كل ما يجري من حولك

خطة ترامب تغري نتنياهو: التملُّصُ من اتفاق غزة أسهل

25

متابعات..| تقرير*

أبدى رئيس الحكومة الإسرائيلية، بنيامين نتنياهو، دعماً واضحاً لرؤية الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، في شأن تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة إلى خارجه، واصفاً إيّاها بأنها «أول فكرة جيّدة وخارجة عن المألوف». وفيما شدّد على ضرورة دراستها وتطبيقها، اعتبر أنها قد تخلق مستقبلاً مختلفاً للجميع. على أن هذا التأييد لا يرتبط فقط برغبة نتنياهو في ترحيل الفلسطينيين – وهي رغبة يشترك فيها معظم الإسرائيليين -، بل وأيضاً بكونه يرى فيها حبل نجاة لحكومته وائتلافه الذي يطالب باستئناف الحرب في غزة والامتناع عن المضيّ قُدماً في مفاوضات المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار.

وإذ تتبقّى لدى نتنياهو نحو ثلاثة أسابيع قبل انتهاء المرحلة الأولى من الاتفاق، وهو وقت طويل نسبياً في سياق التطوّرات المرتبطة برؤية ترامب، فمن المحتمل ألّا يتم إحراز أي تقدّم في مفاوضات المرحلة الثانية والتي يُفترض أن تنطلق خلال تلك الفترة أيضاً، خاصّة إذا استغلّ رئيس الحكومة الإسرائيلية الفرصة لتأجيل استحقاق إنهاء الحرب، التي تخشى تل أبيب وقفها مع ما سيترتّب عليه من انسحاب من القطاع، بما يشمل وادي غزة (محور نتساريم) ومعبر رفح ومحور «فيلادلفيا»، فيما تبقى حركة «حماس» مسيطرة على غزة مدنياً وعسكرياً. وعليه، بالنسبة إلى نتنياهو وكثيرين غيره، فإن استمرار الحرب لاستمرارها فحسب، أفضل بكثير من إنهائها من دون تحقيق أهدافها؛ وذلك ما يفسّر حديث مصادر مقرّبة من نتنياهو، عن أن هذا الأخير يخطط لتمديد المرحلة الأولى من خلال تقديم «نبضات» صغيرة من الإجراءات، من مثل الإفراج عن عدد محدود من الأسرى الفلسطينيين، تفادياً للوصول إلى المرحلة الثانية.

وبمعزل عن حسابات نتنياهو وحلفائه، فالأكيد أن رؤية ترامب تلقي بظلالها على جميع المستويات، بما في ذلك ملف وقف إطلاق النار في غزة. ولذا، فإن رئيس الوزراء الإسرائيلي سيكون معنياً، إن لم يكن مضطراً أيضاً، للانتظار، لمعرفة ما تحضّر له واشنطن، التي يَظهر أنها أعدَّت خطّة غزة للتنفيذ، وليس لأهداف العلاقات العامة، على رغم أن أسلوب طرحها كان متطرّفاً، وأثار ردود فعل معارضة. وفي ضوء ما سبق، يُتوقَّع أن تنتظر إسرائيل لمعرفة ما إذا كانت الإدارة الأميركية مصرّة على رؤيتها، أم أن المعارضة التي واجهتها ستدفعها إلى تعديلها أو حتى إلغائها.

ثمّة في إسرائيل مَن يرى أن استمرار الحرب لاستمرارها فحسب، أفضل بكثير من إنهائها من دون تحقيق أهدافها

وفي هذا الإطار، يرى البعض في إسرائيل أن نجاح ترامب في فرض رؤيته من شأنه أن يولّد سياسة إسرائيلية مختلفة تماماً عمَّا يمكن انتهاجه في حال فشله، فيما يتركّز النقاش، راهناً، حول ما إذا كان الرئيس الأميركي يربط بين نجاح وقف إطلاق النار وإمكانية تحقيق خطته، أو عكس ذلك، مع أن تصريحاته التي أعقبت طرح الرؤية تشير، من وجهة النظر الإسرائيلية، إلى كلا الاحتمالَين. وممّا قاله ترامب، إن إسرائيل ستسلّم قطاع غزة للولايات المتحدة بعد انتهاء القتال وإعادة توطين سكانه في أماكن أخرى، مؤكداً أنه لن تكون هناك حاجة إلى نشر جنود أميركيين في القطاع. وتثير تصريحاته تلك العديد من علامات الاستفهام، في ظلّ عدم وضوح ما سيترتّب عليها، وما إنْ كان ترامب أراد بها الردّ على مواقف أميركية رافضة لاقتراحه إرسال جنود أميركيين إلى غزة.

على الجانب الإسرائيلي أيضاً، ينتشي اليمين هناك بتأثير رؤية ترامب؛ إذ سارع وزير الأمن، يسرائيل كاتس، الحليف المخلص لنتنياهو، إلى توجيه تعليمات إلى الجيش بإعداد خطّة تهجير طوعي للفلسطينيين من غزة، والذي ادّعى أن «حماس تجبرهم على البقاء في القطاع». وتجدر الإشارة إلى أن كاتس يُعدّ شخصية شعبوية، ويُعرف بإطلاقه تصريحات قد تفتقر إلى التروّي أو الدراسة، ما يجعلها أحياناً متضاربة مع التوجهات والمصالح الإسرائيلية. لكنّ كلامه، هذه المرّة، جاء متوافقاً بشكل كبير مع ما يمكن توقّعه من الجيش الإسرائيلي، والذي يُقدّر أن يتعامل مع رؤية الرئيس الأميركي باعتبارها فرصة استراتيجية، سيستغلّها إلى أقصى حدّ ممكن، وصولاً إلى تحقيق الهدف الأبرز فيها – إن أمكن -: تهجير الفلسطينيين.

إلّا أن هذه الخطّة، كما يفترض أن تتصوّرها إسرائيل، يُستبعد تنفيذها بعيداً من الحرب والقتال أو عبر الدفع القسري، علماً أن ثمة خيارين رئيسيَّيْن لإمضائها: استخدام القوّة لدفع الفلسطينيين إلى مغادرة القطاع؛ أو فرض الحصار والتضييق ومنع إعادة الإعمار والبنية التحتية الأساسية اللازمة لاستئناف الحياة الطبيعية، ما يؤدي بدوره إلى دفع السكان إلى الرحيل «طواعية». وهنا، يرى البعض أن أول تداعيات هذه الرؤية هو الحكم المسبق بالفشل على المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار، والتي تبدو فرص نجاحها متدنية جداً، بينما يعتقد آخرون بأنه حتى المرحلة الأولى قد تكون مهدّدة بالفشل.

على أنه لا يزال من المبكر إطلاق الأحكام أو ترجيح التقديرات، إذ إن هناك عدّة مقدّمات لم تُستكمل بعد، والتي من شأنها أن تحدّد المسارات المستقبلية. والحديث هنا لا يدور حول رؤية ترامب بذاتها، والتي يميل كثيرون إلى الاعتقاد بأنها طُرحت ولن تُنفذ، بل بتداعيات هذه الرؤية وتأثيراتها على مآلات الحرب ووقف إطلاق النار واليوم الذي يلي، وذلك في الفترة الفاصلة بين إطلاقها، والحكم عليها بشكل نهائي أو الإقرار بعدم إمكانية تطبيقها.

* الأخبار

You might also like