أجندةٌ عسكرية حافلة: إيال زامير رئيساً لأركان العدو
متابعات..| تقرير*
جاء تعيين إيال زامير رئيساً لهيئة أركان الجيش الإسرائيلي، خلفاً لرئيس الأركان المستقيل، هرتسي هليفي، في وقتٍ مُشبع بالتحدّيات والتعقيدات بالنسبة إلى المؤسسة العسكرية الإسرائيلية، إذ سيكون عليها أن تعيد بناء نفسها، وتغيّر عقيدتها، وتستعيد ثقة الجمهور، بعد أحداث السابع من أكتوبر، والتي أثبتت أن كلّ البناء العسكري والأمني السابق، لا يعدو كونه فقاعة لم تصمد أمام الاختبار. كما أن تعيين زامير، والذي يدخل حيّز التنفيذ في آذار المقبل، لا يلغي تعقيدات السياقات التي تواكبه، وتحديداً اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة بمراحله اللاحقة التي يظلّلها اللايقين، فضلاً عن تحدّيات اليوم التالي في غزة، وغيرها من الساحات. وفي ظلّ قضايا متشعّبة وشائكة يواجهها الكيان العبري، فإن الحلول وعوامل نجاحها ليست مرتبطة بإسرائيل فحسب، بل بمجموعة عوامل خارجية، تتداخل وتتباين فيها مصالح الحلفاء والرعاة، مع مصالح إسرائيل، وإنْ كانت الأهداف النهائية شبه متطابقة.
وعليه، من شأن تعيين زامير أن يميط اللثام عن السياسات الإسرائيلية في المرحلة المقبلة، بدءاً من مصير وقف إطلاق النار في غزة، وما إذا كانت الأمور ستتّجه نحو استئناف القتال أو استمرار التسوية؛ علماً أن السياسة المعمول بها كانت تقضي بتأجيل التعيينات في مناصب حسّاسة، في حالة الطوارئ والحروب أو إمكان نشوبها. كذلك، لا تقلّ التحديات أهمية وحضوراً في الساحة اللبنانية، وتحديداً لجهة إمكان الحفاظ على ما رُسم من معادلات وقواعد اشتباك جديدة، أرادت تل أبيب أن تكون مؤاتية أكثر لمصلحتها في أعقاب الحرب، وفي المقدمة منها منع تعافي «حزب الله» وترميم قدراته العسكرية.
وعلى رغم كل التحديات المحيطة، إلا أن تعيين زامير لم يخرج عن السياقات الاعتيادية لتعيين رئيس للأركان في الدولة العبرية، إذ يبدو أن هناك توافقاً شبه كامل في الرأي بين المراقبين في إسرائيل، على أن التعيين جاء مهنياً، وإنْ كان الظرف الخاص، وقرب المعيَّن من رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو بوصفه سكرتيراً عسكرياً له في حكومات سابقة، ساهما في تسهيل مهمّة تعيينه. وأياً يكن، فإن رهان اليمين المتطرّف على اختيار رئيس أركان موالٍ ومستعدّ لاستئناف الحرب في غزة، لم يتحقّق، علماً أن هذه الحيثية لا تنفي بالمطلق احتمال تجدُّد الحرب، على رغم تدنّي معقولية استئنافها.
وعلى طاولة رئيس الأركان الجديد، تحدٍّ آخر لا يقلّ أهمية عن غزة ويومها التالي، وهو الساحة اللبنانية التي تنتظر بدورها موعداً آخر، في الـ18 من الشهر الجاري، التاريخ الذي عيّنه الراعي الأميركي للانسحاب الإسرائيلي الكامل من لبنان، الأمر الذي منع عن جيش الاحتلال التجديد الدوري والتلقائي لوجوده العسكري، كما أراد. وعليه، سيكون على زامير أن يطلب من المؤسسة السياسية العمل على تجاوز أو تليين الموقف الأميركي من أجل البقاء في لبنان، أو التماشي بلا تعقيدات مع الموعد المحدّد للانسحاب. وفي نهاية المطاف، فإن القرار سياسي، ولن يكون عسكرياً، على رغم تأثير الجيش الإسرائيلي فيه، وهو ما تجب ملاحظته مسبقاً.
وفي التحديات القائمة والمرشّحة أن تواكب زامير في فترة ولايته، وإلى ما بعدها، الساحة السورية المشبعة بالتعقيدات واللايقين، وإنْ كان التغيير فيها، كيفما اتّفق، مؤاتياً أكثر للمصلحة الإسرائيلية، قياساً إلى ما كانت عليه هذه الساحة. وأعطت الأيام الأخيرة، الإسرائيليين عيّنة ممّا يمكن أن تواجهه قواتهم في الأراضي السورية، في حال استمرار وجودهم فيها، الأمر الذي يفرض على زامير، بوصفه رئيساً للأركان، أن يحدّد من الآن الخيارات المتاحة مستقبلاً، علماً أن أيّ تحدٍّ أو تهديد من سوريا، مرتبط بما سيؤول إليه الوضع فيها، ما يعني أن مستوى التهديد المتصوّر تجاه إسرائيل، متعلّق بإرادة الحلفاء والشركاء، وأيضاً الخصوم، في هذه الساحة.
وفي اتجاه الشرق البعيد نسبياً، يكمن منبع التهديدات، كما يوصف في إسرائيل: إيران، التي تُعدّ عدواً بذاته للدولة العبرية، وعدواً مربكاً بمساندته ودعمه المستمريْن لأعداء الكيان الإقليميين، من الحركات والمنظّمات غير الدولتية، وإنْ تلقّت غالبية هذه الأخيرة ضربات موجعة، طوال فترة الحرب الماضية. وهنا، سيكون على زامير أن يبلور خيارات عسكرية جدية أو شبه جدية لمواجهة إيران، على انفراد أو مع الحلفاء، بما يتيح لإسرائيل تحقيق مصالحها في ترهيب إيران والتأثير في قراراتها، وقد يساعد أيضاً في الضغط عليها عبر أطراف ثالثة، حتى مع خيار المفاوضات المفضّلة لدى الشريك الأميركي في الفترة المقبلة.
كذلك، سيكون أمام زامير تحدٍّ داخلي ليس أقلّ أهمية من كل ما ورد، لا يتعلّق فحسب بعبء الجهد العسكري البشري المحصور بفئة معينة من الإسرائيليين، بل بتحدّي إعادة بناء الجيش الإسرائيلي وترميمه، وفقاً لعقيدة جديدة تضع العدوانية والهجوم في مرتبة أعلى وأَولى من مرتبة الدفاع والاحتواء، وهو ما يجعل من المهمّة صعبة وشائكة، وإنْ كان زامير نفسه، صاحب نظرية تعزيز قدرة سلاح البر، لأن الانتصار في الحرب لا يتحقَّق إلا بموجب هذا الشرط. وتُعدّ تلك واحداً من أهمّ اختلافات الرأي مع رئيس الأركان السابق، أفيف كوخافي، لدى تولّي زامير منصب نائبه بين عامي 2018 و2021، قبل أن يشغل منصب المدير العام لوزارة الأمن، حتى تاريخ تعيينه الحالي.
* الأخبار