الدعم الخارجي.. للفتنة فقط: لا حلولَ لأزمات المحافظات الخاضعة للتحالف
متابعات..| تقرير*
في بداية تسلّمه مهام رئاسة الحكومة الموالية للتحالف السعودي – الإماراتي، عمد أحمد بن مبارك إلى تفقّد المؤسسات الخدمية العامة، والتقى الموظفين والمواطنين واستمع إلى شكاواهم بخصوص أداء المؤسسات الحكومية. ونشرت وسائل الإعلام الحكومية تلك الشكاوى، ومنها ارتفاع الأسعار والظروف المعيشية السيئة مقارنة بالمرتبات المتدنية.
وعلى المستوى السياسي، عقد ابن مبارك مؤتمرات وورشاً حضرتها وفود أممية ومن الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ودول الخليج، بهدف إطلاق عملية إصلاح شاملة في مؤسسات الدولة تتضمّن خمسة محاور، هي: إعادة هيكلة المؤسسات، ورفع المرتبات، وإصلاح سياسة التوظيف، وبناء القدرات، والأتمتة والتحوّل الرقمي.
وشدّد ابن مبارك في هذه اللقاءات على أن الإصلاحات ليست مجرد أهداف تطمح حكومته إلى تحقيقها، بل هي خطوات ضرورية لضمان استدامة المؤسسات وتحقيق تطلعات الشعب إلى بناء دولة قوية متماسكة وعادلة.
وبالفعل، اعتقد المواطنين في جنوب اليمن، لوهلة، بأن ابن مبارك وضع عجلة البلاد على الطريق الصحيح. لكنّ الوعود العرقوبية والأحلام الوردية لم تطل كثيراً، بل سرعان ما انكشفت عن عملية خداع منظّمة عن سابق تصور، ليتبيّن الفارق الكبير بين الشعارات والمزايدات وتصفية الحسابات، وبين الواقع على الأرض، والقائم على الإقصاء والاستقواء لقمع المخالفين، واستغلال المرحلة للمصالح الشخصية والفئوية والمناطقية، والانبطاح للخارج على حساب المصالح الوطنية.
هكذا، أوصل القادة السياسيون في جنوب اليمن، والغارقون في الفشل والعجز وانعدام الإرادة السياسية والأخلاقية، مواطنيهم إلى لحظة انعدام الثقة الكامل بهم. وفي كل مرة تتفاقم فيها الأزمات، ينبري المسؤولون إلى الإدلاء بمواقف رسمية تعد بالمعالجة وتصحيح الاختلالات، لكن سرعان ما يكتشف المواطن أن تلك الوعود مجرد مسكّنات مؤقتة، ليعود الوضع إلى أسوأ مما كان عليه.
الدول الداعمة لحكومة عدن تريد فقط إذكاء الصراعات الداخلية والتجهيز لقتال صنعاء
ولذا، لم يعد همّ المواطن الإصلاحات الجذرية المزعومة، بقدر ما هو دفع المرتبات وعدم تأخيرها لأشهر طويلة، فيما بات أقصى ما يطمح إليه عودة الكهرباء بعد أن شهدت عدن ظلاماً تاماً لم تعرفه حتى في أشد سنوات الحرب قسوة، في ظل وجود حكومة ابن مبارك و”المجلس الرئاسي” المدعوم من الخليج وأوروبا والولايات المتحدة، وكأنّ الدعم والاحتضان من تلك الدول موجهان فقط لإذكاء الصراعات الداخلية والتجهيز لقتال حكومة صنعاء.
وبدل أن تقوم الدول الداعمة للحكومة بتحسين الظروف المعيشية والخدمية للمواطنين، تستمر في النفخ في بوق الفتنة والاقتتال الداخلي. وفي هذا الإطار، رأى “معهد دول الخليج العربية في واشنطن” أن قرار ترامب إعادة تصنيف “أنصار الله” حركة إرهابية عالمية يمنح حكومة ما يسمى الشرعية فرصة لتجفيف شبكات تمويل الحركة، ويتيح لـ “المجلس الرئاسي” والبنك المركزي في عدن فرصة فرض قيود مصرفية شاملة على صنعاء. واعتبر المعهد هذا القرار انتصاراً دبلوماسياً لحكومة عدن، والتي بدأت بتنسيق العقوبات مع الشركاء الدوليين، وتوقّع أن تؤدي هذه الخطوة إلى تصعيد عسكري مع صنعاء.
على أن أزمة الكهرباء ليست الوحيدة التي تضغط على كاهل المواطن في جنوب اليمن، بل إنها واحدة من سلسلة طويلة من الأزمات أبرزها انهيار العملة، وارتفاع الأسعار، وانعدام الخدمات الصحية، وانتشار الجريمة.
وفي أزمة الكهرباء الأخيرة، صمت المسؤولون صمت القبور، إذ لم يعد في جعبتهم أي شيء ليقولوه لمواطنيهم. فـ”المجلس الانتقالي الجنوبي” برئاسة عيدروس الزبيدي المقيم في أبو ظبي، لطالما هدّد شركاءه بالحكم الذاتي لمناطق الجنوب، إلا أن أوراقه انكشفت بتبعيته المطلقة للجانب الإماراتي المحكوم بالتوازنات الخليجية وعدم قدرته على الخروج عن السقف السعودي المرسوم لجميع الأطراف، فضلاً عن أنه شريك ومكوّن أساسي يمتلك نصف المقاعد الوزارية في حكومة عدن، وبالتالي يتحمّل مسؤولية مباشرة ولا يستطيع ادّعاء البراءة من الأوضاع المتردية.
أما صمت “مجلس الرئاسي” فهو ناتج من فقدان الثقة الشعبية به من جهة، وفقدان المقرات في فندق “الريتز” في الرياض من جهة أخرى. ووفق مصادر وتقارير صحافية، اضطر رئيس المجلس، رشاد العليمي، إلى مغادرة الفندق المذكور، وانتقل مع فريقه إلى فنادق أقل رفاهية داخل الرياض، أو مساكن خاصة. ومن هنا، فإن ما يُحكى عن خطوات لتطويق أزمة الكهرباء وبقية الأزمات والحدّ من تداعياتها، قام بها العليمي، ما هي إلا ذرّ للرماد في العيون.
وتمثّلت تلك الخطوات باجتماعات عقدها العليمي مع ابن مبارك ومحافظ البنك المركزي، أحمد المعبقي، وعدد من الوزراء من بينهم وزيرا المياه والبيئة، توفيق الشرجبي، والكهرباء والطاقة، مانع بن يمين، ومحافظ عدن، أحمد لملس، لمناقشة مستجدات الأوضاع الاقتصادية والخدمية والمعيشية، والوقوف “على معاناة المواطنين جراء خروج محطات الكهرباء عن الخدمة”.