العدو ينكّلُ بأهالـي جنين.. الإبادة تنتقل إلى الضفة
متابعات..| تقرير*
يبدو أن ما ذهب إليه الناطق باسم «كتائب القسام»، «أبو عبيدة»، بعد اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، من تمجيد للمقاومة في الضفة الغربية، ودعوتها إلى التصعيد أكثر في وجه الاحتلال، إلى جانب وصفه جنين بـ«شقيقة الروح لغزة في البطولة والصمود»، قد أثار غضب الاحتلال، الذي تتّضح يوماً بعد آخر نياته تجاه مخيّم المدينة، مع دخول العدوان عليه يومه الرابع. ويَظهر أن العدو بدأ يطبّق في جنين، ما يمكن وصفه بـ«عقيدة غزة»، القائمة على التدمير الشامل؛ إذ، بعد ساعات من إجباره مئات المواطنين في المخيّم ومحيطه على النزوح، شرع الجيش الإسرائيلي، أمس، في عمليات هدم وحرق للمنازل والمباني.
وتشير التقديرات المحلّية إلى نزوح أكثر من ألفَي مواطن، تعرّض بعضهم للاعتقال، وجرى تحويلهم إلى التحقيق في مراكز قريبة من المدينة. وبحسب مصادر محلية، وما رصدته عدسات المواطنين، فإن عمليات إحراق المنازل وهدمها (أكثر من 10 مبانٍ) تتركّز في محيط المخيّم ومناطق تؤدّي إليه، وليس داخله، فيما يواصل جنود العدو حصاره من جميع محاوره، في ظلّ تحليق مستمرّ للمسيّرات، وانتشار للقناصة. في هذا الوقت، لا تزال قوات الاحتلال الموجودة داخل المخيّم تحاصر المراكز الطبية، وتحوّل بعض المساكن إلى ثكنات عسكرية، وخصوصاً في منطقتَي الجابريات والغُبَّزْ. كما واصلت الجرافات تخريب البنية التحتية، في حين «أُغلقت المداخل الأربعة لمدينة جنين ومخيّمها بالسواتر الترابية، ومنع الدخول إليها والخروج منها». يأتي ذلك في ظلّ خشية الأهالي من تنفيذ إسرائيل مخطّط اجتياح كبير لوسط المخيّم وتدميره بشكل كامل، ولا سيما مع استمرار جنود العدو في الدفع بتعزيزات عسكرية إلى هناك.
وفي اليوم الرابع من العدوان، وسّع جيش الاحتلال عملياته العسكرية في محافظة جنين، لتطاول العديد من القرى والبلدات؛ إذ حاصر جنوده، صباح أمس، منزلاً في قباطية، واستهدفوه بقذيفة صاروخية، فيما أُصيب مسنّ بالرصاص الحيّ. واستمرّ المقاومون، من جانبهم، في التصدّي لقوات الاحتلال، التي خاضوا معها، أمس، اشتباكات مسلّحة في محيط مخيم جنين وبلدة قباطية، كما قاموا بتفجير العديد من العبوات الناسفة بالآليات العسكرية الإسرائيلية. وقالت «كتيبة جنين»: «نخوض في قباطية معارك ضارية مع قوات العدو في محيط المنزل المحاصَر، ونمطرها بالرصاص والعبوات»، مؤكدةً تمكُّن مقاتليها من تفجير عبوة ناسفة أرضية من نوع «kj37» بآلية عسكرية إسرائيلية. وعقب حصار المنزل لساعات، قالت مصادر محلية إن الشبان المحاصرين في المنزل تمكّنوا من الانسحاب بسلام. ومساءً، قصفت طائرات الاحتلال مركبة في بلدة قباطية، ما أسفر عن استشهاد شابين، فيما نقلت «هيئة البث» الإسرائيلية، عن مصدر أمني، قوله إن الجيش الإسرائيلي قصف سيارة «كانت بداخلها خلية مسلحة».
