عودةُ الحرب مستبعدة: “إسرائيل” مرهونةٌ لإرادة ترامب
متابعات..| تقرير*
لا يغيب عن إسرائيل احتمال تعثُّر اتفاق وقف إطلاق النار بينها وبين المقاومة الفلسطينية، ليس فقط في مرحلته الثانية التي يفترض أن تبدأ المفاوضات حولها بعد أيام قليلة، بل ربما في مرحلته الأولى أيضاً. ويرى فريق من الإسرائيليين أن الاتفاق وُجد لينفَّذ بمرحلتَيه، بما يفضي إلى وقف دائم لإطلاق النار؛ إذ لا الحرب ولا بدائلها قادرة على تحقيق أيٍّ من الأهداف التي أُعلنت في أعقاب السابع من أكتوبر، وعلى رأسها إزالة حكم «حماس» في غزة والقضاء على الحركة نفسها. في المقابل، يعتقد فريق آخر أن هناك ضرورة لاستئناف الحرب، على اعتبار أن استمرارها، بمعزل عن تحقيق أهدافها، أفضل للكيان من أيّ بديل، وأن عودتها قد تؤدّي إلى تحقيق غايات من مثل احتلال القطاع، وطرد السكان الفلسطينيين منه، ومن ثم الاستيطان والضمّ فيه.
وإذ يبدو لافتاً الكباش بين الاتجاهَين، يسود تل أبيب رأي مفاده بأن الذي يقرّر إتمام المرحلة الأولى من الاتفاق، والتفاهم على بنود المرحلة الثانية منه، من عدمهما، هو المفاوضات الأميركية – الإسرائيلية. ويَظهر، في هذا الإطار، أن إدارة الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، تريد تنفيذ الاتفاق بمرحلتَيه، من دون تأخير أو إبطاء أو عرقلة، ومن ثم الانتقال إلى وقف دائم لإطلاق النار في غزة، على أن يكون ذلك مقدّمة لمشاريع مطروحة على طاولة ترامب، وفي المقدمة منها التوصّل إلى ترتيب إقليمي أوسع تشارك فيه السعودية وكل مَن يدور في فلك الولايات المتحدة في المنطقة، في ما يشبه تحالفاً تكون الحظوة فيه لإسرائيل؛ ولتحقيق المطلب المذكور، لا تجد الولايات المتحدة مناصاً من المضيّ في اتجاه إنهاء الحرب. إلا أنه في المقابل، تبدو الإرادة الإسرائيلية مغايرة لإرادة الولايات المتحدة، بعدما باتت المصالح الشخصية لرئيس حكومة الكيان، بنيامين نتنياهو، مكشوفة جدًّا، فيما مركبات ائتلافه لا تنكر سعيها لتطبيق أيديولوجيتها المتطرّفة في غزة كما في الضفة، وتتّفق في ما بينها على ضرورة العودة إلى القتال، باعتبارها الخيار الأكثر ملاءمة لمصالح الفاشيين الشخصية والأيديولوجية، وخصوصاً أن البدائل قد تؤدي إلى تفكُّك الحكومة وتبديد فرصة تحقيق تلك المصالح.
وعلى أي حال، يُنتظر أن تتحدَّد المسارات المقبلة من خلال موازنة الاتجاهَين، وإن كان الرأي الراجح يقول إن إرادة أميركا، وتحديداً إدارتها الحالية، هي التي تقرّر مآل الأمور. وفي هذا السياق، حرصت واشنطن على الإعلان المسبق أن مبعوث ترامب إلى الشرق الأوسط، ستيف ويتكوف، ينوي زيارة غزة قريباً للتأكد من تنفيذ الاتفاق، بما يشمل انسحاب الجيش الإسرائيلي من القطاع. ووفقاً لتسريبات الإعلام العبري، فإن «الانطباع السائد لدى مَن تحدّث إلى فريق ترامب، هو أن نوايا الأخير جدّية للغاية»، في ما يمثل إشارة يجدر التوقّف عندها كثيراً، بمعزل عن كل ما يعلن ويتسرّب في إسرائيل. كما أن واحداً من أقرب المقرّبين إلى رئيس الحكومة الإسرائيلية، وهو وزير الشؤون الاستراتيجية رون ديرمر، أعلن، في كلمة ألقاها في «الكنيست»، أنه «متفائل للغاية» لجهة إمكان إيجاد حكم بديل لحركة «حماس» في غزة، مشيراً إلى أن إسرائيل تعمل على ذلك مع الولايات المتحدة والقوى الأخرى في المنطقة، علماً أن الرجل أنهى أخيراً زيارة للإمارات، قال الإعلام العبري إنها جزء لا يتجزّأ من الجهود الإسرائيلية لترتيبات اليوم الذي يلي الحرب في القطاع. وبغض النظر عن التفسيرات التي يمكن أن تكون متناقضة لحديث ديرمر، والذي وصف بـ«الاستثنائي» في الإعلام العبري، فإن أهم ما فيه هو إشارته إلى إنهاء الحرب، باعتباره نتيجة مسلّماً بها.
