انتقادات لاذعة: خطة ترامب لتهجير الفلسطينيين.. قابلة للتنفيذ
متابعات..| تقرير*
أخذت تصريحات ترامب يوم أمس خلال لقائه برئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، ضجة كبيرة في مختلف أنحاء العالم، وعلى وجه الخصوص في المنطقة العربية، فقد أثار ترامب ردود فعل دول عربية عديدة أعربت عن رفضها لتصريحاته، من بينها السعودية ومصر والأردن وقطر، فضلاً عن الفلسطينيين أنفسهم، بالإضافة إلى الجمهورية الإسلامية الإيرانية التي عبّرت عن رفضها “بتهجير الفلسطينيين قسراً”، بعدما كرر ترامب تعليقاته الداعية إلى نقل الفلسطينيين إلى دول، مثل مصر والأردن.
وتوالت التعليقات الغربية أيضاً على قول ترامب أثناء مؤتمره الصحفي بأن“الولايات المتحدة ستتولّى السيطرة على قطاع غزة”، وكان للداخل الأميركي حصة كبيرة من المواقف الصادرة من المعسكرين الديمقراطي والجمهوري، وزخرت الكتابات العبرية المتباينة، بالتعليق على تصريحات ترامب، فاعتبر البعض منها بأنها فرصة لتعزيز أمن إسرائيل وإعادة تشكيل الواقع الإقليمي، فيما يحذر آخرون من تداعياته السلبية المحتملة على المستويات الإنسانية والسياسية والأمنية، والجدير ذكره بأن 82% من اليهود يؤيدون تهجير سكان قطاع غزة. بحسب استطلاع معهد سياسات الشعب اليهودي.
الموقف العربي يرفض خطة ترامب
يُظهر الموقف العربي من مقترح ترامب إجماعاً رافضاً للخطة على المستويين الرسمي والشعبي، حيث تعتبرها الدول العربية محاولة لتفريغ الأراضي الفلسطينية من سكانها وإعادة إنتاج نكبة جديدة. جاءت مواقف الدول العربية مدعومة بإطار قانوني يستند إلى اتفاقيات جنيف والقانون الدولي الإنساني، فيما استخدمت بعض الحكومات القنوات الدبلوماسية للتأكيد على رفضها. في المقابل، تعكس التغطية الإعلامية والمواقف الحقوقية مخاوف من أن تكون الخطة جزءًا من مسار سياسي يسعى إلى تصفية القضية الفلسطينية، بدلًا من تقديم حلول عادلة ودائمة للصراع.
تباين في الموقف الإسرائيلي
في اتجاهٍ آخر، تعكس التغطية الإعلامية والتحليلات الإسرائيلية تبايناً في المواقف تجاه مقترح ترامب لتهجير الفلسطينيين. فبينما يرى البعض فيه فرصة لتعزيز أمن إسرائيل وإعادة تشكيل الواقع الإقليمي والجيوسياسي، يحذر آخرون من تداعياته السلبية المحتملة على المستويات الإنسانية والسياسية والأمنية. واعتبر البعض بأن هذه الخطوة تمثل تحولاً كبيراً في السياسة الأمريكية تجاه الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني. فيما رأى آخرون بأن تنفيذ مثل هذه الخطة قد يؤدي إلى تداعيات سلبية على صورة إسرائيل الدولية ويزيد من تعقيد الصراع.
في هذا السياق، كتب دانيال ليفي، في صحيفة نيويورك تايمز، مقالاً بعنوان “شروع تهجير الفلسطينيين لن ينجح أيًّا كانت الظروف“، يقول فيه بأن “ترامب معروف بتهديداته، وليس واضحاً ما إذا كان هو ونتنياهو سيضعان أولوية لهذا الموضوع”، وأشار إلى إمكانية أن يكون الهدف فعلاً هو تطبيق المشروع المذكور. كما لفت في هذا السياق إلى أن عدداً من الشخصيات التي عيّنها ترامب في إدارته تؤيّد علنًا “إسرائيل” كبرى، تكون ملكًا لليهود وحدهم، وسمّى هنا إليز ستيفانيك التي اختيرت لتكون سفيرة واشنطن لدى الأمم المتحدة، ومايك هوكابي الذي اختير ليكون سفير واشنطن لدى الكيان.
واستبعد الكاتب أن يصبح الفلسطينيون أكثر استعداداً للانتقال في حال استؤنفت الحرب، مضيفاً أن “إسرائيل” فشلت في هزيمة حماس وأيضاً في سحق عزيمة الشعب الفلسطيني. وتحدث عن تناقض واضح بين كلام ترامب وصمود الشعب الفلسطيني. ولفت أيضاً إلى أن مئات الآلاف عادوا إلى شمال غزة خلال الأيام القليلة الماضية وهم مصمّمون على إعادة بناء حيواتهم.
ولاحظ الكاتب أن لا وجود لمعطيات تفيد بأن الدول العربية ستموّل هكذا عملية نزوح أو تلعب أيّ دور فيه، أو أن تستقبل النازحين. وخلص في الختام إلى أن المساهمة في تطهير غزة من الفلسطينيين لن تنفع المصلحة الأميركية وستقوّض أكثر مكانة أميركا في العالم.
في هذا السياق، اعتبر 52% من الجمهور اليهودي في إسرائيل، بحسب استطلاع لمعهد “سياسات الشعب اليهودي” أن تهجير سكان قطاع غزة إلى دول أخرى هو خطة “عملية”، وقال 30% آخرون إن هذه الخطة “غير عملية، لكن ليتها تتحقق”، أي أنهم يؤيدونها لكنهم يعتقدون أنه لا يوجد احتمال لتنفيذها، ما يعني أن 82% من اليهود يؤيدون تهجير سكان قطاع غزة.
