انفتاحٌ إماراتي على الشرع: وساطة عربية لحل أزمة الجنوب
متابعات..| تقرير*
في خطوة تحسم موقف الإمارات من الملف السوري، وتفتح الباب أمام علاقات أقوى مع الإدارة السورية الجديدة، وفي ما يبدو أنه انخراط مباشر من جانب أبو ظبي في لعبة التوازنات الدولية القائمة في سوريا – في ظل تنامي قوة أقطاب عديدة هناك، وعلى رأسها تركيا، المتحكّم الأبرز في ما يجري، إلى جانب قوى أخرى تبحث عن تنمية نفوذها، بينها فرنسا والسعودية وأخيراً الإمارات -، استقبلت الإمارات وزير الخارجية في الحكومة السورية المؤقتة، أسعد الشيباني، الذي وصل للمشاركة في «القمة العالمية للحكومات» في دبي، حيث أجرى سلسلة لقاءات مع مسؤولين عرب وغربيين، إلى جانب لقائه نظيره الإماراتي ونائب رئيس الوزراء، عبدالله بن زايد.
وتأتي زيارة الشيباني بعد نحو 20 يوماً على اتصال هاتفي بين الشرع والرئيس الإماراتي، محمد بن زايد آل نهيان، وبعد نحو أسبوع على إرسال الإمارات برقية تهنئة إلى الرئيس السوري في المرحلة الانتقالية. وتهدف الزيارة، وفقاً لمصادر مطّلعة، إلى التمهيد لأخرى منتظرة سيجريها الشرع إلى الإمارات خلال الأسبوعين المقبلين، في سياق محاولاته تسويق سياسة «صفر مشاكل» التي أعلن تبنّيها عبر تحييد سوريا عن جميع الصراعات الإقليمية والدولية.
وتجيء هذه التطورات فيما من المنتظر أن تلعب الإمارات، بالإضافة إلى السعودية والأردن، دوراً بارزاً في حل أزمة الجنوب السوري، وبشكل خاص بشأن قوات «اللواء الثامن»، المقرّب من روسيا، والذي يرفض تسليم أسلحته والانخراط في هيكلية وزارة الدفاع الجديدة، والتي تتم صياغتها بإشراف تركي. في هذا السياق، تكشف المصادر أن الأردن بدأ الانخراط بوساطة وُصفت بأنها عميقة، تهدف إلى الوصول إلى مقاربة تضمن انخراط «اللواء الثامن» في مشروع الوزارة الجديدة، مقابل تعهّدات واضحة بعدم استئثار الشرع بالسلطة، إلى جانب ضمان مراكز ثقل واضحة للقوى التي لا تزال تتمسّك بأسلحتها، ومن بينها السويداء، على أن تسري تلك المرحلة بشكل تدريجي بالتزامن مع التحضيرات لمؤتمر حوار وطني موسّع، والتي من المنتظر الإعلان عن لجنة تحضيرية مصغّرة لها خلال الفترة المقبلة.
وإلى جانب الدور البارز في حل أزمة الجنوب السوري، يسعى الشرع، من خلال توسيع قنوات تواصله مع الإمارات، إلى دفع البلد النفطي الغني إلى منح مزيد من المساعدات لـ«صندوق التعافي المبكر» الذي أنشأته الأمم المتحدة في دمشق. ومن المنتظر أيضاً، أن تلعب قطر والسعودية والكويت دوراً متقدّماً في دعم الصندوق المشار إليه، خصوصاً بعد الاستثناءات التي قدّمتها الولايات المتحدة، ومعها دول الاتحاد الأوروبي، من بعض العقوبات التي تسمح بدعم هذا الصندوق، الذي سيعمل على إعادة تأهيل بعض البنى التحتية الرئيسية بشكل يسمح بعودة اللاجئين السوريين، ووقف موجات اللجوء المستمرة نحو أوروبا.
تتابع روسيا تمسكها بسياستها الانفتاحية على الإدارة السورية الجديدة، في محاولة لاستعادة العلاقات التاريخية بين البلدين
بدوره، يبدو الأردن، الذي تربطه بفصائل درعا علاقة متينة، ويُعتبر أحد أبرز المتضررين من أزمة اللجوء، في ظل استقباله 1.8 مليون سوري يشكّلون ثقلاً كبيراً على اقتصاد المملكة التي تعتبر المساعدات الدولية وطرق عبور الشاحنات (الترانزيت) أحد أبرز مصادر دخلها، أكثر الأطراف حماسة، خصوصاً أن الأزمة السورية أدّت إلى تراجع حركة عبور الشاحنات إلى حدود غير مسبوقة، الأمر الذي أضرّ بحركة التجارة بين دول الخليج وتركيا وأوروبا، ضمن شبكة طرقات دولية كانت، قبل اندلاع الحرب في سوريا عام 2011، تمر عبرها غالبية حركة التبادل التجاري البرية. وفي خطوة تهدف إلى تسريع وتيرة تعافي حركة عبور الشاحنات بين البلدين، أعلن مدير العلاقات في «الهيئة العامة للمنافذ البرية والبحرية» في سوريا، مازن علوش، أمس، إعفاء الشاحنات السورية الداخلة إلى الأراضي الأردنية من جميع الرسوم التي كانت مفروضة سابقاً».
