كل ما يجري من حولك

(هكذا نحفظ نفوذَنا).. دعوات غربية لتقسيم سوريا

31

متابعات..| تقرير*

ينصح مراقبون بألّا يكون الدعم الغربي أو تخفيف العقوبات مشروطَين بأي مواقف في السياسة الخارجية (أ ف ب)

على الرغم من المساعي الدبلوماسية التي تقودها الولايات المتحدة والدول الغربية الأخرى لـ”التقرب” من قادة دمشق الجدد، لا تزال بعض الأصوات تحذّر ممّا ستؤول إليه الأوضاع تحت حكم “هيئة تحرير الشام”، في ظل إمكان تكرار تجربة “النجاح الكارثي” الذي طبع بلداناً أخرى شهدت حروباً أهلية أو انقلابات، واحتمال تخلي “الهيئة” عن خطابها “المعتدل” فور تمكين حكمها. وطبقاً لأصحاب هذا الرأي، فإنّ الحل الأمثل يكمن في “تقسيم” البلاد، ولا سيما عبر دعم “الأقليات”، وعلى رأسهم الأكراد. على أنّ تحقيق مثل تلك المهمة سيتطلب إدخال “سوريا الجديدة” في مواجهات مع بعض الأطراف الخارجية، من مثل تركيا وروسيا، وهو ما سيعرقل، بحسب مراقبين، عملية “الانتقال” نحو بلد “مستقر”.

وفي السياق، نشر موقع “ناشونال إنترست” الذي يُعنى بالشؤون الخارجية للولايات المتحدة، تقريراً جاء فيه أنّه حتى في الوقت الذي تسعى فيه إلى إبراز “صورة جديدة أكثر اعتدالاً”، سرعان ما أصبحت “تحرير الشام” عرضة لاتهامات بقمع المعارضة في أجزاء من شمال شرق سوريا، على خلفية ممارستها “حكماً استبدادياً وفرض الشريعة الإسلامية” على المنطقة. وحالياً، يأمل “أبو محمد الجولاني” (أحمد الشرع)، طبقاً للتقرير، في إدارة سوريا بأكملها، ويكثّف جهوده لإظهار الاعتدال والشمولية لطمأنة الطوائف الدينية والعرقية المختلفة، مصدراً تعليمات إلى قواته بعدم الانخراط في عمليات نهب أو انتقام، فيما يبدو أنّ جهوده “تؤتي ثمارها”. إذ وصف الدبلوماسيون الأميركيون الاجتماع الذي عقد، أخيراً، مع المسؤولين في دمشق بـ”الجيد والمثمر للغاية”، قبل أن تلغي الولايات المتحدة المكافأة البالغة 10 ملايين دولار، والمرتبطة بـ”القبض” على “الجولاني”. وبالمثل، يميل الأووبيون، بشكل متزايد، نحو التعامل مع “الهيئة”، وبدأوا مناقشات لإزالة التصنيف الإرهابي عنها.

على أنّه وفقاً لأصحاب الرأي المتقدم، وبناءً على “آراء جميع من تحدث معهم الموقع تقريباً” في إحدى المناطق السورية، فإنّ السكان “لا يصدقون أيّاً ممّا يظهره الجولاني و(الهيئة)”. وبحسب المصدر نفسه، فبمجرد أن يثبت “النظام الذي يقوده السنّة” نفسه، ويبدأ بالشعور بالأمان، فإنّ “لونه الحقيقي سيظهر للعلن”. وفور تحقّق ذلك، سيكون هناك “نظام إسلامي راديكالي في سوريا”، وهي دولة ذات “أهمية أكبر بكثير من أفغانستان أو السودان”، أو غيرها من الأماكن التي تحقق فيها السيناريو المشار إليه. وإذ لا يمكن، كما يرد في التقرير، تغيير طبيعة مقاتلي “الهيئة”، والذين ساهمت سنوات الحرب في تعميق “تشددهم”، فإنّ ما يمكن للدول الغربية والشعب السوري فعله هو الضغط من أجل إنشاء “سلطة لامركزية في سوريا الجديدة، من أجل الحدّ من الضرر الذي قد يسببه المجاهدون”؛ ويبرر أصحاب هذا الرأي نظريتهم بالقول إنّه في حال “حكم الجهاديون دمشق وحمص وحماة ومحافظة إدلب، مع فرض قيود على قدرتهم على ممارسة الحكم الديكتاتوري المركزي على جميع أنحاء البلاد، قد يكون الوضع أكثر قابلية للإدارة”.

“ناشونال إنترست”: على الغرب الضغط من أجل إنشاء “سلطة لامركزية” في سوريا الجديدة

وبالنسبة إلى هؤلاء، فإنّ ما تسعى إليه أنقرة في ما يتعلق بتدمير “نموذج الحكم الذاتي المحلي الموجود في الجزء الشمالي الشرقي من سوريا الذي يقوده الأكراد”، سيكون ذا “نتائج مأسوية”، نظراً إلى أنّ ذلك الحكم يبقى “الخبر السار الوحيد الذي أنتجته الحرب السورية الأهلية، بالإضافة إلى سقوط الأسد”، كما يقولون. لا بل يذهبون إلى حدّ وصف القيادات الكردية والمواطنين في المناطق الخاضعة لحكم الأكراد الذاتي بـ”البراغماتيين المهتمين فقط بتحسين حياتهم، والبقاء آمنين، والتمسك بالاستقرار الذي حققوه بعد إحباط هجوم (الدولة الإسلامية) في المنطقة”، مشيرين إلى أنّهم أكدوا لهم أنّهم “منفصلون عن (حزب العمال الكردستاني)، ولا يريدون قتال تركيا”.