تبدو الإرادة الإسرائيلية في تموضع مغاير لموقف الولايات المتحدة وإرادتها
وفي السياقات العامة لبدء تنفيذ المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار، فإن هناك ما يمنع، أو في حدّ أدنى يعرقل استئناف الحرب، ليس ربطاً ببنود تلك المرحلة التي تشمل عودة الفلسطينيين إلى شمال القطاع أو إعادة انتشار القوات الإسرائيلية بعيداً من النقاط الحاكمة عسكرياً، بل واتصالاً أيضاً بما واكب ذلك من خارج الاتفاق، وتحديداً سلسلة الاستقالات من الأجهزة الأمنية والعسكرية في الكيان، وعلى رأسها مؤسسة الجيش، والتي شملت رئيس الأركان وقائد المنطقة الجنوبية، ويرجَّح أن تمتدّ لتطاول قائد سلاح الجو والبحر ورئيس «الشاباك» وشخصيات أخرى من الصف الأول، الأمر الذي لا يتماشى مع إرادة استئناف الحرب قريباً. على أن التأثير الأكثر فاعلية، يبقى للجانب الأميركي، وتحديداً ترامب، الذي «يمارس – إزاء إسرائيل – سلطة مختلفة تماماً، مقارنة بالاحتجاجات والمطالب المهذّبة للرئيسَين الديموقراطيَّين جو بايدن وباراك أوباما»، بحسب ما يرد في الإعلام العبري. وثمة إشارات دالة على أنه لن تكون هناك عودة إلى فترة الصداقة الشخصية بين نتنياهو وترامب، والتي طبعت الولاية الأولى للأخير، بمعنى أن «التماسات» رئيس الحكومة الإسرائيلية لدى الرئيس الأميركي، لن تجدي نفعاً مثلما حدث في السابق.
ولهذا، سيكون على نتنياهو، الذي يبحث أولاً عن مصالحه الشخصية، أن يلائم بين مطالب ترامب ومطالب شركائه في الائتلاف؛ وإنْ وجد استحالة في إرضاء الطرفين، فسيكون معنيّاً، وهو المرجّح، بأن يرضي الراعي الأميركي ويتماشى مع إرادته. ووفقاً لأرجح التقديرات، قد يكون اليمين المتطرّف نفسه معنيّاً بالتماشي مع ترامب – وإن أنكر ذلك في العلن -، لأن الإبقاء على حكومة نتنياهو أفضل لمشروع الاستيطان في الضفة التي هي الهدف الرئيسي للأيديولوجيا الفاشية، من التسبّب برحيل الحكومة. وبالفعل، أثبت وزير المالية، بتسلئيل سموتريش، بعدما قرّر البقاء في الائتلاف، على رغم معارضته اتفاق وقف إطلاق النار، أن ما يتحكّم بقراراته هو مصالح العقيدة التي يتبناها، على النقيض من زميله في التطرّف، وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير، الذي فضّل القرارات الشعبوية، والانسحاب وحزبه، «عوتسما يهوديت»، من الحكومة.
بالنتيجة، كل ما تقدّم يرجّح إتمام صفقة تبادل الأسرى في غزة والتوصّل إلى وقف دائم لإطلاق النار، وإن مع عراقيل وصعوبات وتأخير في تنفيذ الالتزامات كاملة. في المقابل، ثمة أسباب أخرى نقيضة قد تدعم الرأي الذي يرجّح استئناف الحرب؛ لكن في القياس، هي أضعف وأقلّ معقولية.
* الأخبار البيروتية