية بعد الحصار اليمني الذي طاول موانئها.

وعلى رغم ما تقدّم، فإن السياسة التي يعتمدها ترامب، إرضاءً لليمين الإسرائيلي المتطرف، ليست سياسة توافق عليها كل المؤسسة الأمنية والسياسية الأميركية، التي تخشى من أن يؤدي فرضها إلى إضعاف الأنظمة الحليفة للولايات المتحدة في المنطقة، والإضرار بمصالح الأخيرة.

على أي حال، الواضح أن مشروع ترامب ونتنياهو هو الاستفادة من التغيرات الكبيرة التي حصلت في الشرق الأوسط، لفرض وقائع تتجاوز هذه المنطقة لتشمل أماكن أخرى في العالم، حيث يسعى ترامب بشكل واضح إلى استكمال مشروعه للتغيير في الداخل الأميركي والخارج، من حيث انتهى في ولايته الأولى. ومن ضمن هذا المشروع، الحديث عن ضم كندا وغرينلاند والسيطرة على قناة بنما، وأيضاً فرض رسوم جمركية مرتفعة على السلع المستوردة من الشركاء التجاريين الرئيسين الذين هم المنافسون الأساسيون لبلاده. وحتى إن كان يعلم عدم قابلية كل ما يطرحه للتحقيق، فإنه سيضع الآخرين في موقف دفاعي أضعف إذا حان وقت المساومة. والهدف «جعل أميركا عظيمة مجدداً» يحكمها البيض وحدهم، وتتحكّم بصورة أكبر بالعالم من خلال القوة الاقتصادية والعسكرية.

هذه بلطجة، ومن سيستجيب لها سيفعل ذلك مرغماً. لكن يمكن – في الحالة العربية – للسعودية أن تغيّر في السياسة الأميركية، ولا سيما في ضوء الرفض السعودي والخليجي والعربي الشعبي العارم لما تفوّه به نتنياهو، والذي للمناسبة، أتاح للناس التعبير عن كرههم لإسرائيل بطريقة كانت سلطات المملكة نفسها تمنعها. ويكفي أن تترك الرياض لمواطنيها التعبير عن آرائهم بحرية في تلك النقطة بالذات، حتى يسقط مشروع ترامب ونتنياهو. لكن طبيعة الأنظمة القائمة في هذه المنطقة تحتّم عليها البحث عن تسويات، ما يعني أنها ستسعى مجدداً إلى كبح الشارع الذي تعتبره هو الآخر تهديداً.

* الأخبار البيروتية
You might also like