“الانتقال”
على أنّ التوصيات المشار إليها لا تأخذ في الاعتبار، طبقاً لمراقبين آخرين، ضرورة وضع الدول الخارجية “لمصالحها الجيوسياسية الضيقة” جانباً، في حال أرادت تأمين عملية “انتقال” سلمية في سوريا، ولا سيما أنّ السلطات الجديدة لا تبحث عن “المواجهة”، حتى مع إسرائيل التي تحتل أجزاءً من بلدها. وفي السياق، يلفت تقرير نشرته مجلة “فورين أفيرز” الأميركية إلى أنّ القوى العالمية تميل، على الأرجح، إلى محاولة الاستفادة من “بدايات سوريا الجديدة لمصلحتها”، مشيراً، في المقابل، إلى أنّ محاولة “جر الحكومة المؤقتة إلى نزاعات إقليمية أو دولية قد تقضي على عملية الانتقال”. ويستند أصحاب الرأي المتقدم إلى واقع أنّ التجاذبات “الجيوسياسية” ليست من ضمن أولويات القادة الجدد؛ إذ إنّ أعضاء الحكومة المؤقتة، على الرغم من “خلفيتهم الإسلامية”، امتنعوا عن توجيه أي خطاب عدواني مناهض لإسرائيل، فيما أكد وزير الخارجية السوري الجديد، أسعد الشيباني، في وقت سابق، أنّ سوريا تريد “السلام والازدهار” وأن أيّ “قضايا معلّقة بين سوريا وإسرائيل”، بما في ذلك التوغلات الإسرائيلية داخل سوريا، سيتم التعامل معها “عبر المفاوضات السلمية”، بحسب التقرير.

كذلك، قررت الحكومة الانتقالية أن تتصرّف بـ”حذر” مع روسيا، الداعم الخارجي الرئيسي للنظام القديم. وعلى الرغم من أنّ سلطات الجمارك السورية أعلنت إلغاء اتفاقية استثمار مدتها 49 عاماً مع شركة روسية، تتعلق بإدارة ميناء طرطوس الذي يحتوي على القاعدة البحرية الروسية، وتوسيعه، وأنّ مصير القوات والقواعد الروسية لا يزال مجهولاً، إلا أنّ السلطات السورية قد تلجأ إلى التفاوض على تفاصيل تلك الملفات، وصولاً حتى إلى السماح بوجود روسي محدود في سوريا.

وإذ أعاد حكام سوريا العلاقات الدبلوماسية مع أوكرانيا، إلا أنّ ذلك لا يعني أنهم يرغبون في الوقوع في أي منافسة جيواستراتيجية؛ وبصورة أعم، هم لا يريدون الدخول في مواجهة مع روسيا، ويريدون محاولة إبعاد الأخيرة عن “الشؤون السورية الداخلية” من دون “إغلاق الأبواب في وجهها”، إدراكاً منهم أنّ موسكو هي عاصمة “وازنة على الساحة العالمية”، وكذلك شريك محتمل في المستقبل. أيضاً، لن تكون دمشق قادرة على “استبدال أسلحتها الحالية، وجميعها تقريباً روسية”، أو أن تتخلى عن خبرة موسكو المتعلقة ببنيتها التحتية المدنية، والتي بناها الروس، بما فيها محطات الطاقة والسدود.

وفي مقابل التوجه السوري، ينصح مراقبون غربيون، دول العالم، وعلى رأسها الولايات المتحدة، بتمهيد الطريق لعملية الانتقال، وترك مصالحها الجيوسياسية جانباً، محذّرين القادة الغربيين والأميركيين من الضغط على سوريا للدخول في مواجهة مع أي طرف. ويجب على هؤلاء، بحسب التقرير، ألّا يجعلوا الدعم أو تخفيف العقوبات مشروطَين بأي مواقف في السياسة الخارجية، ولا سيما أنّ ذلك سيوحي للشعب السوري بأنّ “العقوبات على نظام الأسد لم تكن في النهاية تتعلق بإنهاء القمع الوحشي، إنما بتعزيز الأجندة الجيوسياسية الغربية”. والأهم، أنّ الضغوط الغربية قد تجعل الحكومة أكثر ميلاً إلى روسيا أو “أيٍّ من مؤيدي الأسد”، فيما لن تكون أيّ دولة غربية قادرة على التدخل “لمنع اندلاع الفوضى” التي ستترتّب على ذلك.

* الأخبار

ينصح مراقبون بألّا يكون الدعم الغربي أو تخفيف العقوبات مشروطَين بأي مواقف في السياسة الخارجية (أ ف ب)

You might also like