الرياضُ تبعثُ إلى صنعاء رسائلَ مهمة تخص «تصنيف ترامب».. هذا مضمونُها
متابعات..| تقرير*
في الوقت الذي تواصل فيه الحكومة الموالية للتحالف السعودي – الإماراتي إعداد الخطط لاستيعاب مقارّ البنوك والمؤسسات والمنظمات الدولية، تنفيذاً لقرار واشنطن تصنيف حركة «أنصار الله» منظمة إرهابية عالمية، برز توجّه سعودي مغاير لتلك التحركات التي يبدو أن الرياض تتوجّس خيفة من تداعياتها، ولا سيما أن الإعلان عن القرار جاء في أعقاب اتصال هاتفي جرى بين الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، ووليّ العهد السعودي، محمد بن سلمان، بساعة واحدة، وهو ما يضع السعودية في دائرة الاتهام بالوقوف وراء القرار. وعلى رغم ذلك اللبس، إلا أن صنعاء تحاشت الحديث عنه، مؤكدة الالتزام بالاتفاقات الموقّعة مع الأمم المتحدة والجانب السعودي حول «خريطة الطريق» الأممية للسلام.
وخلال لقاء بينه وبين سفراء الاتحاد الأوروبي لدى اليمن، عُقد في الرياض لبحث مستجدات الأزمة اليمنية المستمرة، جدّد السفير السعودي لدى اليمن، محمد آل جابر، موقف الرياض الداعم للجهود الأممية، والداعي إلى تحقيق السلام والاستقرار في اليمن، وفق ما نقلت عنه «وكالة الأنباء السعودية» (واس). وكان السفراء قد أكدوا، خلال لقاء مماثل مع وزير خارجية حكومة عدن، شائع الزنداني، التزام الاتحاد بدعم مسار السلام، والدفع نحو تنفيذ «خريطة الطريق» الأممية. وعلى رغم بدء العدّ التنازلي لتطبيق التصنيف الأميركي في الـ 21 من الجاري، وترقّب الفصائل الموالية للتحالف السعودي – الإماراتي جدية إدارة ترامب في التنفيذ، إلا أن الرياض بعثت برسائل غير مباشرة إلى صنعاء بأنها لا تنوي الامتثال للإجراء الأميركي أو الانخراط في أيّ صراع قادم تقوده الولايات المتحدة، وأنها لم تحرّض عبر قنواتها الدبلوماسية على جبهة الإسناد اليمنية لقطاع غزة، أو تستغل علاقتها الجيدة بترامب لفرض المزيد من القيود على «أنصار الله»، ولا سيما أن تعاظم قدرات الحركة خلال الإسناد لم يزعج أميركا وإسرائيل بقدر ما أزعج السعودية التي تعتبر تعاظم تلك القدرات تهديداً مباشراً لمشاريعها في اليمن، وخاصة في المحافظات الجنوبية والشرقية.
التصنيف الأميركي لن يُكتب له النجاح من دون مشاركة سعودية فاعلة
في المقابل، تراقب صنعاء التحركات السعودية المباشرة وغير المباشرة، وخاصة لجهة التعاون مع الأميركيين، على اعتبار أن القرار الأميركي الذي يهدف إلى تجفيف مصادر تمويل «أنصار الله»، لن يُكتب له النجاح من دون مشاركة سعودية فاعلة، في ظل ارتفاع التبادلات التجارية بين اليمن والسعودية، وكذلك استحواذ الأسواق السعودية على معظم العمالة اليمنية. وبالتالي، فإن أي تهديد يطاول الحوالات النقدية بين الرياض وصنعاء، قد يعيد التوتر إلى الواجهة، فضلاً عن كون هذه الخطوة تناقض اتفاق التهدئة الاقتصادي الموقّع بين العاصمتين أواخر تموز الماضي.
وفي هذا الإطار، قالت مصادر سياسية في عدن، لـ»الأخبار»، إن «توجيهات سعودية صدرت إلى حكومة أحمد بن مبارك بالتوقّف عن اتخاذ أي إجراءات ضد البنوك والمصارف، تتناقض مع التزام المملكة بعدم التصعيد الاقتصادي مع صنعاء». وأشارت إلى أن رئيس «المجلس الرئاسي»، رشاد العليمي، سبق أن وجّه بنك عدن المركزي بإشعار البنوك بنقل مقارها من المحافظات الواقعة تحت سيطرة صنعاء، بذريعة حمايتها من تداعيات التصنيف الأميركي، إلا أن الإجراء توقّف بشكل مفاجئ بعد صدور التوجيهات السعودية.
وفي الوقت الذي اعتبر فيه مقربون من حكومة عدن تأجيل مصرف عدن المركزي الإشعار إلى حين دخول التصنيف حيّز التنفيذ، قلّلت مصادر أخرى من قدرة الحكومة الموالية للتحالف على اتخاذ أي إجراء من دون حصولها على ضوء أخضر سعودي. كما حذّر خبراء اقتصاد من تداعيات التعاون مع الأميركيين في تنفيذ العقوبات، كون التداعيات ستطاول الحركة المالية بين اليمن والخارج بشكل عام، وستعيق حركة الواردات إلى الأسواق اليمنية، مشيرة إلى منع إدارة ترامب دخول المئات من اليمنيين من المطارات الأميركية خلال الأيام الماضية. وفي أول اجراء احترازي، أصدر البنك المركزي في صنعاء أخيراً تعميماً إلى كل البنوك والمؤسسات المالية العاملة تحت سلطته، بعدم تجميد أيّ أصول أو أموال أو كيانات إلا بموجب خطاب من وحدة المعلومات المالية في البنك المركزي أو من قبل الجهات القضائية.
وقد أشار تحليل صادر عن «معهد الخليج العربي» في واشنطن، أخيراً، إلى أن تصنيف «أنصار الله» قد يعيد الصراع إلى البحر الأحمر والمنطقة. وقال إن «التصنيف قد يكون إجراءً تمهيدياً لتدخل عسكري مباشر، وخصوصاً بعد فشل استراتيجية الإدارة السابقة القائمة على الدفاع والردع». وأضاف أن «إدارة ترامب قد تتّجه نحو سياسة أكثر عنفاً في اليمن، ما قد يدفع واشنطن إلى الدخول في صراع طويل الأمد في المنطقة». ومع ذلك، وعلى رغم إعلان الحكومة الموالية للتحالف استعدادها للتعاون الاستخباراتي مع إدارة ترامب، إلا أن الأخيرة ترفض حتى الآن النظر إلى مطالبها. ووفقاً لمصادر دبلوماسية يمنية، فإن حكومة عدن طالبت عبر سفيرها في واشنطن، محمد الحضرمي، بمضاعفة الضغط على «أنصار الله»، ودعمها عسكرياً لتنفيذ القرار، وكذلك تنفيذ عملية عسكرية واسعة لـ»تحرير» الحديدة وموانئها، إضافة إلى استهداف قادة الحركة لإجبارهم على الدخول في مسار السلام.
* الأخبار البيروتية