حكايات تُروى .. الضفّة تحتضن أسرى فلسطين
متابعات..| تقرير*
كان مشهداً مهيباً؛ آلاف المواطنين احتشدوا في شوارع رام الله، منذ الساعات الأولى لصباح السبت، استعداداً لاستقبال ثلاث حافلات تحمل أكثر من 100 أسير من أصحاب المحكوميات العالية والمؤبّدات، أَفرجت عنهم إسرائيل بموجب صفقة تبادل الأسرى مع المقاومة. بالدموع والهتافات والتلويح بالأيادي، وتدافع الشبّان على أبواب الحافلات، جرى استقبال الأسرى المفرج عنهم، والذين بدا عليهم الهزال والتعب وضعف البنية الجسدية، لكنهم أظهروا عزيمة وقوة في مواقفهم وتصريحاتهم، بل إنهم قادوا الهتافات.
وانصبّت رسائل الأسرى، سواء في الهتافات أو في تصريحات مقتضبة إلى وسائل الإعلام، على قطاع غزة، مقدّمة الشكر والثناء والعرفان لأهل القطاع، مجددة العهد والبيعة للمقاومة. وجسّد الأسير المحرّر، القيادي في «الجبهة الشعبية» وائل الجاغوب، تلك الصلابة، بقوله: «كل أماكن تواجدنا، هي أماكن اشتباك بما فيها الأسر… الشعب هو صاحب القرار في الاحتفال والحزن، وليس الاحتلال… رحم الله الشهداء، ما هو مطلوب منّا، الوفاء لدمائهم، وأنا سأكون وفيّاً لدمائهم… كنت على يقين بأن المقاومة ستحرّرني، وكذلك ما زلت على يقين بأنها ستحرّر مَن تبقّى من الأسرى». وأضاف الجاغوب، الذي كان يقضي حكماً بالسجن المؤبد، والمعتقل منذ 21 عاماً: «لم أفقد إيماني بأن المقاومة ستخرجني. كنت على يقين، حتى وأنا في العزل، بأن المقاومة ستنجح في تحرير بقيّة الأسرى».
على أن فرحة الحرية لم تُنسِ الأسرى ما تعرّض له قطاع غزة من تدمير وإبادة؛ إذ وجّه الأسير المحرّر، زيد عامر (نابلس)، وهو أحد أعضاء خلية الرد الأول على إحراق المستوطنين لعائلة دوابشة في بلدة دوما، رسالته إلى غزة، قائلاً: «النصر قريب والعزّة لا بالمال ولا بالحجر، وإنّما بتمكين الله عزّ وجل للمؤمنين». أما الأسير المحرّر، أحمد بديع، فأشاد بـ»كتائب القسام» التي «أبدعت وفاجأت العالم، وكل مَن راهن على زوال المقاومة زلزلته المقاومة».
وكما كل الأسرى، فإن للأسير عزمي نفاع (جنين)، الذي اعتقل عام 2015، وحكم عليه بالسجن لمدّة 20 عاماً، بزعم تنفيذه عملية دهس على حاجز زعترا، حكايته. ونفاع الذي أصيب برصاصة مباشرة في وجهه، وكان خلال اعتقاله بحاجة إلى إجراء عملية جراحية لفكّه العلوي، أعرب عن أمله بأن تنتهي الحرب بشكل كامل ليعيش أهالي قطاع غزة بأمان، مضيفاً: «شعور الحرية رائع، ونهدي هذه الحرية التي نعيشها لأهالي غزة الذين نوجّه لهم كلّ الشكر والتحية». أمّا الأسير أحمد موسى، ابن بلدة بيت لقيا في رام الله، وأحد أعضاء الخلية التي نفّذت عملية تفجير حافلة في تل أبيب خلال معركة «سيف القدس»، فقال بعد تحرُّره إن «الأحرار أخرجونا من هذه السجون وضحّوا بكل ما يملكون من أجل هذه اللحظة، إنهم يتقنون فنّ صناعة الفرحة الفلسطينية، ونوجّه لهم التحية وقبلة على جبين كل أمّ شهيد».
فرحة الحرية لم تُنسِ الأسرى ما تعرّض له قطاع غزة من تدمير وإبادة
في هذا الوقت، اتّجهت الأنظار إلى الأسير محمد العارضة، أحد أبطال «نفق الحرية»، الذي جرى استقباله ورفعه على الأكتاف أمام الجمهور وهو يرفع شارة النصر، بينما جرى تنظيم حفل استقبال ضخم في مسقط رأسه في بلدته عرابة قرب جنين. وكان العارضة قد اعتقل في مدينة رام الله، عام 2002، بعد حصار مبنى كان يتحصّن في داخله، وصدر بحقّه حكم بثلاثة مؤبّدات و20 عاماً، بتهمة الانتماء والعضوية في «سرايا القدس»، والمشاركة في عمليات مقاومة الاحتلال. وهو رأى أن كل الكلمات والثناء لن تفي غزة وأهلها ومقاومتها حقّهم، مؤكداً أن ثقته بالمقاومة لم تتزحزح، وأنه كان على يقين بأن حريته قادمة. وتابع: «نقول لأهل غزة الكرام، أنتم أكرم الناس، أنتم رجال شرف وعزّ ووقار على رؤوس هذه الأمة… وإن كان هناك شيء نعتزّ ونفتخر به على مدار تاريخ هذه الأمم، فهو فقط قطاع غزة».
