«تصحير» مخيمات الضفة: العدو يزداد توحّشاً
متابعات..| تقرير*
تمضي إسرائيل في حربها على شمال الضفة الغربية، وفق عقيدة تقوم على إيقاع أكبر قدْر ممكن من الخراب والدمار والقتل، وتحويل الحواضن الشعبية والجغرافية للمقاومة، إلى أماكن غير صالحة للحياة. وعلى تلك القاعدة، يعمل جيش الاحتلال في ثلاث محافظات بالتزامن، هي: جنين وطولكرم وطوباس.
ولا تزال جنين، المصنّفة باعتبارها «قاعدة الإرهاب» المركزية في شمال الضفة، في عين العاصفة، حيث يتركّز فيها، منذ أسبوعين، ثقل العملية العسكرية، من تجريف البنية التحتية، إلى تفجير المنشآت والمباني السكنية، وتنفيذ اعتقالات جماعية، ومداهمة المنازل وإجبار سكانها على النزوح قسراً. وبعدما أخلى جيش الاحتلال المخيّم من سكانه، فهو أجبر سكّان المباني المشرفة عليه، على إخلائها. وقال رئيس بلدية جنين، محمد جرار، في تصريحات صحافية، إن قوات العدو بدأت، صباح أمس، بتهجير حيّ الهدف المطلّ على المخيم، علماً أن مساحته تبلغ ضعفي مساحة المخيم، ويعيش فيه آلاف المواطنين. وبحسب شهود العيان، فإن الدمار الذي أحدثه العدو في جنين، خلال أسبوعين، لا مثيل له، وهو تجاوز بكثير الدمار الذي تسبّب به عام 2002، خلال اجتياح الضفة الغربية ومعركة المخيم، في وقت باتت فيه المدينة منكوبة بالكامل وتعاني نقصاً في الاحتياجات الأساسية، علماً أن عشرات العائلات لا تزال عالقة في المخيم، وهي في أمسّ الحاجة إلى الإنقاذ.
وبات يحاكي الدمار الذي طاول مخيم جنين، ذلك الذي وقع في جباليا وبيت حانون، بعدما بدأ جيش الاحتلال بتقسيم المخيم إلى مربعات يتمّ تجريفها تباعاً، لتسهيل إحكام القبضة العسكرية عليها، وهو ما يدفعه إلى جرف وتفجير كل ما يعيق خطّته من مبانٍ ومنازل، وفق ما أوردته «القناة الـ12» العبرية. وقالت القناة إن «السلطات الإسرائيلية تحاول خلق وضع في جنين، شبيه بذلك الموجود في قطاع غزة»، وإن ما يجري هناك يُعدّ «ترجمة لتصريحات السياسيين الإسرائيليين عن استنساخ نموذج غزة في الضفة الغربية». وفي تعقيب لها على ما يشهده المخيم، قالت «وكالة غوث وتشغيل اللاجئين» إن أجزاء كبيرة منه دُمّرت في تفجيرات نفّذتها قوات الأمن الإسرائيلية، مشيرة إلى أن تلك العمليات أدّت إلى تهجير الآلاف من السكان، لافتةً أيضاً إلى أنها لم تتلقَّ أيّ تحذير مسبق في شأن هذه الانفجارات. على أن المشهد الأكثر قساوة في جنين، تجسّد في جثامين الشهداء الذين نقلتهم الشاحنات تمهيداً لتشييعهم في جنازة صامتة، لم تعلُ فيها الهتافات، فيما اقتصرت المشاركة فيها على عدد قليل من أفراد عائلات الشهداء فقط، وفق الشروط التي وضعها الاحتلال للسماح بدفن 7 منهم في قبر جماعي واحد.
