كل ما يجري من حولك

اتفاقُ وقف النار على المحك: “إسرائيل” لا تهضمُ تنازلاتها

29

متابعات..| تقرير*

«إن السبب الحقيقي خلف معارضة اليمين المتطرف في إسرائيل إنهاء الحرب في غزة، ليس سياسياً أو أيديولوجياً» فحسب، بل ما يدفعهم حقاً إلى محاولة تخريب الصفقة هو القلق من أنها ستحطم «الرابط الأساسي بين استخدام القوة العسكرية غير المحدودة، والقدرة على توفير الأمن لمواطني إسرائيل»، وفقاً لما يؤكده عيران هالبرين، الخبير في علم النفس السياسي في «الجامعة العبرية» في القدس، في حديث إلى مجلة «فورين أفيرز» الأميركية. كما أن نهاية الحرب ستجبر الإسرائيليين، في نهاية المطاف، على الاعتراف بأن حكومة بنيامين نتنياهو اليمينية فشلت، تماماً، في منع عملية الـ7 من أكتوبر، ثم في «هزيمة الجماعة التي ارتكبتها»، بعد 15 شهراً من الحرب الوحشية، طبقاً للمصدر نفسه.

وتخلق الحقائق المشار إليها، وغيرها الكثير، مخاوف لدى عدد من المحللين من أن حكومة نتنياهو قد تسعى، عاجلاً أم آجلاً، إلى عرقلة اتفاق وقف إطلاق النار؛ إذ طبقاً للصحفي الإسرائيلي، أمير تيبون، فإن «نتنياهو يخدع ترامب ويستعد لتخريب اتفاق وقف إطلاق النار»، عبر طريقة من اثنتين: سواء عبر تأخير مفاوضات المرحلة الثانية حتى ينفد الوقت، أو عبر بدء تصعيد عنيف ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية. وطبقاً للمجلة الأميركية، فإن «الشاباك» يتحضر لهجمات إرهابية محتملة من قبل نشطاء يمينيين متطرفين «يسعون إلى إخراج الصفقة عن مسارها»، فيما عمدت حكومة نتنياهو إلى إطلاق سراح عدد من المستوطنين اليمينيين الذين كانوا في الاحتجاز الإداري. وبحسب محللين آخرين، قد يحاول نتنياهو، بالحد الأدنى، إقناع ترامب بمنحه «أسابيع أو أشهراً إضافية لإكمال العملية العسكرية ضدّ (حماس)»، ثمّ التعويل على «تشتت انتباه الرئيس الأميركي بقضايا أخرى».

على أنه ورغم مواقفه الأخيرة، والتي أشارت إلى إمكانية أن «ينأى» بنفسه عن أي «انهيار» محتمل لوقف إطلاق النار، فإن الرئيس الجمهوري، الذي يطمح، ربما، إلى نيل جائزة «نوبل» للسلام في محطة من محطات رئاسته، على خلفية «إنجازاته» في الشرق الأوسط، لن يقف، طبقاً لمراقبين، مكتوف الأيدي أمام محاولات الجناح اليميني في حكومة نتنياهو إسقاط وقف إطلاق النار، وبالتالي عرقلة «خططه الخاصة» في المنطقة، والتي لا تزال على المحك. وكانت قد أفادت مصادر عبرية، في العاشر من كانون الثاني، بأن مبعوث ترامب إلى الشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، اتصل من الدوحة بنتنياهو، طالباً عقد اجتماع معه في القدس. ورغم محاولة الأخير تأجيل الاجتماع حتى ليل السبت، إلا أن إصرار ويتكوف دفعه إلى الموافقة أخيراً. ووصفت وسائل الإعلام الإسرائيلية، وقتذاك، اللقاء بأنّه أشبه بمشهد من فيلم «العراب»، قبل أن يوعز نتنياهو، في مساء الليلة نفسها، إلى كبار المسؤولين الإسرائيليين بالسفر إلى قطر، لأول مرة منذ شهور، مع منحهم «تفويضاً» أوسع هذه المرة. وبعد ثمانية أيام، دخلت الصفقة حيز التنفيذ قبل يوم من تنصيب ترامب.

قد يحاول نتنياهو إقناع ترامب بمنحه أسابيع أو أشهراً إضافية لاستكمال العملية العسكرية ضدّ «حماس»

وعلى الأرجح، ستتضح، شيئاً فشيئاً، معالم العلاقة بين نتنياهو والرئيس الجمهوري، ومدى التزام الأخير بالحفاظ على اتفاق وقف إطلاق النار، لا سيما خلال اللقاء المزمع عقده في بداية شباط بينهما، في أعقاب زيارة ويتكوف إلى السعودية وفلسطين. وبالحديث عن تلك الزيارات، أعادت تصريحات ويتكوف أخيراً، أثناء زيارته غزة، إلى الأذهان مواقف ترامب إزاء تهجير أهل القطاع؛ إذ أكد المبعوث الأميركي أنه «وبعدما كان لدينا تصور عن أنه يمكن إعادة بناء غزة في غضون خمس سنوات، إلا أن ذلك يبدو (مستحيلاً)»، زاعماً أن خطة إعادة الإعمار ستتطلب «ما بين 10 إلى 15 عاماً»، وواصفاً القطاع بأنه «غير قابل للسكن».