وعاشت قرى الضفة الغربية وبلداتها ليلة وطنية تعدّت مظاهر الاحتفال، من خلال مسيرات الاستقبال التي نُظّمت للأسرى، وهتف خلالها المشاركون للمقاومة ولغزة، وهو ما أثار غضب إسرائيل التي حاولت تعكير فرحة ذوي الأسرى. وشهدت منصات المستوطنين، مساء السبت، تحريضاً على العديد من القرى التي نظّمت احتفالات، ومنها بلدة بيتا قرب نابلس، حيث احتشد عشرات المستوطنين عند حاجز زعترا القريب من البلدة لمهاجمتها، وسط انتشار كبير لقوات الاحتلال التي اقتحمت البلدة. كذلك، أصيب العديد من المواطنين برصاص جنود العدو، خلال اقتحامهم القرى والبلدات التي نظّمت استقبالاً للأسرى، فيما وُجّهت تهديدات إلى عائلات فلسطينية، لمنع احتفالاتها بتحرُّر أبنائها.
وشهد حيّ كفر عقب شمال القدس، اقتحاماً كبيراً لشرطة الاحتلال، أصيب خلاله طفل بالرصاص الحيّ، جراء إطلاق الرصاص بشكل عشوائي، قبل مداهمة منزل الأسير المحرّر أشرف زغير، حيث جرى اعتقال شقيقه أمير. كما اقتحمت القوات الإسرائيلية بلدة الرام شمال القدس، وبلدة العيزرية جنوبها، وداهمت منزل المحرّر إبراهيم أبو سنينة، ومنعت التجمّع لاستقباله. أيضاً، تمّ اقتحام منزل الأسير المحرّر، أيمن محمد علي، في قرية جورة الشمعة جنوب بيت لحم، وموقع استقبال الأسير صهيب الفقيه في مدينة دورا جنوب الخليل، ومنزل الأسير أنس الأقرع في بلدة قبلان جنوب نابلس، لقمع الاحتفالات بتحريره. كذلك، تلقّت عائلات الأسرى المحرّرين تهديدات إسرائيلية تحت طائلة اتّخاذ إجراءات عقابية بحقّها، في حال تنظيم مظاهر احتفال بالإفراج عن أبنائها.
مع ذلك، تابع أهالي الضفة مشاهد وصول نحو 70 أسيراً جرى إبعادهم إلى الخارج: 13 من القدس المحتلة، و57 من الضفة الغربية. ومن بين المبعدين ثلاثة أسرى أمضوا في سجون الاحتلال أكثر من 30 عاماً، وصلوا إلى مصر، وأعضاء «خلية سلوان» ذائعة الصيت، وهم: وائل قاسم ومحمد عودة ووسام العباسي، والذين وصلت الأحكام بحقهم إلى 35 مؤبداً على خلفية تنفيذهم العديد من العمليات الفدائية. ومن أبرز الأسماء المبعدة، كان الأشقاء: نصر وشريف ومحمد أبو حميد من مخيم الأمعري، والذين تبلغ فترة محكوميتهم أكثر من 11 مؤبداً وعشرات السنوات، وتركوا خلفهم في السجن شقيقهم الرابع إسلام المحكوم بمؤبدين، وجثمان شقيقهم الخامس ناصر أبو حميد الذي استشهد في المعتقل. وإلى جانب أولئك، انضم عميد الأسرى الفلسطينيين محمد الطوس، الذي أمضى 40 عاماً في سجون الاحتلال، وهو الذي قاد «خلية الخليل» قبل اعتقاله ونفذ عمليات فدائية، واعتقل وهو مصاب بجروح خطيرة، ظنّ ذووه أنه استشهد على إثرها بعد غياب أيّ معلومات عنه لسنوات؛ وكذلك الشقيقان ناصر وأكرم اللذان يُعرفان بـ»قناصي الخليل»، ونفّذا أكثر من 12 عملية قنص ضدّ جنود الاحتلال والمستوطنين في الخليل؛ ومراد البرغوثي الذي كان يمضي حكماً بـ 9 مؤبدات بعدما شارك في تأسيس عدة خلايا عسكرية، في محافظة رام الله، شنّت عشرات الهجمات ضدّ جنود الاحتلال، علماً أنه تلقّى تدريباً سريّاً في جنوب لبنان من قبل «حزب الله»؛ و الأسير ثابت مرداوي أحد مؤسّسي «سرايا القدس»، والذي حكم عليه بـ 21 مؤبداً، وهو أحد قادة معركة مخيم جنين.