قالت مصادر عسكرية إسرائيلية إن الحملة في الضفة لا تزال في مراحلها الأولى
ويبدو التصعيد المتدحرج في الضفة سيّد الموقف، وهو لن يقتصر بأيّ حال على مخيم جنين، إذ شهدت بلدة طمون التي طاولها العدوان، عمليات تدمير وتخريب مشابهة لِما يجري في جنين وطولكرم. ووفق مصادر رسمية، فإن جيش الاحتلال أجبر نحو 15 عائلة على إخلاء منازلها في البلدة، وحوّل هذه المنازل إلى ثكنات عسكرية، بينما رُصدت الجرافات العسكرية وهي تقوم بأعمال تجريف واسعة في مناطق متفرّقة في محيط البلدة، في محاولة لفصلها عن محيطها. وفي اليوم الثاني من العدوان على طمون، بدا لافتاً زجّ الجيش الإسرائيلي بمصفّحات ومدرّعات أدخلها حديثاً إلى الخدمة في الضفة، بعدما شهدت البلدة، قبل أيام، تفجير جيب عسكري بعبوة ناسفة أسفرت عن مقتل جندي وإصابه ثلاثة آخرين بجروح، خلال دورية لكتيبة الاحتياط التابعة للواء «أفرايم». وتجدر الإشارة إلى أن عربات «إيتان» المصفّحة التي زُجّ بها في طمون، هي عبارة عن ناقلات جنود مدرّعة، دخلت الخدمة للمرة الأولى في أيار 2023، ويستخدمها «لواء الناحال»، وتبلغ قوّة محركها 750 حصاناً، ويمكن أن تصل سرعتها إلى حوالى 90 كيلومتراً في الساعة، كما أن لها ثماني عجلات، تمنحها قدرة عالية على المناورة في التضاريس، وتتسع لـ12 جندياً.
أمّا في طولكرم، فبدا المشهد أكثر قتامة، وأشبه بحالة مخيم جنين، مع إجبار الاحتلال ما يزيد على 75% من سكان مخيم طولكرم (نحو 9000 مواطن) على النزوح قسراً من منازلهم، في وقت واصل فيه الدفع بتعزيزات عسكرية تجاه المدينة، حيث نشر دوريات المشاة بأعداد كبيرة في الشوارع والأحياء ووسط سوق الخُضر. وفي المخيم الذي تعرّضت بنيته التحتية لتدمير واسع، انقطعت الخدمات الأساسية، من مياه وكهرباء واتصالات وإنترنت، فيما يعاني مَن بقي من أهله نقصاً حاداً في المواد الغذائية والطبية ومياه الشرب وحليب الأطفال، ما فاقم الحالة الإنسانية، خاصة مع استمرار محاصرة مستشفيي «الشهيد ثابت ثابت» الحكومي و»الإسراء التخصصي»، وعرقلة عمل مركبات الإسعاف وطواقمها الطبية، وإخضاعها للتفتيش والتحقيق الميداني.
وعلى رغم الدمار الشامل الذي خلّفه الاحتلال خلال أسبوعين، فإن مصادر عسكرية إسرائيلية قالت، مساء الأحد، إن الحملة لا تزال في مراحلها الأولى، مشيرة إلى أنها تستهدف ما تصفه بـ»البنية التحتية للإرهاب». ووفقاً لمصادر إسرائيلية تحدثت إلى وسائل إعلام عبرية، فإن الحملة لا تقتصر فقط على استهداف المسلحين، بل تهدف أيضاً إلى تفكيك الشبكات التنظيمية، وإحكام السيطرة الأمنية على المناطق المستهدفة. وأشارت المصادر إلى أن الأجهزة الإسرائيلية نفّذت سلسلة من الضربات الاستباقية المفاجئة، مضيفة أنه من المتوقع توسيع نطاق العمليات العسكرية خلال الأيام المقبلة.
من جانبها، شكّكت صحيفة «يسرائيل هيوم» في إمكان نجاح العملية في القضاء على المقاومة في شمال الضفة، بعدما فشل الاحتلال في وقفها على مدى عامَي 2023 و2024. ولفتت إلى أنه، منذ السابع من أكتوبر 2023، استشهد أكثر من 850 فلسطينياً في الضفة، في حين تم اعتقال نحو 6000 فلسطيني، إضافةً إلى تنفيذ أكثر من 120 غارة جوية على مناطق متفرقة، كما شنّ الجيش في آب 2023 عمليات عسكرية موسّعة في جنين، امتدّت إلى أجزاء أخرى من شمال الضفة. وأضافت الصحيفة أنه على رغم تراجع المقاومة لفترة قصيرة بعد تلك العمليات، لكن موجة العمليات الفدائية عادت سريعاً، ما دفع الجيش إلى بدء عملية عسكرية جديدة في 21 كانون الثاني 2025، هي الثالثة من نوعها في أقلّ من عامين. ورأت أن الجيش يستخدم في الضفة تكتيكات «أكثر صرامة» تعلّمها من حربه على القطاع، اعتقاداً منه بأنه من خلالها يمكن ردع المقاومة. والآن، بعد مرور نحو أسبوعين على العملية، أعلن أنه سيظلّ موجوداً في جنين وغيرها من المواقع لفترة أطول، وهو ما قد يعني وجوداً أطول في المنطقة، كما فعل في غزة.
* الأخبار