«أزمة ثقة»
توازياً مع ذلك، يجادل البعض بأن اتفاق وقف إطلاق النار سمح لإسرائيل، على الأقل، بالبدء في استرجاع «شيء من صورتها كمساحة آمنة لليهود»، بعدما أحدثت عملية «طوفان الأقصى» شرخاً كبيراً في ذلك المفهوم. على أنه طبقاً لتقرير «فورين أفيرز»، فإن «الترميم» المشار إليه يحدث مقابل «ثمن باهظ»، يتمثل بصفقة تبادل الأسرى، والتي يبقى من غير المعروف «إلى متى ستستمر»؛ إذ إنه بمجرد الانتهاء من المرحلة الأولى من الاتفاق، سيتبقى هناك نحو 64 أسيراً لدى «حماس»، يُعتقد أن 30 منهم على قيد الحياة، ما يعني أن الإفراج عنهم سيتطلب إطلاق سراح الآلاف الآخرين من السجناء الفلسطينيين، وبعضهم محكوم عليه بالسجن مدى الحياة، وآخرون يعتبرهم الإسرائيليون «إرهابيين مشاهير»، لم توافق أي حكومة إسرائيلية، تاريخياً، على إطلاق سراحهم من قبل، طبقاً للمجلة الأميركية. وإذا كان وقف إطلاق النار في 19 كانون الثاني، يعدّ بمنزلة نقطة تحول محتملة في مصير المنطقة، فإن «أزمة الثقة» التي تعانيها إسرائيل تبقى بعيدة جداً عن «الإصلاح»؛ إذ إن المجتمع الإسرائيلي مستقطب بشكل حاد، وشخصية نتنياهو المثيرة للانقسام ستعقّد عملية إعادة النهوض. كما إن عدم قدرة الحكومة على الوفاء بوعدها بتحقيق «نصر كامل» على «حماس»، رغم «تفوق الجيش الإسرائيلي الساحق في ساحة المعركة»، جنباً إلى جنب رفض نتنياهو إجراء تحقيق مستقل في الإخفاقات التي أدت إلى عملية السابع من أكتوبر، يخلقان حواجز كبيرة أمام أي «مصالحة وطنية».

كذلك، وكجزء من وقف إطلاق النار، قدمت الحكومة الإسرائيلية، بحسب «فورين أفيرز»، تنازلات مهمة أخرى، شملت انسحاب الجيش الإسرائيلي من الممر الأمني الذي أنشأه في وسط غزة، «والتزامه بالانسحاب مما يسمى معبر فيلادلفيا على طول الحدود الجنوبية لغزة مع مصر، في الأسبوع السابع من وقف إطلاق النار». وعليه، أثارت «التنازلات» المشار إليها، جنباً إلى جنب إطلاق سراح السجناء الفلسطينيين، انتقادات لاذعة ليس فقط من الأحزاب اليمينية المتطرفة، ولكن أيضاً من أنصار نتنياهو الأساسيين. وعلى سبيل المثال، غيّرت «القناة 14» المؤيدة لنتنياهو، والتي عمدت طوال الحرب إلى تبييض صورة الأخير، وتجنيبه أي محاسبة على الإخفاقات الإسرائيلية في السابع من أكتوبر، من نبرتها إزاءه، وبدأت تستقبل شخصيات تحولت فجأة إلى «منتقدة» للاتفاق.

ورغم التنازلات الكبيرة المقدَمة، لم يناقش نتنياهو الصفقة، بشكل علني، مع الجمهور الإسرائيلي، فيما أفسحت مواقفه المبهمة من الاتفاق المجال أمام تكهنات عدة، من مثل إعلان وزير المالية، بتسلئيل سموتريش، في مقابلة إذاعية، بعد يوم واحد من دخول الصفقة حيز التنفيذ، أن ترامب سلم نتنياهو رسالة «تسمح لإسرائيل باستئناف الأعمال العدائية في اليوم الـ43 من الاتفاق، في حال فشلت مفاوضات المرحلة الثانية»، علماً أن ويتكوف أعلن، أخيراً، في أعقاب لقائه نتنياهو، أنه يجب الأخذ في الحسبان «الأمور الإيجابية التي تحدث في غزة»، وإنهاء المرحلة الأولى بـ«الشكل الصحيح»، للانتقال بعدها إلى «المرحلة الثانية».

* الأخبار البيروتية

You might also like