وتأتي هذه الخطوة بعد أقل من شهر من إعلان الجانب السوري إعفاء المستوردات من الأردن من الرسوم الجمركية، علماً أن سوريا تُعتبر أحد أبرز مصادر سلة متنوعة من المواد الغذائية (بشكل خاص المحاصيل والفواكه)، يعتمد عليها الأردنيون. وفي السياق نفسه، أعلن علوش توصل «الهيئة»، بعد مباحثات مع وزارة التجارة التركية، إلى اتفاق يقضي برفع القيود المفروضة على تصدير البضائع والمنتجات السورية إلى الأسواق التركية، إضافةً إلى السماح بإعادة تفعيل حركة الترانزيت عبر الأراضي التركية نحو الدول الأجنبية، الأمر الذي من شأنه تعزيز التعاون الاقتصادي والتبادل التجاري المشترك بين البلدين.
من جهتها، تتمسك روسيا بسياستها الانفتاحية على الإدارة السورية الجديدة، في محاولة لاستعادة العلاقات التاريخية بين البلدين، والتي تضررت بشكل كبير بعد سقوط نظام بشار الأسد الذي كان يلقى دعماً من قِبل موسكو، وتزايد الضغوط على الأخيرة التي تمتلك قاعدتين عسكريتين في سوريا (حميميم الجوية وطرطوس البحرية)، في سياق المحاولات الأوروبية لاستثمار سقوط الأسد وإخراج روسيا من سوريا. وعلى الرغم من الاحتفاظ الروسي بالقاعدتين المذكورتين، وتحاشي الإدارة السورية الجديدة الحديث عنهما في الوقت الحالي، يعاني الجنود الروس من مضايقات مستمرة، آخرها ما كشفته وكالة «الأناضول» التركية حول منع قافلة عسكرية روسية، مكوّنة من 30 مركبة تحمل صواريخ، قادمة من «قاعدة حميميم» الواقعة في محافظة اللاذقية، من دخول قاعدة عسكرية في محافظة طرطوس. وبحسب الوكالة، فقد تمّ تأخير القافلة نحو 8 ساعات من دون أن يتم السماح لها بإكمال رحلتها إلى القاعدة المستهدفة، لتعود بعد انتظار طويل إلى «حميميم» في نحو الساعة الخامسة مساءً، وفقاً للوكالة.
وفي وقت لم تصدر فيه روسيا أي بيانات تنفي أو تؤكد هذه الحادثة، قال المبعوث الخاص للرئيس الروسي إلى الشرق الأوسط وأفريقيا، ونائب وزير الخارجية، ميخائيل بوغدانوف، ردّاً على سؤال عن «كيفية تأثير السلطة في سوريا على موازين القوى في المنطقة»، وعمّا إذا «تغيرت أولويات روسيا في الشرق الأوسط في هذا الصدد»، إن روسيا ستواصل تقديم المساعدات للسوريين. وأضاف، في تصريح إلى صحيفة «إزفيستيا» الروسية: «تمر سوريا اليوم بأوقات عصيبة. ونأمل أن ينجح شعبها في التغلب على الصعوبات العديدة التي نتجت من الأزمة التي طال أمدها في البلاد»، متابعاً أنه «لطالما كانت سوريا شريكاً مهماً لروسيا في العالم العربي وعلى الساحة الدولية.
لقد كانت العلاقات بين بلدينا تاريخياً ودية وقائمة على مبادئ الاحترام المتبادل ومراعاة مصالح بعضنا البعض. وأعتقد بأنها ستستمر في التطور على أساس المساواة والمنفعة المتبادلة». وفي الوقت نفسه، أكّد أن «الأحداث التي أدّت إلى تغيير القيادة في سوريا في كانون الأول 2024 لا تغيّر من توجهاتنا المبدئية. لطالما دعمنا ولا نزال ندعم سيادة الجمهورية العربية السورية ووحدتها وسلامة أراضيها. ونحن نعتقد بأن مستقبل البلاد يجب أن يحدده السوريون أنفسهم من خلال حوار وطني واسع النطاق، مع مراعاة المصالح المشروعة لجميع القوى السياسية والمجموعات الإثنية والدينية».
* الأخبار البيروتية