كل ما يجري من حولك

الغزّيون متروكون للعراء: ليلة الصراع مع العاصفة

29

متابعات..| تقرير*

كانت الرياح تعصف بشدّة في أرجاء حي الشجاعية شرق مدينة غزة، حاملة معها الغبار والمطر، ومتأهّبة لجرف ما تبقّى من حياة بين أنقاض المنازل، ومن بينها خيمة عائلةِ «جندية»، والتي كانت تتمايل بعنف بفعل عصف الرياح والمطر المتسلّل عبر ثقوب «نايلونها» الممزّق. داخل الخيمة، حاولت أم علاء جندية عبثاً تغطية ابنتها الرضيعة ببطانية مبلّلة، بينما علاء (12 عاماً) وحنين (9 أعوام) تشبثا بوالدهما الممسك بدوره بأحد أعمدة الخيمة علّه يمنعها من الانهيار. لكنّ المطر ظل يتساقط بغزارة، ويتسرّب إلى الأرضية الرملية التي تحوّلت إلى وحل بارد غمر أقدام الأطفال العارية. «يا رب، لا تتركنا في هذا العذاب»، تمتمت أم علاء بصوت مرتجف وهي تشدّ الغطاء على الصغيرة التي بدأ جسدها يرتجف من شدّة البرد.

فجأةً، ومع هبوب رياح أقوى، اقتُلعت الخيمة بالكامل؛ فطارت في الهواء قبل أن تسقط بعيداً، تاركة العائلة مكشوفة تحت السماء المظلمة. ارتفع صراخ الطفلين، وأسرع أبو علاء ليحتمي وأفراد عائلته خلف بقايا جدار منزله المدمّر، محاولاً سترهم من الرياح والمطر بجسده. «انتهى الأمر، لم يَعُد لدينا شيء، حتى هذا الغطاء الوحيد أخذته الرياح»، قالت أم علاء لـ»الأخبار»، بينما كان علاء الصغير ينظر إلى السماء، متسائلاً عما إذا كان هذا الوضع سيطول أكثر ممّا ينبغي.

أمّا أم كحيل، فجلست هي الأخرى تحت النايلون الممزّق، تلفّ بطانية رطبة حول طفلتها سمر (4 سنوات)، بينما يمسك زوجها حسن كحيل، وابنهما البكر محمود (14 عاماً)، بحبال الخيمة، علّهما يمنعانها من الطيران مع الرياح العاتية. «لا تترك الحبل، يا محمود! إن طارت الخيمة، سنبقى في العراء»، صرخ الأب، فيما كان المطر يتسلّل إلى الداخل. وفي الخارج، ظلت الرياح تعصف بكل شيء، مسقطة بعض الخيام المجاورة، فيما خرجت العائلات تهرول بحثاً عن غطاء، عن شيء يقيها المطر والبرد.

هكذا، تداخلت أصوات الصراخ والبكاء مع العاصفة، لكنّ أحداً لا يسمع، أو يستجيب. وبعد ساعات من الصراع مع الرياح، انهار أحد أعمدة الخيمة، فسقطت قطعة من السقف المهترئ فوق رأس الأب، ليصرخ بغضب: «أين العالم؟ أين الأمم المتحدة التي تزعم أنها تدافع عن حقوق الإنسان؟ ألا يرون أطفالنا يرتجفون من البرد في هذه الخيام الممزّقة؟!». وأضاف كحيل، لـ»الأخبار»: «لم يَعُد لدينا طعام ولا مأوى، حتى هذه الخيمة التي بالكاد تحمينا، يريدون أن يسلبونا إيّاها.

يواجه سكان قطاع غزة معاناة شديدة نتيجة منع الاحتلال الإسرائيلي إدخال الخيام والمساعدات الإغاثية الضرورية

ماذا يريدون أكثر؟ أن نموت في الشوارع؟». ومع أول ضوء للفجر، كان الأب يحدّق في الركام من حوله، ناظراً إلى خيمة عائلته التي بالكاد صمدت، وإلى جيرانه الذين فقدوا خيامهم، ويبحثون عن أيّ قطعة قماش تقيهم برد الصباح. وتابع الرجل: «نحن لا نطلب القصور، لا نطلب المعجزات… نريد فقط سقفاً وجدراناً، نريد أن نشعر بأنّنا بشر».

ويواجه سكان قطاع غزة معاناة شديدة نتيجة منع الاحتلال الإسرائيلي إدخال الخيام والمساعدات الإغاثية الضرورية، ما يفاقم الأزمة الإنسانية في المنطقة. وفي هذا السياق، انتقدت حركة «حماس» بشدّة الإجراءات الإسرائيلية، معتبرة أن جهود الإيواء وإدخال الخيام إلى غزة أقلّ بكثير ممّا هو مطلوب بالنظر إلى حجم الدمار والكارثة الإنسانية التي تسبّب بها الاحتلال. ودعت الحركة، الدول العربية والإسلامية والمجتمع الدولي إلى ممارسة الضغط على إسرائيل لإدخال الخيام والمساعدات الإغاثية اللازمة.

من جهته، أعرب المدير العام للمكتب الإعلامي الحكومي في غزة، إسماعيل الثوابتة، عن قلقه البالغ إزاء التأخير المستمر في جهود الإغاثة وتوفير المأوى لسكان قطاع غزة المتضررين. وأشار، في حديث إلى»الأخبار»، إلى أن هذا التأخير يُفاقم الأزمة الإنسانية في القطاع، خاصة مع عودة أكثر من نصف مليون نازح إلى مناطقهم في محافظات غزة والشمال، بعد تهجيرهم قسراً منذ بدء العدوان الإسرائيلي.

ولفت الثوابتة إلى أن هناك أكثر من 110 آلاف خيمة مهترئة في القطاع بسبب الظروف الجوية، مضيفاً أن الاحتلال «يماطل في تنفيذ البروتوكول الإنساني الذي ينصّ على إدخال 60 ألف كرفان و200 ألف خيمة مؤقتة إلى قطاع غزة لاستيعاب النازحين». كذلك، أكّد أن استمرار الاحتلال الإسرائيلي في عرقلة دخول المساعدات الإنسانية، بما فيها المواد الأساسية والمستلزمات الضرورية للإيواء، يزيد من معاناة المدنيين ويعرّض حياتهم للخطر، علماً أن التقديرات تشير إلى أن أكثر من 70% من المساكن في غزة قد تضرّرت أو دُمّرت، ما يترك مئات الآلاف من الأسر من دون مأوى.

* الأخبار

You might also like