وسّع جيش الاحتلال عملياته العسكرية في محافظة جنين، لتطاول العديد من القرى والبلدات
أيضاً، شهدت بلدة اليامون غربيّ جنين، في ساعة متأخرة من مساء الخميس، اقتحاماً كبيراً نفّذته قوات الاحتلال، فيما استهدفت مسيّرة إسرائيلية منازل المواطنين في البلدة. كما اقتحم جنود العدو بلدة بيت قاد، واعتقلوا أحد قادة «الكتيبة» هناك.
وفي إجراءات قاسية إضافية، فرض الاحتلال حظراً للتجوال في جنين، في وقت قامت فيه طائرات مسيّرة من طراز «كواد كابتر» بتهديد كل مَن يتحرّك داخل المخيّم بإطلاق النار عليه، في مشهد اعتاد الفلسطينيون على رؤيته في غزة. وإلى جانب تهجير السكان وتفتيشهم واعتقالهم، لجأ جيش الاحتلال إلى تشديد الحصار على المخيم، وقطع الكهرباء عنه وعن أجزاء واسعة في محيطه، ما أدى إلى انقطاع التيار الكهربائي عن مستشفيَي «جنين الحكومي» و«ابن سينا». كما مُنعت طواقم شركة الكهرباء من العمل على إصلاح الشبكة.
وكان لافتاً، أمس أيضاً، اقتحام قوات الاحتلال منازل الأسرى المقرَّر تحريرهم اليوم في إطار صفقة التبادل مع «حماس»، حيث قام الجنود بتحذير الأهالي وتهديدهم من مغبّة تنظيم أيّ مظاهر احتفالية. ويتّضح يوماً بعد آخر من تطوّر مسار العملية العسكرية، أنها تمضي وفق السيناريو الغزّي، أي تحويل المخيّم إلى منطقة غير صالحة للحياة، وتدميره بشكل كامل وتهجير سكانه، وهو ما تعزّزه تهديدات قادة الاحتلال، والتي تكاد لا تتوقّف.
في سياق متصل، استمرت عمليات الأجهزة الأمنية الفلسطينية في محافظة جنين، والتي تتركّز على القرى والبلدات والريف، في إطار ملاحقة المقاومين الذين ينسحبون من المخيم. ونشرت منصات وحسابات تابعة لأجهزة أمن السلطة وأخرى مقرّبة منها، صوراً ومقاطع فيديو لاعتقال شبان قيل إنهم محسوبون على «كتيبة جنين»، بطريقة مهينة؛ إذ أظهرت دماءً وآثار ضرب على وجوه المعتقلين وأجسادهم، وإلصاق وجوه بعضهم بالأرض وشتمهم، وإجبار أحد المعتقلين على وضع التراب على وجهه ورأسه. وكانت الأجهزة الأمنية قد حاصرت، ليل الخميس، مجموعة من المقاومين وأطلقت النار عليهم في بلدة يعبد جنوب غرب جنين. ورداً على ذلك، أظهر مقطع فيديو متداول على مواقع التواصل الاجتماعي، طرْد عدد من الشبان الفلسطينيين محافظ جنين، كمال أبو الرب، من بيت عزاء الشهيدين محمد أسعد نزال وقتيبة وليد الشلبي – في بلدة قباطية جنوب جنين -، واللذين نفّذا عملية إطلاق النار في قرية الفندق شرق قلقيلية (قتل فيها 3 مستوطنين في السادس من الشهر الجاري)، واغتيلا في قرية برقين.
كذلك، دعت «الهيئة المستقلة لحقوق الإنسان» في فلسطين، في بيان، الخميس، إلى فتح تحقيق فوري في الحادث. وشدّدت على «ضرورة احترام الإجراءات القانونية المتعلقة بالقبض والتوقيف، وضمان الحفاظ على كرامة المواطنين في أيّ عمليات قبض أو توقيف».