فيما اعتبر الكاتب لازار بيرمان، في مقال في صحيفة تايمز أوف إسرائيل بعنوان خطة ترامب بشأن غزة لن تتحقق، لكنها قد تهز المنطقة بالتأكيد، بأن اقتراح ترامب يحمل العديد من المخاطر والفرص.
وأشار إلى أن إفراغ غزة من الفلسطينيين هو حلم اليمين المتطرف في إسرائيل، والاستماع إلى دعم الرئيس الأميركي لهذه الفكرة من شأنه أن يجعل القوميين المتطرفين يعتقدون أن هذا الهدف يمكن تحقيقه.
وأضاف “حتى لو تمكن نتنياهو من إخراج حماس من غزة، فلن يكون ذلك كافياً بالنسبة لبعض شركائه في الائتلاف الحاكم. وسوف يرغبون في رؤية نتنياهو يعمل على تنفيذ خطة ترامب، وقد يهددون بقاءه السياسي إذا عارض الفكرة”.
الموقف الأميركي بين دعم خجول وانتقاد لاذع
لم يصدر أي تعليق رسمي مباشر من الإدارة الأمريكية الحالية، عدا تصريح المتحدثة باسم البيت الأبيض، كارولين ليفيت، التي قالت إن إدارة الرئيس دونالد ترامب لن ترسل قوات أمريكية إلى غزة، بعدما ترك الرئيس الأمريكي الباب مفتوحاً أمام ذلك بقوله “الولايات المتحدة ستتولى السيطرة على القطاع، وسنفعل ما هو ضروري”.
وأضافت ليفيت، في إحاطة صحفية، الأربعاء: “لم يلتزم الرئيس بإرسال قوات برية على الأرض في غزة… لن تدفع الولايات المتحدة تكاليف إعادة بناء غزة”، وتابعت أن إدارته “لن تنفق أموال دافعي الضرائب الأمريكيين على إعمار غزة، بل ستعمل مع الشركاء في المنطقة لإعادة بناء القطاع”.
بينا تؤكد الإدارة الحالية أن ترامب ونتنياهو سيناقشان المرحلة الثانية من محادثات وقف إطلاق النار في غزة والإفراج عن الأسرى، وأن ترامب يعتقد أنّ إعادة إعمار غزة ستستغرق 10 إلى 15 عاماً، وأنه يركز على إطلاق سراح جميع الأسرى وضمان عدم قدرة حماس على الاستمرار في الحكم. كما صرحت الإدارة أن ترامب ونتنياهو سيناقشان إمكانية التوصل إلى اتفاق تطبيع بين “إسرائيل” والسعودية. من دون حسم موقفها تجاه مقترح ترامب. ما يجعل المقترح غير منسجم مع المواقف الأمريكية التقليدية.
لكن كيف كانت مواقف المعسكرين الجمهوري والديمقراطي تعليقاً على تصريحات ترامب؟
بالنسبة للمعسكر الجمهوري، يتبنى بعض الجمهوريين مواقف داعمة أو محايدة تجاه الخطة، إذ يعتبرها البعض طرحاً “غير تقليدي” لكنه يستحق الدراسة كجزء من استراتيجية أوسع لإعادة تشكيل معادلات النفوذ في الشرق الأوسط. ومع ذلك، فإن الدعم ليس مطلقاً، إذ أبدى بعض المحافظين الجدد تحفظاتهم بشأن التداعيات الأمنية والجيوسياسية لمثل هذا الإجراء.
أما المعسكر الديمقراطي فقد جاء أكثر انتقاداً، حيث وصفوا المقترح بأنه “غير واقعي” و”انتهاك للقانون الدولي”. وعبرت شخصيات بارزة، مثل السيناتور بيرني ساندرز والنائبة رشيدة طليب، عن رفض قاطع، معتبرين أن أي محاولة لفرض “إعادة التوطين القسري” للفلسطينيين تمثل “تهجيراً ممنهجاً” ومخالفة لقرارات الأمم المتحدة. وأكدت منظمات مثل هيومن رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية أن أي خطة لإعادة توطين الفلسطينيين دون موافقتهم تعد انتهاكاً لحقوق الإنسان واتفاقية جنيف الرابعة، محذرة من تبعاتها القانونية والأخلاقية.
يُظهر الجدل الغربي والعربي والعبري حول مقترح ترامب لتهجير الفلسطينيين انقساماً واضحاً بين مختلف الأطراف. فبينما يرى بعض المؤيدين للمقترح أنه قد يشكل إطاراً غير تقليدي لإعادة ترتيب المنطقة، تعارضه الأصوات الأخرى باعتباره غير عملي ويشكل انتهاكاً للقانون الدولي. وفي المجمل، تتجه آراء الأغلبية إلى اعتبار المقترح غير قابل للتنفيذ سياسياً ودبلوماسياً، نظراً للموقف الدولي والعربي الرافض والمخاوف الأمنية المترتبة عليه، بالإضافة إلى الرفض الفلسطيني القاطع، ومن المستبعد جداً أن تقوم واشنطن بإنزال قوات عسكرية إلى قطاع غزة، أو احتلال القطاع بشكل مباشر، ويبدو أن هذا التصريح يدخل في سياق التهويل، بل يرتبط بقضايا أخرى كملف التطبيع السعودي الإسرائيلي، لترويج التطبيع في المنطقة العربية كبديل عن حكم قطاع غزة والتهجير القسري للشعب الفلسطيني وتوطينهم في الدول المجاورة.
* الخنادق