بدايةُ نهاية الآلام: جرحى غزة ومرضاها يستعيدون الأمل
متابعات..| تقرير*
يبدأ، اليوم، سفر أول فوج من المرضى والجرحى في قطاع غزة لتلقّي العلاج في الخارج، عبر معبر رفح البري الذي سيُعاد فتحه للمرة الأولى منذ أيار الماضي، بموجب اتفاق وقف إطلاق النار بين حركة “حماس” والعدو الإسرائيلي. وقالت وزارة الصحة في غزة إنها ستتواصل هاتفياً مع المرضى والمرافقين المُدرجين ضمن الكشف المُعتمد، لترتيب إجراءات سفرهم، مضيفة أن عملية النقل ستتم عبر حافلات بترتيب من “منظمة الصحة العالمية”. ويأتي هذا التطور وسط أوضاع إنسانية وصحية متدهورة في القطاع، حيث يعاني المرضى والجرحى من نقص حادّ في الأدوية والعلاجات، خاصة بعد خروج العديد من المستشفيات عن الخدمة من جراء الحرب.
“أخيراً… سأخرج للعلاج”
الطفلة تالا الترك (14 عاماً) هي واحدٌ من بين الأطفال الذين سيتم تسفيرهم اليوم عبر المعبر، وهي مصابة بالتهاب حادّ في النخاع الشوكي منذ أيار 2024، ومذّاك تعاني من الشلل. تقول تالا لـ”الأخبار” بحماسة، بينما تحاول والدتها تهدئتها وتجهّز بعض الحاجات القليلة التي ستأخذها معها: “لطالما انتظرت هذه اللحظة. منذ أشهر، وأنا أسمع وعوداً بفتح المعبر. لكن كل مرة كان هناك شيء يمنع ذلك. لم أصدّق بأنني سأتمكن من السفر إلا الآن، وأنا أسمع أمي تتحدّث إلى الطبيب عن الترتيبات”. وتضيف: “أريد أن أمشي على قدمَيَّ من جديد. أريد أن ألعب مع إخوتي في الحي، وأن أعيش كما كنت قبل أن ينهار كل شيء”.
2500 طفل و15 ألف جريح ومريض بحاجة إلى الخروج من القطاع للعلاج
ومنذ إصابتها، خاضت تالا وأهلها رحلة طويلة من الألم، ليس فقط بسبب المرض، بل لأن العلاج لم يكن متاحاً في غزة. فالمستشفيات التي كانت قادرة على مساعدتها تعرّضت للقصف أو خرجت عن الخدمة، فيما لم تكن المرافق الصحية المتبقية قادرة على تلبية احتياجات المرضى. وعن ذلك، تقول تالا: “كلما زرت مستشفى، كان الأطباء يعتذرون. لا دواء، لا معدات، لا أمل. الأطباء كانوا يحاولون، لكن ماذا يمكنهم أن يفعلوا؟ مستشفى الشفاء، الذي كان الأكبر هنا، أصبح مجرد أنقاض، وبقية المستشفيات مكتظّة، أو من دون أجهزة، أو حتى من دون كهرباء”.
“لا أريد أن أفقد ساقي”
في زاوية خيمة صغيرة في مدينة دير البلح، يجلس حامد عيسى (27 عاماً) محدّقاً في قدمه المصابة، ويضغط بيديه على فخذه كأنه يحاول منع الألم من التمدد أكثر في جسده. وقبل نحو شهرين، كان حامد يؤدي عمله في شرطة المرور وسط الفوضى التي خلّفتها الحرب، عندما سقط صاروخ إسرائيلي بالقرب منه. استيقظ بعدها في المستشفى ليجد قدمه اليمنى قد بُترت، بينما ينذره الأطباء الآن بخطر بتر ما تبقّى من ساقه إذا لم يغادر للعلاج في الخارج.
ويقول حامد لـ”الأخبار”، وهو يرمق بعينيه العكاز الذي بالكاد يساعده على الحركة: “انتظرت فتح معبر رفح على أحرّ من الجمر. كل يوم كنت أسمع أخباراً عن المفاوضات، عن الاتفاقات، عن احتمال السماح بخروج الجرحى. لكن في النهاية، كنا نبقى هنا، نتألم بصمت، ننتظر شيئاً لا يأتي”. ومنذ إصابته، لم يتلقَّ حامد العلاج المناسب؛ إذ إن “الأطباء يقولون إنني بحاجة إلى جراحة عاجلة، لكن هنا لا توجد معدات، ولا أدوية، ولا حتى ضمادات كافية. كل ما يستطيعون فعله هو التغيير للجرح، وإخباري بأنني قد أفقد ساقي بالكامل إن لم أسافر”، كما يقول.
ومع الإعلان عن إعادة فتح معبر رفح، عاد الأمل إلى حامد. وعلى رغم التعب، لم ينم طوال الليل، وهو ينتظر اتصالاً من وزارة الصحة يؤكد له أن اسمه ضمن الدفعة الأولى من المسافرين. وعن ذلك يضيف: “لا أريد أن أفقد ساقي، لا أريد أن أقضي حياتي عاجزاً. أنا شاب، لديّ أحلام، ولديّ حياة تنتظرني بعد هذه الحرب. فقط أعطوني فرصة للعلاج، وسأعود لأقف على قدمي من جديد”.
وبحسب منظمة “اليونيسف”، فإن أكثر من 2500 طفل وأكثر من 15 ألف جريح ومريض بحاجة إلى الخروج من قطاع غزة للعلاج.